يعيش العالم الراهن نتاج ثورة معلوماتية تكنولوجية ألقت بظلالها على الحياة برمتها، حتى الرياضة نالت حظها من منجزات الثورة الرقمية، فإذا رجعنا بآلة الزمن قليلاً لعقود وتحدثنا عن أن هناك نمطاً من الرياضة يتم ممارسته دون ناد أو حلبة أو ملعب فأنت تتحدث عن أسطورة، ولكن الأسطورة باتت واقعاً، فقد باتت الملاعب رقمية، والشاشات والبرمجيات باتت حلبة ومضماراً، وتشكلت الاتحادات العالمية للرياضات الإلكترونية، وازدهرت المسابقات والمنافسات العالمية والإقليمية والمحلية. فقد تأسس الاتحاد الدولي للرياضات الإلكترونية (IESF) في أغسطس 2008 وهو منظمة عالمية يقع مقرها في كوريا الجنوبية وتتلخص مهمته في الدعوة إلى الاعتراف بالرياضات الإلكترونية على أنها رياضة مشروعة شأنها شأن الرياضات الأخرى، يضم الاتحاد 109 دولة منهم (13) دولة أفريقية و(17) دولة من الأمريكتين، و(34) دولة من آسيا، (43) من أوروبا، بالإضافة إلى دولتين من أوقيانوسيا.
وعلى مستوى الدول الرائدة في الرياضة الإلكترونية، على حسب إحصاء قام به موقع statista؛ نجد الولايات المتحدة الأمريكية تتصدر القائمة، تليها الصين، ثم كوريا، ثم فرنسا، ألمانيا، البرازيل، كندا، أستراليا، روسيا، بريطانيا، اليابان، السويد. ومما يستوقف النظر عدم وجود أية دولة عربية في هذا الإحصاء.
تعريف الرياضة الإلكترونية
الرياضة الإلكترونية هي نوع من الألعاب الإلكترونية، تعتمد على محاكاة الرياضة التقليدية، ويتم تعريفها عادة بأنها: لعبة فيديو يتم لعبها على المستوى المهني، وغالباً ما يكون ذلك بمشاهدات ضخمة. فهي ببساطة مسابقات ألعاب الفيديو المنظمة. فتوصف ظاهرة (Esport) بأنها رياضة تتم داخل وعبر ووسط الفضاء الإلكتروني، ويتم تحديد الزمان والمكان فيها بدقة، حيث يتنافس اللاعبون بشكل فردي، أو في فريق، وتتم المسابقات عبر الإنترنت، أو من خلال ما يسمى بشبكات المناطق المحلية (LAN)، وأكثر المسابقات المرموقة تُجرى في شبكة (LAN)، حيث يتم ربط كل من الأعداد الصغيرة والكبيرة من أجهزة الكمبيوتر معاً في مبنى واحد.
أبرز الخصائص النفسية والذهنية للاعبين
أولاً: الخصائص الذهنية
أظهرت نتائج الدراسات أن للرياضة الإلكترونية متطلبات ذهنية يمارسها اللاعب كما هو الحال في الرياضة البدنية، فقد تطرقت هذه الدراسة في البحث عن مجموعة من المهارات الذهنية التي تميز لاعبي الرياضة الإلكترونية منها:
(1) تركيز الانتباه: يظهر لدى جميع اللاعبين قدرتهم على توجيه انتباههم والتركيز خلال اللعب في المنافسات، حيث اتفق اللاعبون على أن مهارة تركيز الانتباه هي من أهم المهارات الذهنية التي يمتلكها لاعب الرياضة الإلكترونية من أجل الخوض في المنافسات، وذلك لما تتطلبه اللعبة من جهد وعمل ذهني كبير في وقت قصير. فقدرة اللاعبين على تركيز الانتباه لأطول فترة من الزمن هو أساس النجاح في المنافسات والوصول إلى مستوى عالٍ.
(2) الثقة بالنفس: يتسم جميع اللاعبين بالثقة الجيدة في أنفسهم عند اللعب، حيث تطورت هذه السمة لديهم بالاستمرار في الممارسة والتدريب وكثرة المشاركة في المنافسات وتطوير الأداء والتعلم في اللعبة. كذلك زيادة الثقة من خلال المحافظة على مستوى التركيز، كما أن دعم الأقارب والأصدقاء يزيد من ثقة اللاعب بنفسه.
(3) سرعة اتخاذ القرار: يتبين لدى جميع اللاعبين سرعة في اتخاذ القرارات خلال المنافسة، فيمتلكون القدرة على معالجة المعلومات وإعطاء استجابة سريعة دون تردد، وهذا ما يساعد اللاعبين في الحفاظ على التركيز لأطول فترة ممكنة.
(4) التصور الذهني: يتضح أن جميع اللاعبين يستخدمون مهارة التصور الذهني قبل المنافسة في بطولات الرياضة الإلكترونية، وتنوعت طرق ممارستها من لاعب إلى آخر، فيستخدم سبعة من اللاعبين التصور الذهني في تخيل الفوز أو الخسارة في البطولات والمشاعر والانفعالات المصاحبة لها.
ومن ثم توضح بيانات الخصائص الذهنية أن اللاعبين يمتلكون ويمارسون مجموعة من المهارات الذهنية كالتركيز وسرعة اتخاذ القرار والثقة بالنفس، والتي تعتبر مهمة بالنسبة لهم وهي أساس الاستمرارية والنجاح في ممارسة الرياضة الإلكترونية، وهذا ما أكدته الدراسات السابقة، حيث أنها تتفق على أن الرياضة الإلكترونية تعزز من مهارة تركيز الانتباه فتسمح لهم بمعالجة المشتتات والتركيز على أهداف المنافسة. كما أنها تساعد الممارس على زيادة السرعة في معالجة المعلومات دون تناقص في دقتها مما يساعده على تحقيق النجاح بشكل أسرع وأفضل، أي يمتلك السرعة في الاستجابة واتخاذ القرار، إضافة إلى ذلك تؤكد هذه الدراسات على أن الثقة المثالية تحسن من أداء الممارس وتزيد من فعالية التركيز وسرعة الاستجابة، بعكس الثقة الزائدة التي قد تؤثر سلباً على الأداء أو الثقة المنخفضة التي تخلق الأخطاء خلال المنافسة في الرياضة الإلكترونية، كما تظهر الدراسة الحالية أهمية ممارسة التصور الذهني قبل المنافسة لدى اللاعبين، فقد يتخيل اللاعب الفوز ويسعى لتحقيقه أو الخسارة ليتجنب حدوثها كما أنه يتصور أداءه ويحاول تطبيقه خلال المنافسة، حيث يساعد التصور الذهني على بناء الثقة وتحسين التركيز والتحكم والسيطرة على الانفعالات، ولم يرد في أي دراسة أخرى جانب مهارة التصور الذهني قبل المنافسة، وهو ما اختلفت به تلك الدراسة عن الدراسات الأخرى.
ثانياً: الخصائص النفسية
يتبين أن جميع اللاعبين يشعرون بالتوتر، وقلق المنافسة، مما يولد لديهم ضغوطات وانفعالات مثلما يحدث في البيئة التنافسية الواقعية في الألعاب الجماعية والفردية على حد سواء، وذلك كما يلي:
(1) قلق المنافسة والتوتر: يمر جميع اللاعبين بحالة قلق وتوتر قبل بدء المنافسة وخلالها، وهي سمات نفسية تؤثر على أداء لاعب الرياضة الإلكترونية، سواء كان تأثيراً إيجابياً أم سلبياً، حيث أنها تظهر مع أحداث المنافسات.
(2) الضغوط النفسية: تولد مظاهر القلق والتوتر لدى اللاعبين ضغوطات نفسية خلال المنافسة أو بعد المنافسة نتيجة الأسباب التي ذكرها اللاعبون سابقاً، مما قد يتأثر بها اللاعب بشكل سلبي، فتولد لديه أخطاء خلال اللعب والتفكير بشكل سلبي تجاه الذات والشعور بالضيق والحزن وعدم القدرة على التركيز، كما أنه تتسبب في التعب النفسي، وأكد هذا التأثير ستة مشاركين.
ثالثاً: الدوافع الداخلية
ظهر لدى جميع اللاعبين مجموعة من الدوافع الداخلية المتقاربة والتي تدفعهم نحو ممارسة الرياضة الإلكترونية، أهمها:
(1) دافع تحقيق الفوز والتأهل للبطولات العالمية لرفع اسم البلاد والفوز على المستوى المحلي والعالمي. حيث يرى اللاعبون من خلال هذا الدافع أن تحقيق الفوز أو كسب البطولات يعود لقدراتهم وإمكاناتهم، فيتولد لديهم الطموح والثقة عند ممارستهم للرياضة الإلكترونية والقدرة على تكرار التجربة للفوز. كما أن مرورهم بتجربة فشل في البطولات لا تؤدي إلى تهديد ذاتهم، وإنما تزيد من دافعيتهم نحو بذل المزيد من الجهد وتحسين الأداء.
(2) دافع بناء المهارة وتطوير المستوى والتعلم، من خلال الاستعانة بمدرب والأخذ بنصائحه، واللعب ضد خصوم لهم مستوى أعلى في القدرات، واستخدام وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في كسب وتعلم المهارات المختلفة في الرياضة الإلكترونية، والمشاركة في أعلى عدد من البطولات من أجل المرور بتجارب مختلفة ومواجهة قدرات متنوعة من اللاعبين، وجود هذا الدافع يعمل على استمرارية ممارسة الرياضة الإلكترونية لدى اللاعبين من أجل تحسين الأداء ورفع الكفاءة.