يُصنف مرض الهوس كأحد الأمراض العقلية النفسية وعلى حسب ما صرح به العديد من الأطباء النفسيين أن المريض بهذا المرض يكون لديه نشاط كبير جداً فلا يستمر في الجلوس حيث يُفضل أن يذهب كثيراً ويتحرك كثيراً، ومن المُمكن أيضاً أن تصدر منه العديد من التصرفات غير المُتوقعة، فقد تجده يضحك بلا سبب أو يخرج إلى الشارع بملابس غير لائقة، حيث يُعاني المريض حينها من حدوث أوهام يُحدِث أفعالاً مُعينة على أساسها.
هوس جمع الكتب أو ببلومانيا أو داء العباقرة أو مرض المثقفين (Bibliomania):
أشار بعض الخبراء النفسيين إلى أن اضطراب (الببلومانيا) أو هوس جمع الكتب حالة متطرفة من حب الكتب، هو نوع غريب من الهوس يطلق على من لديه مكتبة كبيرة تفيض بالكتب، ومع ذلك يشعر بالشره الدائم لامتلاك الكتب ولا يعيقه شيء في امتلاك أي كتاب يراه، فهو لا يرى سوى كتاب جديد لا يمتلكه ويرغب به بشدة. ولا يجب الخلط بين هوس الكتب (البيبليوفيليا) الحب المفرط للقراءة والكتابة وبين (البيبليوفيليزم) وهو حب الكتب -الصحي نفسياً-، حيث الشخص الذي يعشق الكتب ويُحب قراءتها، وبالتالي لا يعد اضطراباً نفسياً إكلينيكياً.
تاريخياً كان مصطلح البيبليوفيليا يطلق على جامعي الكتب، ففي عصر التنوير مثلاً كان الحصول على الكتب ليس بالأمر السهل، لذلك كان جامعو الكتب يحظون بنظرة رقي خاصة في المجتمع، أما وبعد ما صار اقتناء الكتب أمراً متاحاً للجميع تغير معنى المصطلح، فالشخص الببيلوفيلي في هذا الوقت هو المحب للقراءة، المفرط في حب القراءة واقتناء الكتب، وتظهر أعراض هذا الهوس في الآتي : أن تقرأ كتاباً لا تسطيع تركه، أو أن تغرق في زحمة الكتب وأنت تشتري كتاباً، أو أنّ تمتلئ فرحاً كلما أضفت كتاباً جديداً إلى مكتبتك، أو أنّ تشتري كتباً تفوق طاقتك على قراءتها، وأن تضيع داخل رواية بعيداً عن الواقع، أو أن تسهب ورفاقك في الحديث عن كتاب ما وتقضون الساعات الطوال في ذلك، وربما أن تفرط بالنظر إلى مكتبة تكتظ بالكتب، وأن تبقى مستيقظاً حتى منتصف الليل إلى تنتهي من قراءات كتبك، وكذلك عدم القدرة على النوم وغيرها، كل ذلك مؤشر لإصابة الشخص بالبيبلوفيليا. ولا يشترط المهووس نوعاً مُحبباً من الكتب، إنما يود الامتلاك تحت ذريعة أنه يُمكن أن يحتاجه في المستقبل، فهو لا يحتمل رؤية كتاب ليس ملكاً له، إنه يعشق شكلها ورائحتها وحتى صوتها، ويخاف عليها خوفاً شديداً، يجعله يصل إلى تجميع عدة نُسخ من نفس الكتاب.
في القرن التاسع عشر، كتب القس الإنجليزي توماس فروجنال ديبدين عن اضطراب عانى هو شخصياً منه، في كتابه ببلومانيا (Bibliomania)، وصف ديبدين أعراض هوس الكتب وأشار إلى أنواعه، ومن بينها جمع الطبعات الأولى، والطبعات الأصلية، والكتب المطبوعة بالخط القوطي، والنسخ الورقية الكبيرة. ووفق ما ذكر ديبدين فقد بلغ (طاعون الكتاب) ذروته في باريس ولندن بعد الثورة الفرنسية عام 1789، وأكَّد أنه كارثة قاتلة ومرض يصيب الكُتَّاب، ويهاجم الذكور بالأخص، من الطبقات العليا والمتوسطة، تاركاً الطبقات الأدنى في سلام. تردد المصطلح قبل نحو قرنين إذن ليُشير إلى الهوس بجمع الكتب بعدد يكاد يكون من المؤكد أن صاحبه لن يستطيع قراءته، إنها الرغبة في اكتناز أكوام لا نهاية لها من الكتب بصورة قد تؤثر في صحة الفرد وعلاقاته الشخصية، إذ تطغى تلك الرغبة في شراء الكتب وتخزينها على كل رغبة أخرى.
حتى اليوم لم يُصنَّف هذا الهوس بجمع الكتب باعتباره اضطراباً نفسياً معترفاً به في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية الصادر عن الجمعية الأمريكية للطب النفسي، رغم أنه يُعَدُّ أحد أعراض بعض اضطرابات الوسواس القهري، وقد يؤدي لدى البعض إلى انهيار العلاقات الشخصية أو الإضرار بصحتهم.
كتب الدكتور نورمان وينر ورقة عن هوس جمع الكتب في مجلة التحليل النفسي الفصلية عام 1966، مُشيراً إلى تجاهل المحللين النفسيين لهذا الهوس، كما استشهد بحالة تُشير إلى أنها تُعَدُّ هواية لدى بعض المصابين بهوس جمع الكتب لتخفيف القلق.
عبر التاريخ، ربطت كثير من المجتمعات بين مكانة الفرد وما يمتلكه من معارف، ويبدو أن الأمر ارتبط تدريجياً بما يملكه من كتب بالتبعية، يذكر المؤرخ الكبير أحمد المقري التلمساني في كتاب (نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب) كيف كان أهل الأندلس أكثر العرب اعتناء بالكتب، فكان اقتناء الكتب علامة من علامات الفخر لدى الأندلسيين، وكان لأصحاب المكتبات مكانة بارزة دفعت بعض مَن لا يقرؤون ممن يريدون حيازة السلطة إلى أن يُقيموا مكتبات في بيوتهم لا لسبب إلا أن يصيروا حديث الناس بسبب جمعهم مجموعات نادرة من الكتب لا يملكها غيرهم.
المهووسون
في أوروبا في القرن التاسع عشر، كان الاضطراب يُمثِّل مرضاً مخيفاً، وكان أغلب مَن يعانون منه من رجال الطبقة العليا، ويعود الخوف منه إلى الاعتقاد بأنه يمكن أن يتسبَّب في هلاك ضحاياه في سعيهم لامتلاك النسخ الفريدة من الكتب، فضلاً عن أن كثيرين ممن عانوا منه كانوا ينفقون ثروات باهظة في محاولة الحصول على الكتب.
وفي عصور أحدث، وبين أشهر الكُتَّاب، كان شبح الهوس بجمع الكتب يبدو فيما تضمَّنته مكتبات أشهر المؤلفين؛ فقد كان لدى الكاتبة البريطانية فيرجينيا وولف في مكتبتها الشخصية نحو 4000 عنوان، وكان الكاتب الأمريكي إرنست همنغواي يشتري نحو 200 كتاب في العام، وهكذا فبعد وفاته عُثر في مكتبته في كوبا على ما يقرب من 9000 مجلد، فضلاً عما احتوته مكتبة منزله الآخر في كي ويست بالولايات المتحدة.
عليه تحتاج المستويات المتقدمة من الببلومانيا إلى العلاج، ويصف المتخصصون للمصابين عقاقير مماثلة موصى بها للاضطرابات القهرية عامة، إلى جانب العلاج السلوكي المعرفي الذي يُعَدُّ أكثر فائدة، ويتضمن علاجات نفسية مصممة للمصابين بهوس الكتب لممارسة تحديد الأهداف وتحقيقها مع الوقت وبالتمرين البطيء.