تُعد الموسيقى التصويرية والإيقاعات المحسوسة ممتعة من جميع الجوانب الفنية في الأنيمي الأكثر جماهيرية (قاتل الشياطين) (Kimetsu no Yaiba)، وهي واحدة من أكثر العناصر السمعية المؤثرة فنياً على نجاح الحلقات بأكملها دون استثناء من الجزء الأول وصولاً للفيلم، ومن ثم ما تبقى من الحلقات التي يتم عرضها في هذا الموسم الذي ما يزال يُعرض حتى الآن. هذا بالتأكيد يؤدي إلى التفاعل الكامل حسياً مع التحريك المبهر، والتعبير التمثيلي إن صح القول. فالخيوط البصرية تثير قوة الملاحظة، وبمثالية تتوازن معها الألوان المليئة بالحركة والتغيرات، وتبني مفهوماً يتألف من قوة الخيوط الضوئية المرتبطة بالمصائر والقدر ومعنى الشبكة الحياتية برمتها الشبيهة بزهرة العنكبوت، فالمصدر التحفيزي في القصة يبدأ عندما يكتشف (تانجيرو كامادو) المشحون بالعاطفة والانتماء الأسري والقبائلي أو حتى العشائري؛ أن عائلته بأكملها قد قُتلت على أيدي الأشرار الذين يحولون البشر إلى شياطين أو القضاء عليهم في حال رفضهم. في البداية يلتقي تانجيرو كامادو وهو (ناتسوكي هاناي) بالرجل الصالح الذي يعلمه دروس المستقبل، لكي يستطيع النجاح في مسعاه، وهو علاج أخته الصغرى نيزوكو (أكاري كيتو) التي يحملها في صندوق خشبي على ظهره بعد أن تحولت إلى شيطانة، ومع ذلك بقي إلى جانبها بصفته الأخ الأكبر الذي يقوم بحمايتها محاولاً إعادتها إلى إنسانيتها، ومنعها من تحويل البشر إلى شياطين، مستعرضاً ذكرياتهما مع العائلة، والحنين الدائم للتلاحم الأسري الذي أسفر عن محبته لأخته بعد المذبحة التي تعرضت لها القرية بأكملها والمحن التي ذللها في حلقات متسلسلة. فهل سيستطيع تانجيرو أن يجد علاجاً لأخته وهو يقاتل الشياطين؟ أم أن قتال الإنسان مع الشيطان ملحمة لا تنتهي في كل عصر؟ وهل رواية القصص الإنسانية في فن الأنيمي الأكثر جماهيرية في العصر الحديث بدأت في مسلسل قاتل الشياطين؟ أم هي قصة العداوة الأزلية بين الإنسان والشيطان منذ بدء الخلق؟ وهل من تصعيد حقيقي في قصة حرب الإنسان مع شياطين الإنس والجن في الأجزاء القادمة؟
تقنيات التنفس والفن الدموي تزامنت مع ضراوة الشخصيات الشيطانية التي تشرح وتفكر بعيداً عن القاعدة الكلاسيكية في مثل هذا الأنيمي، إذ تقودنا الحركية نحو أهداف الفن القتالي المدروس بتوازن مع الشخصيات المبهرجة والمتلونة بألون منها الناري ومنها البارد، وقد برزت من خلالها فاعلية التحريك الفني والرسومات الدقيقة فنياً وحركياً بموضوعية ديناميكية ترتبط بفن القتال المرن، والمعقد في آن، خصوصاً في القطار، حيث بلغت الإيقاعات الدرامية ذروتها عند الغضب والخزي وفقدان الشخصيات لبعضها البعض عند الموت، وبثقل تراجيدي رغم الفكاهة من حين لآخر، مع الاحتفاظ بالتسلل العميق إلى مفهوم الإنسانية والحفاظ على رابطة الدم البشري، والنوع الإنساني والتخطيط الحركي الفعّال لإظهار المعنى التمثيلي والتعبيري حركياً ولونياً وفق التناقضات في المشاهد التي تشرح نفسها بنفسها دون الشرح الشفهي، مما يجذب الحواس نحو القصص المرتبطة ببعضها البعض في حلقات مشفرة، ومنتجة للأفكار التي تربط بين العصور وصراعاتها الأزلية. إذ لا يمكنك أن تحذف حلقة لتشاهد الأخرى، فالعقدة الدرامية ذات حبكة متينة، وتقدم لغزاً مثيراً يجعل المشاهد يفكر بشكل مستمر في حل قضية الأقمار التي يتبوؤها الشياطين كمراكز قوة، وما تمثله من منازل للشياطين وتصنيفهم تبعاً لدرجاتهم. بالإضافة إلى ذلك الفيلم الطويل بين الأجزاء وقوته في السرد البصري والسمعي والأسلوب المرئي اللوني النابض بالحياة، وحتى القصصي الذي كشف نوعاً ما عن تفاصيل العصور السابقة وأحداثها، من عصر ميجي وعصر التايشو وعهد إيدو والكثير من الإيحاءات التي تعيدنا تاريخياً إلى بداية العالم والصراع الأزلي بين الإنسان والشيطان، مما يمنحها منظوراً إنسانياً مشحوناً بالعاطفة التي يمتلكها تانجيرو الذي يرفض قتل أخته بعد أن تحولت إلى شيطانة لإيمانه الفعلي أنها ستعود إنسانة وتخرج من المأزق الذي وقعت فيه بعد ذبح أهلها من قبل الشياطين، فهل يمكن أن ينسجم الشياطين وبنو البشر معاً ذات يوم؟ أم أن رابط الأخوة لا يمكن قطعه تحت أي ضغوط يمكن أن تمارس على أحد أفراد العائلة؟
التحكم بخطوط الدمى في بعض المعارك هو جزء من تشكيل بصري ثلاثي الأبعاد، يُمثل نوعاً من خلق مساحة مفتوحة الرؤى تُجسد فكرة أزلية الصراعات بين الشر والخير، لفك الغموض عن بعض الشخصيات والصدمات المفاجئة لها، فالشيء الوحيد الذي لا يُمكن سحقه هو الإرادة البشرية في سعيها للوصول إلى القيمة الإنسانية مهما تجرع الإنسان مرارة الألم. فبلوغ الذروة الدرامية في النضال المستمر عند التلميح للمحظيات الرفيعات المستوى في فترة عصر إيدو وكأن الشياطين تنبعث من الماضي، لتستمر في الحاضر الذي يقاتل فيه تانجيرو كامادو الأشرار لتحقيق رسالته الإنسانية من جعل البشرية دون صراعات دموية، فالفن الدموي عند الشياطين رمزيته هي الشيطان الذي يجري كالدماء في عروق الإنسان محاولاً امتلاكه أو أذيته، وهذا يعطي ميزة درامية معقدة في قصة قاتل الشياطين والفنون القتالية في رسوم متحركة غير مقيدة بجمود الحبر والألوان، وإنما نابعة من الانعكاسات الضوئية والألوان المنسجمة مع الحدث وشكل الشخصيات ومضمونها النفسي والأخلاقي مع الحفاظ على مفاهيم فن القتال كما في قوله: (على الرغم من أنها قوية رأسياً، إلا أنها ضعيفة أفقياً، لذلك تحتاج إلى تطبيق القوة مباشرة على طول النصل بمعنى اتجاه النصل، والاتجاه الذي تُطبّق عليه القوة، عليهما أن يكونا في نفس الاتجاه)، ومن ثم أضاف: إذا قمت بتخريب السيف أي قمت بكسره فسوف أكسر عظامك أيضاً، بنبرة مخيفة. فالقسوة والتسامح ثنائية درامية قام بها الرجل الصالح في إبراز قيمة فن القتال لتكون في مسيرته هي النواة الحقيقية قبل الانطلاق في حلقات مع تانجيرو، ففي الحلقة الرابعة من الموسم الأول قال تانجيرو كامادو: (سبب فوزي هو أنني تعلمت كيفية استشعار رائحة خيط الثغرات. عندما أشم هذه الرائحة وأنا أقاتل أحدهم أستطيع رؤية الخيط. يكون الخيط متصلاً من نصل سيفي إلى مكان ثغرة العدو). فالخيط هو صلة الوصل بينه وبين الهدف. كما أن الخيط بمعناه المجازي هو المكر الشيطاني في حياة البشر، فالأشكال التصويرية مرسومة بدقة، وبفن مدروس ومتوازن. فهي بصرياً تقوم على تغذية الذهن لما تحمله من جمالية تهدف إلى خلق شبكة متحركة تؤلف حواراً قتالياً مهماً ينسجم مع النص أو المشهد، وبخاصة في الحلقة الرابعة التي تُعتبر اللب البصري أو الفني القائم على إبراز قيمة الفن القتالي في عصر منسوب إلى عصر جديد. والسؤال الأهم في هذا الجزء هو: كيف أعيد شيطاناً إلى إنسانيته؟ وهل يمكن أن تنسجم الشياطين وبنو البشر معاً ذات يوم؟
بلاغة وحكمة كتبتها (كويوهارو غوتوغي) في عظة مستخرجة من الفعل ورد الفعل عند الإنسان الذي يعاني للوصول إلى الخير والكمال والفضيلة، وبناء الإنسان في كلمات تمثل نوعاً من الحكمة مثل: (عش مرفوع الرأس حتى إن غرقت في بحر الضعف والجبن، وأشعل قلبك حتى لو توقفت عن الحراك وخضعت لضعفك، لن ينتظرك الزمن، لن يواسيك ويحزن معك. ومن يتقنون حرفتهم سيصلون دائماً، وإن تغيرت العصور أو تغير الطريق المؤدي إلى هناك سيقصدون المكان نفسه حتماً). فمهما أزهقت الشياطين أرواحنا فإن الشىء الوحيد الذي تعجزعن سحقه هو إرادة البشر. مهما جرعونا مرارة الألم سيعاود البشر النهوض والكفاح، فالقلب والروح هما مصدر التحفيز لدى البشر، وكل ما على الشياطين فعله هو تدمير جوهر الروح ليكون قتلهم سهلاً، فجميع القلوب البشرية سواء، لأنها ضعيفة وهشة برأيهم، وهذا ما يريد نفيه تانجيرو من خلال استمراره في الحرب معهم، لتُشفى أخته وتعود الإنسانية للبشر الذين تحولوا إلى شياطين. وإن تعاطف مع أخته التي من المفترض أن يقتلها لتحولها إلى شيطانة رغم أنها تمثل حالة نادرة لأنها لم تأكل إنساناً؛ لكنه صمم على رحلة شفائها في مواجهة الشر أو (كيبوتسو جي موزان) (الشيطان الكبير) وخصومه الذين يريدون تحويله إلى شيطان أو قتله. إذ يقول أيضاً: أتعرف سبب ولادتك أقوى من الآخرين؟ من أجل أن تناصر الضعيف. من ولدوا ورزقوا بمواهب أكثر من الآخرين عليهم تسخير قوتهم للخير، لمصلحة العالم والناس، لا يجب أن تؤذي الآخرين بقوة وهبتك إياها السماء، ولا أن تتسلط وتطغى. فمناصرة الضعيف هي واجب من ولدوا أقوياء، وهذه الحكمة يستنتجها المُشاهد فعلياً من خلال سلوكيات الشخصيات التي تحارب الأفكار الشيطانية مع تانجيرو الذي يبحث عن الأسباب المؤدية لهذه الحرب الغامضة الأسباب مع شياطين تهدف إلى القتل وتدمير الإنسان لتحويله إلى شيطان. فهل الأكوان الخيالية في فن الأنيمي مفتوحة على معنى الإنسان وأهدافه في الحياة التي يسعى لتحقيقها، ألا وهي منح العالم إنسانية للعيش بسلام؟ وهل جماهيرية مسلسل قاتل الشياطين وصلت لذروتها لأنها قضية الشيطان وصراعه مع الإنسان الذي خُلق من طين وهو المخلوق الناري؟ أم أن النفوس الشيطانية لا كنه لها وفعلياً موجودة في الإنسان؟ وهل يشدد هذا الأنيمي على الرابط الأسري وأهميته في حياة الجماعة أو القبائل والقرى وحتى المدن؟ أم هي حكاية تراجيدية