يشتري أشياء لا يحتاج إليها، وهي رغبة شديدة في التسوق، ويقبل على أكل الحلويات في كل الأوقات والظروف، يعشق (الخرجات) والرحلات مهما كان الوقت والظرف والفصل، ويتعدى الأمر إلى عشق أشخاص غير قريبي المنال كالشخصيات المشهورة ومعرفة تفاصيلهم الخاصة والدقيقة، ومنهم من يدمن ويغرق ضمن بحور السهر إلى أوقات متأخرة من الليل، هي حالات لأشخاص يقبلون على ممارسة العديد من السلوكيات والتصرفات في حياتهم بدرجات لا يمكن وصفها، ومبالغ فيها ويمكن تخيلها، بل حتى هناك من يصفها بالجنون، هي التي تسمى بـ(الهوس) الذي يتجاوز درجات الحب والرغبة والإرادة في بلوغ المراد من طرف هؤلاء الأشخاص، نطرح بعض التوصيفات الاجتماعية والعلمية لهذه الظاهرة في هذا الموضوع.
حدد المختصون في المجال العلمي والبحثي عدة أوصاف لما يسمى بالهوس والمهووسين، وهي درجات متقدمة للانشغال بشيء ماء تقترب من الجنون، فمن نشوة الشغف والجنون إلى الاكتئاب الشديد، ومن التهوّر والاندفاعية إلى اللامبالاة، هذه هي الحالات المتطرفة المنسوبة إلى الهَوَس الاكتئابي أو الاضطراب ثنائي القطب، وهو الذي كان يسمى سابقاً الذهان الهَوَسي الاكتئابي (Manic Depressive Psychosis)، وهو مرض نفسي يتميز بعدم اتزان المزاج وقد يكون المرض خطيراً ويشكل عائقاً جدياً في الحياة اليومية.
يُعرف الاضطراب ثنائي القطب أيضاً باسم مرض الهَوَس الاكتئابي عندما يشكل التصرف الجنوني المتطرف الهَوَس أحد طرفيّ الاضطراب، بينما يشكل الاكتئاب الشديد طرفه الآخر. وقد تستمر التغيرات المزاجية المتطرفة في مرض الهوس الاكتئابي طيلة الأسابيع بل حتى بضعة أشهر كاملة بحيث تسبب خللاً في التحكم بالأمور الحياتية الطبيعية لدى الأشخاص الذين يعانون منها، وقد يؤثر أيضاً على العائلة ودائرة الأصدقاء القريبين.
كما تشير الكثير من الأبحاث التي يتم إجراؤها لبحث الموضوع في الآونة الأخيرة إلى أنّ اضطراب الهوس الاكتئابي يحمل معه الكثير من الأعراض، مما يشكل سبباً في أن الكثير من المصابين بهذا الاضطراب لا يتم تشخيص إصابتهم به، وتزداد حالة اضطراب الهوس الاكتئابي سوءاً بشكل عام إذا لم تتم معالجته. المعروف أن نسبة الذين يقدمون على الانتحار من جراء الاضطراب ثنائي القطب هي نسبة مرتفعة، ولكن مع تلقي العلاج المناسب والفعال يصبح بالإمكان التحكم بالأمور الحياتية بشكل طبيعي وممتع ومثمر على الرغم من وجود الاضطراب ثنائي القطب.
نصادف في الحياة الكثير من المهووسين بممارسات قد نراها غريبة أو صعبة ومدهشة وقد تصل إلى الوصف بالجنون، نظراً لتعلق أصحابها بها يعيشون الحياة لأجلها، ويمضون الأوقات في ممارستها والاهتمام بها، وينفقون الأموال الطائلة عليها، وتتجاوز درجات العشق، والحب والهيام، منها الهوس بجمع الأشياء الغريبة والبحث عنها في كل مكان وفي أي زمان، إذ توجد فئة من الأشخاص يهتمون بجمع الأثاث القديم والمخطوطات وأدوات الزينة القديمة وكل ما له من عبق تاريخي قديم وتراثي ويستجمعون هاته الأشياء دون كلل أو ملل، ويشترون منها كل ما يجدون أمامهم، كجمع أنواع قديمة بأشكال مختلفة وأنواع عديد من المذياع القديم على رفوف كثيرة بكل الأحجام والألوان، وأنواع أخرى من آلات التصوير والتقاط الصور، مع أعداد أنواع الهواتف القديمة، بالإضافة إلى أدوات مختلفة من الأواني للبيت القديم، والصور وغيرها، أما تبرير وتفسير أصحاب هاته الأدوات والأجهزة وغيرها فهم يرونها تشكل جزءاً من الماضي الذي تفوح منه رائحة الأجيال القديمة، وعبق التاريخ الممزوج بصفحات من التراث، أو هو فن من الفنون والرقي بالذوق بجمع تشكيلات مختلفة من الأدوات، فالذي يراه الآخرون هوساً واهتماماً مبالغاً فيه وقد يوصف بالجنون فهم يرونه واجباً يسخرون كل أوقاتهم لجلب أكبر عدد ممكن من هاته الأدوات والأجهزة والآلات.
فيما نجد فئة أخرى مهووسة بالعيش في الصحاري والبراري، فهم يتحينون الفرصة أو لا ينتظرون الفرصة للخروج إلى الصحراء والعيش في الطبيعة ليس هروباً من المدينة أو طرق العيش الحضارية، وإنما عشق الصحراء وحب التأمل والعيش في الخلاء أصبح عشقاً وهوساً، ولهذه الفئة نظامها الخاص وأسلوبها المميز بعدد من الطقوس والتقاليد الرسمية، فلا يكفي الخروج والتأمل والمبيت أو غيره، وإنما يتعداه إلى إقامة جلسات طبخ وشواء وصيد وسهر وسمر إلى أوقات متأخرة من الليل، وهو ما يعرف بالتخييم، ولكن ليس هناك وقت محدد لمثل هاته الطقوس، وإنما بشكل مستمر يتجاوز الأمر العادي والطبيعي، إلى درجة أن تصرفاتهم وطبيعتهم تتغير بسبب السعادة التي يصلون إليها أثناء التحضير للخروج إلى الصحراء أو البراري.
هي تصرفات كثيراً ما تثير الاستغراب والاشمئزاز ربما أو الحيرة، ولكن من يمارسونها يرون أنها هي السعادة والفرح والغبطة، يقضون جل أوقاتهم في الاهتمام بها والعيش عليها، والبحث عنها، ويصفرون أموالاً طائلة لأجلها، ومنهم حتى من يقترض مبالغ مالية كبيرة من أجل تحقيقها، مع أنه لا يوجد أي سبب أو دافع يحتم عليهم فعل ذلك ولكن بالنسبة لهم يصلون إلى التضحية أو المخاطرة بحياتهم من أجل بلوغ هاته الأهداف أو المراد من أجلها.