مجلة شهرية - العدد (582)  | مارس 2025 م- رمضان 1446 هـ

الاحتفاء الشعري بندوة عبدالعزيز الرفاعي

يصفها الدكتور عائض الردادي بأنها (أقدم الندوات الأهلية في الرياض وجدة والطائف، وكانت أمّاً شجعت على ولادة ندوات في أكثر مدن المملكة العربية السعودية)، وهذا صحيح إذ جاءت اثنينية الشيخ عثمان الصالح بعد وفاة الرفاعي وتوقف ندوته، وجاءت ندوة الوفاء لأحمد باجنيد امتداداً لندوة الرفاعي رحمه الله، وجاءت فكرة أحدية الشيخ أحمد المبارك في الأحساء بسبب حضور جلساتها.
وقد تحدث عنها الرفاعي رحمه الله مهوّناً من شأنها فوصفها بأنها جلسة أو ديوانية كسائر مثيلاتها في الرياض وفي غيرها من المدن، وهي جلسة عفوية ليست مرتبة، كما أنها ليست مستوحاة من أي جلسة سابقة في أرجاء الوطن العربي، وتحدث في لقاء صحفي عن بداياتها ومكانها فقال: (بدأت الجلسة عام 1382هـ في دار صغيرة كنت استأجرتها في الملز في حي البحر الأحمر في غريفة لا تزيد عن 4 في 5 أمتار، كان يوم الخميس من كل أسبوع هو اليوم الذي أخصصه لاستقبال أصدقائي ومعارفي، فقد كنت أعمل ليل نهار، وحين قدمت إلى الرياض من جدة لم أكن أعرف بها إلا القليل، فكنت في حاجة إلى أن آنس بأصدقائي وأجتمع بمعارفي).
كان الرفاعي يفتح بيته بعد صلاة المغرب، فيبدأ الرواد في التوافد إلا أن جل الرواد لا يأتي إلا بعد صلاة العشاء حيث الوقت الرسمي للندوة، ويمتد وقتها إلى منتصف الليل تقريباً، وعندما كان صاحب الندوة على رأس العمل كان لها رحلتان: إحداهما شتاء في الرياض وأخرى صيفاً في الطائف حيث ينتقل عمله إلى هناك، وعندما تقاعد صاحبها من عمله أصبح لها ثلاثة مواطن: هي الرياض شتاء، ثم تنتقل إلى جدة (حي الأمير فواز) من قبيل شهر رمضان إلى شهر شوال، ثم إلى الأندلس صيفاً حيث يقضي شهور الصيف هناك في (ملقا)، وهناك يحضر الندوة من يصطافون في الموعد نفسه مساء الخميس.
ولا يحدّد للندوة موضوع معيّن، بل تأتي موضوعاتها عفوية، غير أن الموضوع إذا طُرح استأثر بجل الوقت، وأحياناً يكون هناك ضيف زائر فيعطى الفرصة للكلام عن الاتجاه المبرّز فيه، ويعقب ذلك الأسئلة فالحوار والتعليق، ويبدأ الحوار بتعريف يتولاه عميد الندوة ثم يتتابع الحديث، ويخصص الثلث الأخير من الندوة للشعر، وكان الرفاعي رحمه الله رباناً بارعاً في إدارة الحوار، مع أنه يذكر أنه واحد من حضورها، وقد يطلب من غيره إدارة الحوار، لكنه هو المدير الفعلي للحوار.
يقول الدكتور عائض الردادي واصفاً الندوة: (كانت الندوة زينة المجالس في رقي حوارها، فالحوار يدور على مستوى رفيع، يتعرف من يحضره على حوارات الرجال والمثقفين وآدابها، وحسن الكلام، وحسن الصمت، ويرى بعينيه أن مجالس ذوي الفضل مدارس آداب، ومعاهد ثقافة، وأنها راحة للنفس، وواحة للوجدان، وسلوة للحزين الحيران بما يتخللها من طرائف تليق بمجالس ذوي الفضل).
استمرت الندوة الرفاعية في مقرها الأول في حي الملز، ثم انتقلت إلى مقرها الثاني في حي الروضة بالرياض عام 1403هـ/1983م، وتوقفت بوفاة صاحبها رحمه الله عام 1414هـ/1993م.
وقد نظّمت ندوة الوفاء التي تعد امتداداً لها احتفالاً بمناسبة مرور نصف قرن على إنشائها في مركز الملك فهد الثقافي، وكان ذلك في عام 1432هـ/2011م، ورعى الحفل معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة.
وقد حظيت الندوة وصاحبها بالعديد من التحايا الشعرية من عدد من الشعراء السعوديين والعرب، أبرزهم: أحمد سالم باعطب، وعبدالله بلخير، وزاهر الألمعي، وعبدالقدوس أبو صالح، وعصام الغزالي، وزكي قنصل، وعلي النعمي، وأحمد الشامي، وغيرهم، وجميع النصوص مثبتة في كتاب الدكتور عائض الردادي عن الندوة.
احتفاء الشعر بندوة الرفاعي
رصد الدكتور عائض الردّادي كل ما استطاع الوصول إليه من شعر قيل في الشيخ عبدالعزيز الرفاعي وندوته، فبلغت اثنتين وعشرين قصيدة، وهي: ينبوع يشع ضياء لأحمد سالم باعُطُب، وندوة الرفاعي لأحمد حسين شرف الدين، ويا مرحباً بسفيرة الأدب لعبدالله بلخير، ودارة عبدالعزيز الرفاعي لزاهر الألمعي، ومع عبدالعزيز الرفاعي لأحمد الخاني، وتحية الدارة والندوة الغراء ووداع الطائر العائد لعبدالقدوس أبو صالح، وتحية الرفاعي لحسين جبران كريري، وتحية لندوة الرفاعي والعطر في الوداع لعصام الغزالي، وندوة الخميس لزكي قنصل، وكتاب الله لضياء الدين النقشبندي، وتحية إكبار لعلي النعمي، وتحية لندوة الرفاعي لأحمد الشامي، وتحية إلى الرفاعي لعبدالجواد طائل، وكلمة شكر لعبدالله الشيخ بن بيّه، ووجب التكريم لمحمد حسن العَمري، وغبوق الأشجان لأحمد البراء الأميري، والعميد النبيل والندوة الرفاعية لحيدر الغدير، وهناك قصيدة عنوانها (تحية الندوة) وجدها الردّادي في ملف الندوة ولم يعرف صاحبها، ومطلعها:
أراني بجُنح الليل آنستُ في الدجى
وميضاً عليه الأنجمُ الزهرُ ترتمي
وقد أرّخ الدكتور أحمد الخاني للندوة الرفاعية، وحاول أن يتعرف على اسم الشاعر المجهول الذي نظم هذه القصيدة فقال: (أظن أنها للدكتور زاهر بن عواض الألمعي، فهي أشبه بشعره)، وفي محاولة للتأكد من هذا الظن راسلت الدكتور الألمعي فنفى نسبة القصيدة إليه، وقال: (هذه القصيدة ليست لي، بل هي لشاعر آخر).
وأول ما يلفت النظر في قائمة الشعراء الذين ارتادوا ندوة الرفاعي ونظموا فيها قصائد تعدد جنسياتهم، فعبدالقدوس أبو صالح وحيدر الغدير وأحمد البراء الأميري وأحمد الخاني سوريون، وأحمد الشامي وأحمد شرف الدين يمنيان، وزكي قنصل شاعر مهجري من الأرجنتين أصوله من سوريا، وعصام الغزالي وعبدالجواد طائل مصريان، وابن بيّه موريتاني، والبقية شعراء سعوديون.
ويمكننا التعرف على نصيب الشعر وحضوره في ندوة الرفاعي من أحد رواد الندوة ومن شعرائها، وهو الدكتور أحمد الخاني إذ تحدث عن هذا الجانب فقال: (وقت الشعر هو اللحظة المرتقبة في الخميسية الرفاعية، وهو الوقت الأبهى والأبهج، والأندى والأنضر، والأكمل والأجمل).
وحين نلقي نظرة أولى على القصائد التي قيلت في الرفاعي وندوته نجد أنها نظمت وألقيت في الندوة في تواريخ مختلفة ومتباعدة نوعاً ما، وأقدمها قصيدة عصام الغزالي (تحية لندوة الرفاعي) المؤرّخة بعام 1398هـ، ومنها قوله:
هيّا بنا قد أشرقت داري ودارك في الملزّ
حسناءُ ضاعفَ مهرَها عبدُالعزيز ولا يُبزّ
وقد كتبت القصيدة بخط مذهب وعلّقت في مقر الندوة، والملز: الحي الذي كانت فيه الندوة وقت إنشاء القصيدة.
وآخر قصيدة ألقيت فيها قصيدة الشاعر المهجري زكي قنصل، وعنوانها (ندوة الخميس)، وهي مؤرّخة بعام 1412هـ/1992م، ومطلعها:
صبوتُ إليكَ يا يومَ الخميسِ
صُبوّ الحقلِ للمطرِ الحبيسِ
وحينما نتمعن في النصوص التي كُتبت في الندوة الرفاعية نجد أنها تؤرّخ لمسيرة الندوة وأماكنها، بل إن انتقالها من مكان إلى آخر يكون محفّزاً لولادة قصائد، أو انقطاعها مدة من الزمن وعودة صاحبها إلى استئناف لقاءاتها، أو مرور عدد من السنوات التي تدعو بعض الشعراء إلى التوقف عند ماضيها واستشراف مستقبلها، فبعد مرور عشرين عاماً على تأسيس الندوة، أي في عام 1402هـ/1982م كتب الشاعر أحمد سالم باعطب قصيدة عنوانها (تحية ندوة معالي الشيخ عبدالعزيز الرفاعي بمرور عشرين عاماً على تأسيسها)، وفيها يقول:
نبعٌ تدفّقَ في الرياضِ سناءَ
ينسابُ سمحاً رائقاً وضّاءَ
تتعانقُ الأفكارُ فيه طروبةً
وتطيبُ في ثغر الزمانِ غناءَ
تسري النسائمُ منه عاطرةَ الندى
تروي الليالي الخالدات عطاءَ
نبعٌ به ابتسمت مصابيحُ النهى
يسقي النفوسَ سعادةً وهناءَ
يا جدولاً للخيرِ جئتكَ لاهثاً
كي أرتوي ولكم رويتَ ظِماءَ
إلى أن يقول:
عشرون عاماً أنتِ قد أمضيتها
صرحاً يتوّجه الفخارُ بهاءَ
وحينما انتقلت الندوة من مكانها الأول في حي الملز إلى حي الروضة بشرق الرياض عام 1403هـ/1983م كتب الدكتور عبدالقدوس أبو صالح قصيدة بمناسبة (تجديد مقر الندوة)، وفيها يقول:
يا دارةً دار الحديث بأنسها عبقاً وسحرا
فاضت مجالسها هدى، وتنزّهت لغواً وهذرا
وتنافس الأدباءُ في حلباتها شعراً ونثرا
شدّ الودادُ عراهمُ فتآلفوا عسراً ويسرا
فإذا انتجعتَ القومَ في ناديهمُ ألفيتَ بحرا
أدبٌ يُقالُ وحكمة مروية، وجزيت خيرا
وقد تتوقف الندوة مدة طويلة أثناء وجود الأستاذ عبدالعزيز الرفاعي خارج المملكة للاصطياف أو الاستشفاء، فيشعر روادها بفراغ كبير وحنين جارف لأمسياتها، ومن هنا فعندما عاد الرفاعي واستأنف ندوته بعد توقف طويل في عام 1407هـ/1987م، ومن هنا فقد كان ذلك سبباً لولادة قصيدة كتبها أحمد حسين شرف الدين، وفيها يقول:
سعدت بعودِ عميدنا الأرجاءُ
وغشا القلوبَ مسرةٌ وهناءُ
وتناقل النبأَ الطريفَ بفرحةٍ
أبناؤه الشعراءُ والأدباءُ
هذي (الرياضُ) سعيدةٌ نشوانةٌ
بقدومه و(الروضةُ) الفيحاءُ
والندوةُ الغرّاءُ عاد رواؤها
وأنارَ فيها وجهُه الوضّاءُ
ذاك الذي لم تخلُ منه بشاشةٌ
وتأدبٌ وتواضعٌ ووفاءُ
وكان من عادة الرفاعي رحمه الله أنه يودّع ضيوفه بقارورة عطر إذ يضمّخ أيديهم بالعود، ومن هنا سمّى الشاعر عصام الغزالي قصيدته في الندوة (عطر الوداع) التي كتبها بمناسبة سفره إلى بلده مصر، وفيها يقول:
عقلتم لساني فمن يُطلقُ
وصافحتُ والعين تغرورقُ
هو الحبُ جئنا وعدنا به
ومن كل أفقٍ به نُشرقُ
من الشرق والغربِ يزهو بهم
نديٌ كريمُ القِرى مُعرِقُ
على ربه بسمةٌ أورقت
وقالت لسمّاره: أورقوا
وصافحتُ والعطرُ في كفّه
فألفيتُ للعطر ما يُلصقُ
وقد تأثر رواد الندوة بهذه القصيدة الوداعية التي تضمنت مشاعر صادقة تجاه الندوة وعميدها وروادها، فعارضها أكثر من شاعر وكتبوا على منوالها، ومنهم: الدكتور عبدالقدوس أبو صالح في قصيدته (وداع الطائر العائد)، ومطلعها:
نقصُ الجناحَ ولا نُعتقُ
ونوثقُ قيداً فلا نُطلقُ
ثم يخاطب زميله الشاعر عصام الغزالي في نهاية القصيدة، ويطلب منه ألا ينسى رفاق الأدب الذين جمعتهم ندوة الرفاعي فيقول:
عصامُ إذا ما وقفتَ على
رياضٍ شذا (نيلها) يعبقُ
تذكّر رفاقاً شدوتَ لهم
وكلٌ بحب العلا مُعرِقُ
تذكّر رفاقاً تَساقي الهوى
شفاءٌ لهمٍّ بهم محدقُ
فإن أنشدوا الشعرَ كان العزاءُ
وإن يذكروكَ.. فذا مَوثقُ
كما عارضها الشاعر الدكتور أحمد البراء الأميري، ومطلع قصيدته:
فؤادي بأشجانه يُغبَقُ
وعيني بأدمعها تَشْرَقُ
وحين نمعن النظر في القصائد التي قيلت في ندوة الرفاعي مجتمعة نجد أن أصحاب القصائد يلحون على مفردات معينة ترتبط بالندوة، وهذا الأمر يعطي النصوص خصوصية وتفرداً، ومن أهم المفردات: مكان الندوة، وزمان انعقادها، واسم صاحبها، ومن هنا فقد تكررت كلمة (الملز)، وهو المقر القديم لها، و(الروضة)، وهو المكان الثاني، كما وردت في النصوص كلمة (الخميس)، وهو اليوم الذي تعقد فيه، وكانت تسمّى (خميسية الرفاعي)، كما أن اسم صاحب الندوة الأول (عبدالعزيز)، أو العائلة (الرفاعي) يتكرر في القصائد، ومن الأمثلة على مكان الندوة قول عصام الغزالي:
هيّا بنا قد أشرقت داري ودارك في الملزّ
وقول عبدالقدوس أبو صالح:
قالوا هواك فقلت: في حي الملزّ
دارٌ ترى فيها الأديبَ هو الأعزّ
وقوله في نهاية القصيدة:
فإذا سألت عن العلا وملاذها
فالندوة الغرّاءُ في حي الملزّْ
وأما المكان الثاني للندوة، وهو (حي الروضة) فقد ورد في بعض القصائد، ومنها قول الشاعر اليمني أحمد الشامي:
حيّها (روضةً) لكل أديبٍ
ألمعيٍ أو ذي يراعٍ صناعِ
وقول أحمد حسين شرف الدين:
هذي (الرياضُ) سعيدةٌ نشوانةٌ
بقدومه و(الروضةُ) الفيحاءُ
أما موعد انعقاد الندوة، وهو يوم الخميس فقد ألح عليه الشعراء متشوقين إلى حلوله وارتباطه بانعقادها وانتظام عقد روادها، ومن أجمل ما قيل عن اللهفة لهذا اليوم قول أحمد سالم باعُطب:
نقضي الخميسَ إلى الخميسِ تلهّفاً
وجوى يُمزّقنا صباحَ مساءَ
وأما الشاعر المهجري زكي قنصل فقد سمّى قصيدته (ندوة الخميس)، وقال في المطلع:
صبوتُ إليكَ يا يومَ الخميسِ
صُبوّ الحقلِ للمطرِ الحبيسِ
ثم ختمها بثلاثة أبيات متكئاً على موعدها وشاكراً لصاحب الندوة دعوته وحفاوته، كما وجّه الشكر لأبناء المملكة العربية السعودية بعامة فقال:
أحيّي صاحبَ النادي الخميسي
فقد ملأتْ مكارمُه طُروسي
وأحني الرأسَ إجلالاً لشعبٍ
بقُربته شمختُ على الشُموسِ
عروسُ الشعرِ لم تخذلْ فتاها
ولم تخجل.. فمرحى للعروسِ!
أما عبدالجواد طائل فيقول:
لكل خميسٍ بُعيد العشاء
لنا وطنٌ في رحابِ الرفاعي
أما ورود اسم صاحب الندوة (الأستاذ عبدالعزيز الرفاعي) فقد ورد في القصائد المدروسة بثلاث صيغ: باسمه الأول، أو باسم عائلته، أو بكنيته، وهي (أبو عمّار)، وقد ترد مجتمعة في قصيدة واحدة، ومما يمكن التمثيل به على هذا السياق قول زاهر بن عوّاض الألمعي:
فيا دارةً بالعلمِ والفضلِ تُوّجتْ
و(عبدُالعزيز بنُ الرفاعيْ) عقيدُها
فدمتَ (أبا عمّارِ) للدارةِ التي
حَوتْنا، وأنتَ العمرَ فينا عميدُها
ويقول حسين جبران كريري:
إن كنتَ تهوى حديثَ السهرْ
وأحلى المعاني وصدقَ الخبرْ
فعند الرفاعيِ يروقُ الحديثُ
وفي منتداه يطيبُ السمرْ
ويقول عبدالجواد طائل:
إذا ما دعانا إلى الشعر داعِ
ورحنا لنسعى ومعْ كلِ ساعِ
فلا بدّ أنّا ببيتِ كريمٍ
وهو بيتُ عبدِالعزيز الرفاعي
وإذا عرفنا أن نشأة ندوة الرفاعي تسبق نشأة الأندية الأدبية بثلاثة عشر عاماً أدركنا الأثر الكبير الذي صنعته، وجعلت الأدباء يقبلون عليها ويحرصون على ارتيادها والاستفادة مما يطرح فيها، كما كانت ملتقى للأدباء العرب جميعاً، فكل أديب عربي بارز يقدم على الرياض فهو غالباً يكون أحد ضيوفها، والرفاعي رحمه الله عُرف بسعة علاقاته مع الأدباء العرب في كل مكان، ومن هنا رأينا الشعراء الذين كتبوا في الندوة وعميدها يستدعون من ذاكرتهم سوق عكاظ، وأسماء الشعراء والفصحاء القدامى، ويخلعون على الندوة أوصافاً كثيرة مثنين عليها وعلى جهد صاحبها، يقول زاهر الألمعي:
كأن (عكاظَ) الشعرِ عادَ مجدّداً
و(حسان) و(الأعشى) و(كعبٌ) شهودها
و(قُسٌ) يُباري بالفصاحةِ (أكثماً)
و(عمرو) يُغذّيها، ويشدو (لبيدها)
ويقول زكي قنصل:
لقد نُبئتُ أني سوف ألقى
كرامَ عشيرةِ الأدبِ النفيسِ
وأنْ سيكونُ بشارُ بنُ بردٍ
سميري، وابنُ ساعدةٍ جليسي
أما الصفات التي خلعها الشعراء على ندوة الرفاعي فهي كثيرة إذ وصفها أحمد شرف الدين بالندوة الغرّاء، ووصفها عبدالله بلخير بأنها (ندوة الأدب)، ووصفها عبدالقدوس أبو صالح بأنها (واحة الأدباء)، ووصفها زاهر الألمعي بعدة أوصاف، ومنها: الروضة الغنّاء، والمنهل الرقراق، والدارة الشمّاء، ودارة العلم والفضل.
وبعد، فهذه وقفات مع الشعر الذي قيل في ندوة قديمة، ويظهر لي أنها مما أكثر الشعراء من الحديث عنها، وبطبيعة الحال فإننا لا نعدم وجود قصائد أخرى قيلت في مجالس وصالونات أخرى، وبخاصة اثنينية الشيخ عبدالمقصود خوجة، أو صالون باشراحيل في مكة، أو ندوة النخيل في الرياض، ولعل باحثاً يتصدى لكل ما قيل عن الصالونات الثقافية من الشعر ويدرسه.

ذو صلة