قبل أن أدلف إلى موضوع الرياضات الإلكترونية، أجد من الأهمية بمكان أن أعرج على عدد من النقاط التي تقدم لموضوع متشعب مثل الرياضات الإلكترونية وألعاب الفيديو والأنشطة الرقمية والمنافسات المختلفة التي تتخذ من شبكة الإنترنت وبنيتها الإلكترونية مقرا لها ومجالا عاما للتواصل والمشاركة والاستمتاع. في البداية يجب أن نقرر أن الاتصال بين البشر هو ضرورة وليس ترفا، أي أن الإنسان خلق ليتواصل ويتشارك مع الآخرين، لا لينعزل ويتقوقع على نفسه، فالإنسان يأنس ويألف لفكرة الاتصال كحاجة إنسانية مثل الطعام والشراب والأمن. بل أزعم أن الاتصال هو اللبنة الأساسية لهرم ماسلو المعروف للاحتياجات الإنسانية، فكل حاجة من تلك الحاجات لا يمكن أن تتحقق أو تنقضي دون عملية اتصالية محددة، ويدخل في ذلك تواصلنا مع ذواتنا قبل تواصلنا مع الآخرين. هذا أيضا يعني أن الاتصال حاجة فسيولوجية مرتبطة على سبيل المثال بوظائف الجسم المختلفة مع دماغ الإنسان لتحقيق احتياجه من الأكل والشرب والراحة والتعبير عن المشاعر وغيرها، والاتصال أيضا حاجة لتحقيق السلامة والأمن، وتحقيق احتياجنا من الحب والانتماء والاحترام، وكذلك التقدير وتحقيق الذات ضمن العمليات الكبرى للنمو الإنساني وبناء المجتمعات. لكن لماذا نشير إلى فلسفة العملية الاتصالية لموضوع قد يظهر للبعض بأنه مجرد ألعاب فيديو ورياضات ذهنية بأدوات رقمية! والحقيقة أن جميع علاقاتنا الإنسانية والاجتماعية هي عبارة عن عمليات اتصالية مركبة، سواء كانت هذه العلاقات داخل الأسرة أو في المدرسة أو في العمل أو بين الأصدقاء. إذا فالألعاب الرياضية بصفة عامة هي نوع من أنواع الاتصال يقوم الأفراد بالتواصل فيما بينهم لتكوين مجتمعات صغيرة ومجتمعات كبيرة متخصصة في الألعاب الرياضية المختلفة مثل ألعاب كرة القدم وكرة السلة وكرة الطائرة والمنافسات المختلفة. فكرة المنافسة كقيمة اجتماعية لا بد أن تكون ضمن عملية اتصالية تتكون بين فردين فأكثر أو مؤسستين فأكثر أو مجموعتين فأكثر وهكذا.. والمجتمعات الرياضية بصفة خاصة هي مجتمعات تنافسية بحتة وأكثر زخما حتى على مستوى الأفراد داخل العائلة الواحدة. ولذلك في مجتمع كرة القدم على سبيل المثال تكون التنافسية عالية بين مشجعي الفرق لأنها تعد جزءا لا يتجزأ من الفكرة الأساسية من العملية الاتصالية التي شرحناها سابقا ضمن مفهوم المنافسة أو التفوق بين الأفراد في المجتمعات المصغرة. إذا فهمنا ذلك فإن ما ينطبق في الواقع الحقيقي ينطبق بطريقة أو بأخرى على الواقع الافتراضي، ولكن باختلاف الأدوات التي تفرضها البيئة الجديدة. فمع تطورات تكنولوجيا الاتصالات وتقنية المعلومات أصبحت طرق تواصلنا فيما بيننا وبين الآخرين مختلفة وأصبح الإنترنت هو الفيصل في العملية الاتصالية أيا كان نوعها في المجتمعات الافتراضية. تطور استخدام البشر لهذه البيئات الجديدة خصوصا من الجيل الأصغر سنا الذي ينحو لاستخدام الإنترنت لجميع احتياجاته الأساسية والثانوية من صداقة وتعلم ومرح ومشاركة وغيرها كسلوك نشأ معه من البداية لولادته في هذه البيئة التي يراها طبيعية. وذلك بعكس الجيل الذي ولد قبل الإنترنت والهاتف الذكي الذي التي يراها دخيلة على واقعه الذي نشأ فيه لذا فهو يتعامل بحذر مع البيئة الافتراضية كبيئة جديدة مصاحبة لبيئته الحقيقية. هذا التحول الجديد والمتزايد للبيئات الإلكترونية في الحياة فرض تطورا ملحوظا في طريقة استهلاك الناس للمعلومة والبحث والمشاركة. من أهم تطبيقات هذا الواقع الافتراضي وتقنيات الذكاء الاصطناعي انتشار الألعاب الإلكترونية بين الشباب حتى طغت على الألعاب الرياضية البدنية من ناحية الوقت الذي يستهلكه يوميا. الرياضات الإلكترونية هي ألعاب الفيديو التي تلعب بشكل تنافسي وتجمع بين اللاعبين في بطولات أو مسابقات. تشمل هذه الرياضات مجموعة متنوعة من الألعاب، ويتم تنظيم هذه البطولات في شكل مباريات أو دوريات، وقد تجذب جمهورا كبيرا وتحظى بشعبية متزايدة على مستوى العالم. هذا التحول الكبير في الاهتمام المتزايد بالألعاب الإلكترونية من قبل المستخدمين فتح الباب على مصراعيه لاقتصادات عدة أن تنمو مثل صناعة أجهزة الحاسبات والألعاب وصناعة التطبيقات الخاصة بألعاب الفيديو والتجارة الإلكترونية وصناعة المنافسات الرياضية الإلكترونية المحلية والعالمية، ولذلك جاء إنشاء الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية في عام 2017م لمواكبة هذا الاهتمام العالمي بهذه النوع من الرياضات. وكما هو معلوم فإن رؤية المملكة 2030 بقيادة عرابها الأمير محمد بن سلمان تعمل بشكل حثيث لتضع المملكة العربية السعودية على مسار التحول الشامل من خلال تأهيل وتطوير البنى التحتية والارتقاء بمختلف المجالات وزيادة تنافسيتها محليا وإقليميا وعالميا، والذي تحقق عنه تقدم مركز المملكة العربية السعودية بشكل ملحوظ في العديد من التصنيفات العالمية الاقتصادية والثقافية والتقنية والرياضية وغيرها. وعلى مستوى الرياضات الإلكترونية منذ إنشاء الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية بقيادة الأمير فيصل بن بندر آل سعود عمل بشكل دؤوب على دعم قطاع الألعاب الإلكترونية وتطويره، وتعزيز قدرات اللاعبين السعوديين للمشاركة الفعالة في المنافسات العالمية. حيث أطلق الاتحاد العديد من البطولات الوطنية والدولية، مثل بطولة لاعبون بلا حدود، التي تعد واحدة من أكبر البطولات العالمية، حيث وصلت جوائزها إلى 10 ملايين دولار تخصص للأعمال الخيرية. كما نظم الاتحاد بطولات أخرى مثل الدوري السعودي الإلكتروني، الذي يشمل ألعابا مثل DOTA 2 وCall of Duty، بجوائز تبلغ 5 ملايين ريال، ودوري كأس الأمير محمد بن سلمان الإلكتروني الذي يحاكي دوري المحترفين السعودي. لم يقتصر دور الاتحاد على البطولات فقط، بل أطلق برامج ومبادرات تعزز من قدرات اللاعبين وصناع المحتوى. من أبرزها برنامج سفراء الرياضات الإلكترونية، الذي يدعم المواهب السعودية في هذا القطاع. كما أسس جوائز SEF Awards لتكريم المبدعين وتشجيعهم على التطور والمساهمة في تحسين بيئة الألعاب الإلكترونية. موسم الجيمرز. ومن أبرز الإنجازات هو موسم الجيمرز، الذي يعد مهرجانا عالميا للألعاب الإلكترونية في الرياض. شهد الموسم الأول عام 2022 مشاركة 113 فريقا عالميا وأكثر من 390 لاعبا محترفا من 61 دولة، وبلغت قيمة الجوائز 15 مليون دولار. وحقق الموسم نجاحا هائلا، حيث جذب أكثر من 1.4 مليون زائر، وساهم في ترسيخ مكانة المملكة كوجهة عالمية للرياضات الإلكترونية. وبذلك يمكن القول إن الرياضات الإلكترونية ساهمت في جذب استثمارات ضخمة محليا ودوليا، وعززت مكانة المملكة في المشهد العالمي. كما وفرت فرصا للشباب السعودي لإبراز مهاراتهم والمشاركة في المنافسات الدولية، مما يدعم جهود التحول الاقتصادي والثقافي وفقا لرؤية 2030.