مجلة شهرية - العدد (577)  | أكتوبر 2024 م- ربيع الثاني 1446 هـ

كلمات

الحوافر التي وحّدت البلاد..
(الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)، يؤكد هذا الحديث النبوي أن الخيل باقية ما بقي الزمن، محافظة على مكانتها وألقها في النفوس، لما لها من مزايا وتبجيل في ثقافة الشعوب، فهي عريقة النسب، وأثمن الكسب، ورأس مال العرب على مر التاريخ، وثروة الدول، وقد حافظ الإنسان على سلالتها منذ القدم حتى أضحت كعروق الذهب. على صهواتها تحققت الأمجاد، وصهيلها يطرب الأسماع، وركض حوافرها يرهب الأعداء، ويحمي البلاد. وقد تحققت أقوى وحدة عربية إسلامية في العصر الحديث على صهوات الجياد، بقيادة الملك الموحد عبدالعزيز ورجاله الأبطال. وحينما ترجل الفرسان عن صهوات جيادهم، وهدأ غبار المعارك؛ وجدت لنفسها ميادين للحضور، وكسبت تصفيق الجمهور من خلال السباقات وتحقيق البطولات ورفع أعلام دولها، وذكر ملاكها في المحافل المحلية والدولية. وحتى بعدما ظهرت وسائل النقل الحديثة بقيت الخيل أكثر تنافسية، وفرضت قوتها قياساً للمحركات الميكانيكية. أما جمالها ورشاقتها وجاذبيتها فتسرق الأنظار، وتأخذ بالألباب أكثر من أفخم المركبات. وفي أوصاف الثناء والغزل يمدح الرجل بوصفه حصاناً وتوصف المرأة - إعجاباً - بالفرس.
***
عشق الرمال
وللناس فيما يعشقون مذاهب..
كثيب الرمل عندي أمتع نظراً وأبهج شعوراً من شاطئ البحر، حتى إن البحر يأخذ بعداً جمالياً حينما يكون شاطئه رملياً، وما يزيد النفود جمالاً وسحراً هو القمر، فمن لم يشاهد تموجات الرمال تحت ضوء القمر فإنه لم يرَ أجمل منظر تزهو به الطبيعة.
عشت صغيراً في كنف الرمال، تصحو عيناي كل يوم على مشاهدة الكثبان الرملية، وحينما تطؤها أقدامنا الصغيرة نشعر بنعومتها ونقاوتها، فنرتمي في أحضانها وننسى أنفسنا ونحن نتدحرج أو ندفن أجزاء من أجسادنا في أعماقها أو نتساقط من علوها بسرعة الريح أو نبني منها بيوتاً وحصوناً بعد المطر. كبرنا وكبر حبها معنا، أنا وأقراني، نكتشف أنفسنا من خلال آثار مشي أقدامنا، فنضحك من خطى أحدنا، ونندهش من خطوات أخرى لها ملامح وتعابير وجوهنا ومشاعرنا. ومازلنا نكبر لتصبح الرمال سبورة أحلامنا، نخطط مستقبلنا، ونعبر عن دواخلنا برسومات رومانسية تكاد تنطق بما تكنه أفئدتنا، أو نحاول أن نستودع الرمال أسرارنا وأمنياتنا، وفي المساءات المقمرة نتسامر على سفوحها، ونغفو بين فترة وأخرى ونحن نتأمل النجوم منقوشة على قبة السماء الكرتوازية، وقد يأخذنا السمر إلى انبلاج الفجر الأزرق.
آه، ذهبت أيامنا، وتفرقت خطواتنا، ولايزال الحنين يعيدني إليها. أبحث عن نفسي، وأشعر بروحي، وأجد ذلك كلما زرت مزرعتنا التي تغفو في حضن النفود، وأجلس وقت الأصيل في أعلى تلالها في إطلالة بانورامية على واحة النخيل، وعلى سماع صوت الإبل وهي قادمة من مرعاها، وبعد الغروب أرسم على جبينها آثار الصلاة، وأطبع على خدها الناعم سجدة ترفعني للسماء.
هكذا عشقت الرمال، وما أجمله من حب ممتد من الثرى إلى الثريا.
***
الرقصة الملكية المهيبة
العرضة السعودية فن من فنون الفلكلور الشعبي المتجذر في أعماق الثقافة السعودية، يبرز بها السيف بطولته، مستعرضاً حدته وسرعته وإحكام قبضته، وهي ممارسة رياضية تعبر عن الانتصار والانتشاء، وفي الوقت نفسه الاعتداد والاستعداد.
أصبحت العرضة تقليداً ملكياً، فيها تحيا الأعياد والمناسبات الوطنية، ويؤديها عدد كبير من الرجال في آن واحد، يتحدثون بلغتها، ويتحاورون مع بعضهم دون أن ينطق أحدهم للآخر بكلمة إلا بلغة الجسد وترديد أناشيدها الحماسية ونظرات العز والإباء ومبارزات السيوف الصقيلة لبعضها حتى كأنها تشعر وتتفاعل وتتعارك.
لها تقدير خاص لدى الملوك السعوديين ورمزية ثقافية، وتكاد تكون الفعالية النادرة التي ينزل بها (الملك) إلى الميدان مع الجموع ويؤديها بتلقائية لا متناهية، يعبر من خلالها عن عشقه لتاريخ وطنه واعتزازه بثقافته، وينهي مراسمها بالتحافه الراية الخضراء، ثم يطبع قبلة الختام مبللةً بالدموع أحياناً.
في كتابه (مع عاهل الجزيرة العربية) أبدى الأديب عباس العقاد -يرحمه الله- إعجابه بالعرضة، رقصة الحرب، ووصفها بأنها رقصة مهيبة متزنة، تثير العزائم وتحيي في النفوس حرارة الإيمان والشجاعة، وذكر أنها من أحب الرياضات للملك عبدالعزيز -يرحمه الله-، ويتفق أحياناً أن يستمع جلالته إلى أناشيدها ويرى الفرسان وهم يرقصونها، فتهزه الأريحية ويستعيد ذكرى الوقائع والغزوات فينهض من مجلسه ويزحزح عقاله ويتناول السيف وينزل إلى الحلبة مع الفرسان فترتفع حماستهم حين ينظرون إلى جلالته بينهم.
وتلك من مظاهر التحام القائد مع رجاله.

ذو صلة