مع التطور السريع للتكنولوجيا وانتشار الإنترنت، أصبحت الرياضات الإلكترونية تجذب جمهوراً متزايداً من الشباب الذين يجدون فيها وسيلة للتفاعل والتواصل، وبوابة لتحقيق النجاح المهني. في هذا السياق، تلعب الرياضات الإلكترونية دوراً محورياً في تشكيل ملامح الاقتصاد الرقمي، من خلال خلق فرص عمل جديدة وتعزيز الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا. كما أنها تسهم في تحولات اجتماعية عميقة، مع تأثيرها على نمط الحياة وثقافة الشباب. ويعكس هذا التحول مدى تأثير التكنولوجيا الحديثة على المجتمع العربي، ويطرح تساؤلات حول كيفية استغلال هذه الفرص الاقتصادية من جهة، والآثار الاجتماعية والثقافية التي قد تنتج عنها من جهة أخرى. ومن ثم يستعرض هذا المقال هذه الظاهرة المتنامية، ويحلل فرصها الاقتصادية في العالم العربي، وكذلك آثارها الاجتماعية التي رافقت انتشارها في هذا العصر الرقمي، وما هي التحديات التي تواجهها.
اتجهت عدد من الاتحادات الرياضية على مستوى العالم لتنظيم مسابقات الرياضات الإلكترونية (eSports) وفي الغالب يتم تنظيم البطولات الإلكترونية في دوريات وبطولات تدعمها منظمات تجارية متنوعة. وعندما بدأ تجلي الرياضات الإلكترونية بات في الأفق مجموعة من القضايا قدمتها الأدبيات المرتبطة بها، تتمثل القضية الكبرى في نظرة البعض في البداية إلى الرياضات الإلكترونية باعتبارها لا تلبي التعريفات التقليدية للنشاط الرياضي بسبب نقص النشاط البدني وعدم توفره، وقد نالت هذه القضية ردوداً وأهمها يتمثل في النظر إليها على أنها رياضة ذهنية، وتحتاج إلى تدريب وتأهيل ومدربين ولوجستيات العمل الرياضي، كما أنها تشمل المنافسات والسجلات والفرق وقواعد المنافسة، لذا نجد أن العديد من الاتحادات التي تشكلت للرياضات الإلكترونية أضافت في البداية كلمة الذهنية، فعلي سبيل المثال عندما تأسس الاتحاد السعودي للرياضة الإلكترونية سمي في البداية (الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية والذهنية) ثم تحول إلى (الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية).
تتواجد الرياضات الإلكترونية عند تقاطع ألعاب الكمبيوتر والرياضات الاحترافية، وبالتالي فإن معظم المنظورات حول هذا النشاط تأتي من منظور الرياضة أو الألعاب، ونجد البدايات مع إشارات دينيس هيمبيل (2005) إلى الرياضات الإلكترونية، أو (الرياضات السيبرانية)، كحقائق رياضية بديلة، أي رياضيين ممتدين إلكترونياً في عوالم رياضية تم تمثيلها رقمياً، ويتابع vargue مايكل فاجنر (2007) بإشارته إلى الرياضات الإلكترونية بأنها ليست فقط امتداداً للرياضات التقليدية، بل هي أيضاً (مجال من الأنشطة الرياضية). ومع اكتساب الرياضات الإلكترونية مزيداً من الاعتراف الواسع، تزداد أيضاً تفضيلات الرياضات الإلكترونية كمسيرة مهنية. ومع ذلك، لا يزال قبول المجتمع للرياضات الإلكترونية كمسيرة شرعية ورياضية عملية مستمرة على حد تعبير Orso glu وزملائه في دراستهم المنشورة عام 2023 حول الرياضات الإلكترونية. فقد قاموا بإجراء دليل مقابلة متعمق مع مجموعة مكونة من (7) لاعبي رياضات إلكترونية بارزين و(8) من لاعبي كرة سلة بارزين، وتم سؤالهم عن مدى إدراكهم للرياضات الإلكترونية فجاءت استجابات لاعبي الرياضات الإلكترونية مثيرة، فقد ذهب أحد اللاعبين قائلاً: (أعتقد أن الرياضات الإلكترونية مفهوم يتجه نحو أن يصبح رياضة. إنها تعكس الذكاء الإستراتيجي والممارسة اليدوية). وذهب آخر قائلاً: (يمكنني إدراج الرياضات الإلكترونية في فئة الرياضات لأنها تتضمن المنافسة). وذهب ثالث قائلاً: (تستند الرياضات الإلكترونية إلى القواعد، والمنافسات الفردية أو الجماعية، والنشاطات البدنية أو العقلية، لذلك، تجعلها رياضة). وحول آراء لاعبي السلة كانت إجابتهم تحتمل جدلاً ونقاشاً حيث ذهب أحدهم قائلاً: (أعتقد أن الرياضات الإلكترونية هي رياضة، بالطبع، هناك تنافس فيها، هناك قواعد، وهناك حكم). في حين جادل لاعب سلة آخر قائلاً: (لا أعتقد أن الرياضة تشمل بالضرورة الرياضات البدنية، يمكن تعريفها كرياضة..) وذهب ثالث قائلاً: (بالنسبة لي، تعني الرياضة نشاطاً بدنياً. بخلاف ذلك، لم أكن أعرف ما إذا كانت الرياضات الإلكترونية رياضة أم لا). تكشف هذه الاستجابات مدى الجدل بين لاعبي الرياضة التقليدية والرياضة الإلكترونية حول تطور هذا النمط من الرياضة، وهذا النقاش بطبيعة الحال أمر طبيعي.
شهدت الرياضات الإلكترونية مجموعة من التحولات بعد الاعتراف بها وتأسيس البطولات العالمية، وتنامي الاتحادات الرياضية التي تجمع أربابها، ومن أبرز هذه التحولات التحول من الترفيه إلى التنافسية: حيث تحول الترفيه إلى مسابقات تغلب عليها التنافسية، وفي هذا الإطار تأسس الاتحاد المصري للرياضات الإلكترونية عام 2003 وهو هيئة رياضية تابعة لوزارة الشباب والرياضة، لها شخصية اعتبارية مستقلة وتعد من الهيئات الخاصة ذات النفع العام، وعضو بالاتحاد الدولي للرياضات الإلكترونية، وتأسس الدوري السعودي الإلكتروني عام 2020، حيث سعى إلى خلق وتطوير نخبة من الأندية واللاعبين لتأهيليهم في مختلف البطولات والمنافسات المحلية والدولية، كما أطلق الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية حفل توزيع جوائز الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية بنسخته الرابعة للمساهمة في تحسين قطاع مجتمع الألعاب الرياضية الإلكترونية، وأقيم بالمملكة كأس العالم للرياضات الإلكترونية بمشاركة ما يزيد عن (1500) لاعب في (21) لعبة في الفترة من 3 يوليو حتى 25 أغسطس 2024.
تمتد التحولات التي شهدتها الرياضات الإلكترونية فقد شهدت تحولاً مهماً من القواعد الفردية للعبة إلى لوائح الانضباط المعتمدة، ويمكن أن نستدل بما رسخه مؤخراً الاتحاد السعودي حيث أصدر لائحة للانضباط تخص الرياضات الإلكترونية، اعتمدت هذه اللائحة من مجلس إدارة الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية برقم (23/1/2) بتاريخ 22 /11/1444 الموافق 11/6 /2023، جاءت هذه اللائحة في ستة أبواب مقسمة على (73) مادة بالإضافة إلى ملحق يضم التعريفات الخاصة بالألعاب الإلكترونية، وأنواع العقوبات والمخالفات، وتعد هذه اللائحة المعتمدة نقطة تحول كبرى أمام الرياضة الإلكترونية حيث وضع الضوابط والقواعد، والمتأمل للائحة يدرك مدى عمق التفاصيل والقواعد الأخلاقية والتنظيمية والقانونية للرياضات الإلكترونية.
يمكن القول إن الرياضة الإلكترونية تتحول نحو الاستدامة، فلم تعد في ظل اللوائح والاقتصاديات التي تحكمها ورؤوس الأموال المتدفقة وتنامي المدربين وهيئات المحكمين ومصممي الجرافيك ومحرري الفيديو إلى مجرد لعبة ترفيهية بل باتت ألعاباً احترافية وهو الأمر الذي يعطيها قدرة على الاستدامة، والتطور يسير بوتيرة سريعة، بالشكل الذي يمكن أن نصفها أنها تسير قدماً نحو الاستدامة.
تعني الرياضات الإلكترونية (Esports) المنافسات أو البطولات التي تُقام باستخدام ألعاب الفيديو. ويشترك فيها لاعبون محترفون أو فرق للعب ألعاب جماعية أو فردية عبر الإنترنت أو في أماكن مخصصة لذلك، وغالباً ما تتضمن جماهير واسعة واهتماماً إعلامياً كبيراً.
لقد شهدت الرياضات الإلكترونية في العالم العربي تطوراً ملحوظاً خلال العقد الأخير، إذ برزت دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر لاعبين رئيسين في هذا المجال، وبتنظم العديد من البطولات المحلية والإقليمية في المنطقة، فعلى سبيل المثال، تم تنظيم بطولات كبرى مثل (لاعبون بلا حدود) في السعودية، والتي جمعت لاعبين محترفين من مختلف أنحاء العالم، مما ساهم في دعم السياحة الرقمية. وكذلك بطولة (نيوم) للألعاب الإلكترونية، والتي أصبحت محطة رئيسة لمحترفي الألعاب من جميع أنحاء العالم. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت الاستثمارات الحكومية والخاصة في تطوير بنية تحتية قوية تدعم هذا القطاع، بما في ذلك إنشاء مراكز ألعاب حديثة وتعزيز شبكات الإنترنت عالية السرعة.
يُعَد القطاع الاقتصادي المتعلق بالرياضات الإلكترونية من أبرز المجالات الواعدة في العالم العربي. فمع تزايد الاهتمام بالبطولات المحلية والدولية، برزت فرص عمل جديدة في مجالات متنوعة مثل التدريب، تنظيم الفعاليات، التعليق على المباريات، والبث المباشر. وأصبحت الفرق الإلكترونية الكبرى تحظى بدعم ورعاية الشركات الكبيرة، مما يعزز العائدات المالية ويزيد من حجم الاستثمارات في هذا القطاع. إضافة إلى ذلك، تقدم الرياضات الإلكترونية فرصة لجذب السياحة، حيث تُقام فعاليات وبطولات عالمية تُسهم في جذب الجماهير من مختلف الدول، مما يعزز النشاط الاقتصادي المحلي. هذا بالإضافة إلى دور الإعلانات والرعاية التجارية في تحقيق إيرادات مالية ضخمة، إذ ترى الشركات في الألعاب الإلكترونية وسيلة فعّالة للتواصل مع جمهور الشباب. وعليه إضافةً إلى البطولات، تفتح الرياضات الإلكترونية آفاقاً جديدة للعمل في مجالات متعددة، منها صناعة الألعاب، تحليل البيانات، تطوير المحتوى الرقمي، وحتى إدارة الفعاليات. كما يسهم هذا القطاع أيضاً في خلق فرص عمل جديدة للشباب الماهرين في التكنولوجيا، مما يجعله محوراً رئيساً في بناء اقتصاد المستقبل الرقمي.
وبحسب تقرير شركة Newzoo الصادر في أكتوبر 2018، تصدرت الصين قائمة أكبر أسواق الألعاب الإلكترونية عالمياً بإيرادات قُدرت بنحو 38 مليار دولار، تلتها الولايات المتحدة التي حققت إيرادات بلغت 30 مليار دولار، ثم اليابان بإيرادات قدرها 19.5 مليار دولار. كما حققت كوريا الجنوبية 4.6 مليار دولار، وألمانيا بإيرادات بلغت 4.6 مليار دولار. بينما الصعيد العربي، احتلت السعودية المركز الأول بين الدول العربية في سوق الألعاب الإلكترونية بإيرادات بلغت 761 مليون دولاراً، مما جعلها تحتل المركز 19 عالمياً. وفي المركز الثاني عربياً، جاءت مصر بإيرادات بلغت 286 مليون دولار، محتلةً المركز 37 عالمياً، مما جعلها تحتل المركز الأول على مستوى قارة أفريقيا. أما الإمارات، فقد جاءت في المركز الثالث عربياً والـ41 عالمياً بإيرادات قدرها 226 مليون دولار، وحلت قطر في المركز الرابع عربياً والـ48 عالمياً بإيرادات بلغت 171 مليون دولار. أما الجزائر، فقد احتلت المركز الخامس عربياً والـ54 عالمياً بإيرادات بلغت 142 مليون دولار، بينما جاءت الكويت في المركز السادس عربياً والـ57 عالمياً بإيرادات وصلت إلى 124 مليون دولار. بينما جاءت العراق في المركز السابع عربياً والـ58 عالمياً بإيرادات بلغت 109 ملايين دولار، في حين جاءت المغرب في المركز الثامن عربياً والـ59 عالمياً بإيرادات بلغت 105 ملايين دولار. أما سلطنة عمان فقد جاءت في المركز التاسع عربياً والـ62 عالمياً بإيرادات بلغت 93 مليون دولار، في حين جاءت لبنان في المركز العاشر عربياً والـ70 عالمياً بإيرادات 71 مليون دولار. وجاءت الأردن في المركز الحادي عشر عربياً والـ78 عالمياً بإيرادات قدرها 46 مليون دولار، فيما جاءت البحرين في المركز الثاني عشر عربياً والـ81 عالمياً بإيرادات بلغت 43 مليون دولار.
للرياضات الإلكترونية تأثير اجتماعي عميق على المجتمعات، وبخاصة بين الشباب، إذ أوجدت نمطاً جديداً من الترفيه الجماعي الذي يجمع اللاعبين والمشاهدين في مجتمعات افتراضية حول ألعاب محددة. مما يعزز التواصل والتفاعل الاجتماعي. وبفضل منصات البث المباشر مثل Twitch وYouTube Gaming، أصبح اللاعبون أكثر تواصلاً مع متابعيهم، سواء عبر المناقشات أو التعاون في إستراتيجيات اللعب. وقد ساعدت هذه الظاهرة في تعزيز روح الفريق والتعاون بين اللاعبين على المستويين المحلي والدولي، كما أدت إلى بناء صداقات عابرة للحدود. بالإضافة إلى ذلك، أسهمت في تكوين مجتمعات جديدة تجاوزت الحدود الجغرافية. حيث أصبحت هذه المجتمعات محط اهتمام الملايين من الشباب الذين يتابعون المباريات وينخرطون في مناقشات حول إستراتيجيات اللعب.
ولقد عزز هذا التحول الشعور بالانتماء لدى الشباب، وفتح مجالات جديدة للتفاعل والتعاون على الصعيدين الإقليمي والدولي. في العالم العربي، أصبحت هذه الرياضات تنافس الرياضات التقليدية مثل كرة القدم في جذب اهتمام الشباب، مما أدى إلى تكوين فرق وأندية إلكترونية تشارك في بطولات محلية وعالمية، وتعزز روح العمل الجماعي والتنافس.
ولقد أدت الرياضات الإلكترونية في المجتمعات العربية إلى تحولات اجتماعية كبيرة. فلم تعد مجرد هواية، بل أصبحت جزءاً من الحياة اليومية للشباب، ومكوناً أساسياً من الثقافة الرقمية. فقد وفرت بيئة يتواصل فيها الشباب من مختلف البلدان والثقافات، مما ساهم في تعزيز التفاهم والتواصل بينهم. كما أن ظهور فرق رياضية إلكترونية محلية ودولية أسهم في خلق هوية رقمية جديدة. علاوةً على ذلك، وفرت هذه الرياضات فرصاً تعليمية وتدريبية، وأعادت تشكيل بعض القيم المجتمعية التقليدية، إذ باتت المهارات الرقمية والتنافس الإلكتروني مصدراً للفخر، وأصبحت وسيلة لبناء الهوية والانتماء في العصر الرقمي.
ومع ذلك، لا تخلو هذه الظاهرة من تحديات. فمن ناحية، تعزز الرياضات الإلكترونية الروابط الاجتماعية، كما أنها أصبحت وسيلة للتعبير عن الهوية الفردية والثقافية، حيث يمكن للاعبين إبراز مهاراتهم وأفكارهم في بيئة رقمية مفتوحة. ومن ناحية أخرى، على الرغم من النمو السريع الذي تشهده الرياضات الإلكترونية في المنطقة، إلا أنها لا تزال تواجه تحديات كبيرة. أول هذه التحديات هو (البنية التحتية التقنية) حيث لا تزال بعض الدول تعاني من ضعف شبكات الإنترنت التي تؤثر على تجربة اللاعبين وتحد من مشاركتهم في البطولات الدولية. كما يظل (التقبل الاجتماعي) للرياضات الإلكترونية محدوداً في بعض المجتمعات التي تعتبر الألعاب مجرد تسلية وليس رياضة فعلية. كما يثير الانغماس المفرط في هذه الرياضات مخاوف من إدمان الألعاب والعزلة الاجتماعية، مما يستدعي الوعي وإدارة فعالة لهذا الاتجاه المتنامي.