يعد التراث العمراني أحد المكونات والشواهد الأساسية على تطور الإنسان عبر التاريخ، فهو يعبر عن القدرات التي وصل إليها الإنسان في التغلب على بيئته المحيطة، والتراث يعني توريث حضارات السلف للخلف، ولا يقتصر ذلك على اللغة أو الأدب أو الفكر فقط، بل يشمل جميع العناصر المادية والوجدانية للمجتمع من فكر وفلسفة ودين وعلم وفن وعمران.
ويعتبر العمران أحد أهم العناصر الأساسية للتراث، فهو يتميز بالوجود المادي الذي يجدد ويدلل على وجود حضارات الأجيال السالفة بصورة مباشرة لا تقبل الشك أو الجدل، كما أنه يبرز لنا تتابع التجارب الإنسانية وتراكمها، والقيم الحضارية والاجتماعية والدينية جيلاً بعد جيل. وقد يتنوع هذا الإرث العمراني ما بين مراكز مدن تاريخية، وقرى تراثية، وأسواق شعبية، ومساجد عتيقة، وقلاع، وأبراج، وحصون.. وغيرها، وبعيداً عن هذا التنوع إلا أنه يظل وثيق الصلة بالوحدة الثقافية الوطنية لبلادنا المملكة العربية السعودية، فهو يقدم لنا صورة متكاملة عن العمارة التقليدية بكل ما تحويه من حلول عمرانية، وحلول تصميمية تنسجم مع احتياجات الأفراد والمجتمع في كل مرحلة زمنية، من حيث العادات والتقاليد الراسخة في البنية الثقافية للمجتمع.
القيمة الاقتصادية
يعتبر الاستثمار في مواقع التراث العمراني مفيداً في جلب الكثير من المنافع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الناتجة من مشاريع إعادة تأهيل وتوظيف عدد من القرى التراثية، ومراكز المدن التاريخية، والأسواق الشعبية، والقلاع والقصور.. وغيرها. وتكمن القيمة الاقتصادية في:
01 | التراث العمراني أحد الموارد المستديمة: إذ يمثل موارد يمكن استثمارها بدلاً من إنشاء مبانٍ جديدة، لتعود بالفائدة على المستثمر بتوفير قيمة الإنشاءات، وبالتالي تحقق زيادة في الدخل الحقيقي لعائد استثماراتهم، وتتمثل في تلك القيمة التي لم تصرف على إنشاء مبانٍ جديدة، وفي الوقت ذاته حافظت على التراث العمراني في الموقع، وأعادت توظيفه بما يحقق فرصاً استثمارية أخرى مساندة للاستثمار الرئيس، وهذه الفرص متاحة للمجتمعات والمؤسسات المحلية، وتتحقق منها عائدات مالية واقتصادية بصورة متوازنة ومستديمة.
02 | التراث العمراني وسيلة لتوفير المزيد من فرص العمل: فمعظم مواقع التراث العمراني لا تزال في حالة جيدة يمكن إعادة تأهيلها واستثمارها، ومن ثم إتاحة فرص العمل للمجتمعات المحلية في تلك المناطق التي توجد بها هذه المواقع، وهذا ما يسهم في الحد من ظاهرة الهجرة السكانية، وبالتالي استقرار السكان نتيجة ارتباطهم بوظائفهم التي أتاحتها لهم مشروعات استثمار مواقع التراث العمراني.
03 | التراث العمراني وسيلة لأحياء المهن والحرف التقليدية: حيث تعد مواقع التراث العمراني وعاء لممارسة الحرف اليدوية وعرض منتجاتها، إذ يعمل الموقع المستثمر على تشجيع وإحياء مهن وحرف تقليدية توشك أن تندثر أمام الزحف التكنولوجي الحديث.
القيمة الثقافية والعمرانية
يعد التراث العمراني شاهداً على ما كان يعيشه الآباء والأجداد من حضارة، فهو يعكس حضارة الأمم وثقافتها، ومدى تكيفها مع البيئة، وهو رمز من رموز تطور الإنسان عبر التاريخ، وتكمن القيمة الثقافية والعمرانية في:
01 | المضامين التاريخية والحضارية: فالتراث العمراني يعد نموذجاً مرجعياً لكل أمة تريد أن تحافظ على هويتها التاريخية والحضارية بين الأمم.
02 | المضامين العمرانية والفنية: حيث يرتبط التراث العمراني في المملكة بالتراث الإسلامي بشكل وثيق، فالتراث الإسلامي هو منبع التراث في بلادنا، فنجد العمارة بأنواعها الدينية والمدنية والدفاعية في تراثنا الوطني تتفق تماماً مع أسس العمارة الإسلامية.
القيمة الاجتماعية
تسهم تنمية التراث العمراني في زيادة الوعي لدى المجتمع المحلي، من خلال البرامج والفعاليات التي تقام في مواقع التراث العمراني، والاحتكاك بالزوار، واكتساب معارف ومهن جديدة، إضافة إلى أن الخدمات والمرافق والدورات التدريبية التي تنشأ لمساندة الاستثمار في مواقع التراث العمراني تساهم في تنمية المجتمع المحلي، وتحسن من دخل أفراده، كما أن الاستثمار في مواقع التراث العمراني يساهم في تحقيق التوازن الإقليمي بين المناطق، كما يساعد على إتاحة فرص العمل - كما ذكرنا سابقاً.
التراث العمراني في الدرعية
الدرعية: هي واحة من واحات وادي حنيفة، تقع في منطقة انعطاف وادي حنيفة، حيث نشأت على الوادي واحات كثيرة تميزت بالاستقرار الحضري، منذ أقدم العصور، وسميت بهذا الاسم، نسبة إلى ابن درع حاكم اليمامة، أو نسبة إلى الدرعية التي قدم منها آل سعود في شرقي الجزيرة العربية، فسكنوا المنطقة الواقعة ما بين غصيبة والمليبيد، وبقدوم جدهم مانع المريدي بدأ تأسيس الدرعية. وتقع مدينة الدرعية في الجزء الشرقي من هضبة نجد على ضفاف وادي حنيفة على بعد 15 كلم إلى الشمال الغربي من مركز مدينة الرياض، وتبلغ مساحتها بشقيها التاريخي والحديث 20 كلم مربعاً.
الأهمية التاريخية للدرعية
01 | للدرعية أهمية تاريخية باعتبارها رمزاً وطنياً بارزاً جداً في تاريخ مملكتنا الغالية، فحين تعاقبت الأحداث على شبه الجزيرة العربية، وعاش الناس في أزمة من الإهمال والفرقة والانقسام؛ في ذلك الوقت تأسست الدرعية على يد الأمير مانع بن ربيعة المريدي سنة 850هـ/ 1446م، ويعد مانع المريدي الجد الثاني عشر للملك عبدالعزيز آل سعود.
02 | كان تأسيس الدرعية نقطة تحول سياسية بتطبيقها نظرية دولة المدينة المهيأة للامتداد مع الأيام، في حين قد كان لدولة المدينة تاريخ عريق في منطقة شبه الجزيرة العربية منذ أن كانت يثرب في بداية هجرة النبي صـلى الله عليه وسلم مثالاً واضحاً لدولة المدينة.
03 | وفي الدرعية ظهرت الدعوة الإصلاحية التي عمت ربوعها، بعد أن احتضن حاكمها الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى، دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ومن هنا بدأت صفحة جديدة في تاريخ الدرعية، وانطلقت منها رسالة الإصلاح، وتحقق من خلالها الكثير من النجاحات، وعلا شأن الدرعية السياسي والعسكري، ونشطت في ربوعها الحركة العلمية، فغدت منارة للعلم ومقصداً للعلماء، كما نشطت فيها الحركة التجارية والاقتصادية، فتقاطر التجار على أسواقها، وظلت الدرعية أشهر مدينة في وادي حنيفة خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين.
04 | استمرت الدرعية في كونها قاعدة الحكم ومقره للدولة السعودية الأولى، إلى أن انتهى الدور الأول من الدولة السعودية، ثم تمكن الإمام تركي بن عبدالله من إعادة توحيد معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية في مدة قصيرة معتمداً على الأسس التي قامت عليها الدولة السعودية الأولى، وفي سنة 1240هـ اختار الإمام تركي بن عبدالله الرياض مقراً جديداً للدولة السعودية الثانية، وظلت الدولة تحكم المنطقة حتى سنة 1309هـ.
05 | وبعد فراغ سياسي وفوضى في وسط شبه الجزيرة العربية استمر قرابة عشر سنوات تمكن الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله، في الخامس من شهر شوال عام 1319هـ/ الخامس عشر من يناير 1902م، من إعادة تأسيس الدولة السعودية، بعد أن استرد مدينة الرياض، ليبدأ صفحة جديدة من صفحات التاريخ السعودي، ويضع لبنة من لبنات الوحدة والاستقرار والنماء تحت راية (لا إله إلا الله محمد رسول الله).
06 | وفي السابع عشر من شهر جمادى الأولى عام 1351هـ الموافق 23 سبتمبر 1932م أعلن الملك عبدالعزيز توحيد المملكة العربية السعودية، بعد أحداث تاريخية استمرت 30 عاماً، وقد استمر أبناؤه الملوك من بعده على نهجه في تعزيز لبنات البناء والاستقرار والتنمية حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين، حيث تشهد المملكة في هذا العهد الميمون المزيد من التطور والنهضة في ظل الرؤية الطموحة رؤية السعودية 2030.
أبرز الأحياء التراثية في الدرعية
تحتضن الدرعية على ترابها معالم أثرية عريقة، وهي عبارة عن عدة أحياء بداخلها، لكل حي منها جمالية خاصة به، أضاف للدرعية جمالاً ورونقاً تراثياً، ومن أبرز وأهم أحياء الدرعية:
حي الطريف:
يقع في الدرعية شمال غرب الرياض، وقد تأسس في القرن الخامس عشر الميلادي، وهو حي يتفرد بالأسلوب المعماري النجدي المنتشر في وسط شبه الجزيرة العربية، ويضم الحي معظم المباني الإدارية في عهد الدولة السعودية الأولى، كقصر سلوى الذي يعد أكبر قصور الدرعية في نجد، وكذلك مسجد الدواسر أحد أهم المساجد القديمة في الدرعية، أيضاً قصر سعد بن سعود، كما يحيط بالحي سور كبير وأبراج كانت تستخدم للمراقبة والدفاع عن المدينة، ويعد حي الطريف من أكبر الأحياء الطينية في العالم، وتم تسجيله في قائمة التراث العالمي في منظمة اليونسكو في سنة 2010م.
حي البجيري:
يعد من أهم مراكز العلوم الدينية في الجزيرة العربية، فهو يتسم بقيمته الثقافية وموقعه الإستراتيجي، المقابل لحي الطريف، وتنتشر على أطراف الحي مبانٍ تجارية على النسق الحديث، ويتوسط الحي مقر مؤسسة الشيخ محمد بن عبدالوهاب الثقافية بالدرعية، ويضم الحي الآن مساجد ومباني تراثية وحدائق وساحات بمطاعم ومحلات متنوعة.
حي سمحان:
يقع في قلب الدرعية، ويعد من أكثر الأحياء التي حققت نجاحاً كبيراً في جذب السياح إليها، لاحتوائه على مبانٍ أثرية أسست من الطين، وفيها مراعاة للطراز المعماري القديم، وتتنوع أشكالها ما بين طابق واحد أو طابقين. دخل حي السمحان ضمن مشروع تحويله إلى متحف وفندق تراثي سياحي، اعترفت به منظمة اليونسكو العالمية مشروعاً سياحياً عالمياً.
حي الديرة:
يتمتع الحي بأجواء قديمة مزدحمة تعود إلى معالم تاريخية كقصر المصمك، وهو الذي يوثق التاريخ السعودي، فهذا القصر هو حصن مبني من الطوب اللبن، يقع في وسط العاصمة السعودية الرياض، وكان قصر المصمك مسرحاً لمعركة فتح الرياض التي استعاد فيها الملك عبدالعزيز آل سعود مدينة الرياض من آل رشيد، ويعتبر قصر المصمك اليوم متحفاً ومعلماً تراثياً، يمثل مرحلة من مراحل تأسيس المملكة العربية السعودية.
خصائص التراث المعماري في الدرعية ومميزاته وجمالياته ودلالته على تميز الهوية السعودية
أولاً: المفردات البنائية والتشكيلية لعناصر العمارة التراثية بالدرعية:
اعتمدت العمارة التراثية بالدرعية على الطراز المعماري النجدي الأصيل، وهو طراز تميزت به المنطقة الوسطى بالمملكة العربية السعودية، ولهذا الطراز مفردات بنائية وتشكيلية ميزته عن باقي طُرز العمارة التراثية في المملكة، ومنها:
الحوش: متسع من أرض البيت، ويستفيد منه أهل الدار في زراعة الأشجار.
الروشن: غرفة تكون في الدور العلوي من البيت.
الشرفات: تبنى في أعالي الجدران، وهي عبارة عن أشكال جمالية بارزة.
الدكة: غرفة صغيرة تملأ بالحطب والفحم ولها باب صغير.
الكوة: فتحة خلفية في الجدار تسمح بدخول اليد لفتح قفل الباب الخشبي.
الفاغرة: تجويف في جدران مجلس الرجال.
الدريشة: هي النافذة، وتصنع من الخشب.
عرائس السماء: وهي شرفات في أعالي الحائط مسننة، وهي مستمدة من عناصر العمارة الدفاعية.
الأفاريز: توجد في البيوت الطينية، وهي عبارة عن خط منكسر زجاجي له حلية جمالية في أعلى جدران المنازل، ويكون في شكل مثلثات.
ثالثاً: الأبعاد الجمالية للعمارة التراثية بالدرعية
إن للعمارة التراثية بالدرعية أبعاداً جمالية تتمثل في الأشكال والخطوط والتصميم المحمل بالدلالات التي تمتد لمنهج العمارة الإسلامية التي تتطلع إلى سمو المعاني الروحية وحركة وجدانية ومعرفية ترتقي بالمتذوق إلى التأمل وإدراك المعاني العميقة الكامنة وراء الأشكال المجردة، التي تعبر عن عالم جمالي خاص يتجاوز حدود الصور والأشكال الواقعية المحسوسة، ويكتسب طابعاً روحياً خاصاً.
ومن هذا المنطلق نجد أن العمارة التراثية بالدرعية تتميز بمفرداتها ذات السمات والخصائص الشكلية الفريدة، وهي تعكس خصوصيات الثقافة الخليجية، التي تتضمن رموزاً تعكس دلالات ومعتقدات شعبية، ولتلك الرموز في الفنون الشعبية أهمية كبيرة، فهي بمثابة الوحدة الفنية التي يختارها الفنان الشعبي من بيئته، لكي يجمل إنتاجه الفني، وهي في نفس الوقت تلخيص بلغة الشكل، لفكر وعقيدة وأحاسيس الفنان الشعبي، والأشكال الفنية لا ترتقي إلى مستوى الرمز، إلا إذا كانت محملة بالقيم الاجتماعية والثقافية للبيئة.
كما تنطوي العمارة التراثية بعناصرها ومفرداتها وزخارفها الجدارية التي تزين واجهات المنازل ومداخلها على العديد من الأبعاد والقيم الجمالية، مثال: البوابات تتميز بمهابتها وضخامتها وعلوها الشاهق، فضلاً عن زخرفتها الإبداعية الغائرة أحياناً، والبارزة حيناً آخر، والملونة بألوان مرتبطة بالبيئة الخليجية.
إن الجمال لا يكمن في المادة بل في المضمون التي شكلت به المادة، فالجمال المعماري نوعان: جماليات شكلية، وهي الناتجة عن علاقات بين مكونات الشكل؛ والجماليات الرمزية، وهي التي تربط بين مكون أو عنصر معماري، وبين فكرة ما أو مضمون معين، وقد مثلت الزخارف الجصية دوراً مميزاً في تجميل الواجهات والمداخل، وتأطير الفراغات في بعض العمارة التراثية بالدرعية.
خامساً: جماليات العمارة في التصوير التشكيلي
التصوير التشكيلي يعد من أقدم الفنون وأهمها، وقد نظم الإنسان منذ فجر التاريخ الألوان على السطوح بطرق تعبر عن أفكاره عن الناس وعن العالم من حوله، والتصوير: هو عملية التعبير باستخدام وضع اللون على أي سطح، وهو من أكثر الفنون التي تأثرت وأثرت في المجتمع، فامتزج بالحركات التشكيلية الفنية مثل: المدرسة الكلاسيكية، المدرسة الواقعية، المدرسة التعبيرية.
إن بين التشكيل والعمارة علاقة تبادلية، حيث توجد علاقة قديمة بين الرسم والعمارة، والتي كانت تشكل وحدة فيما بينها سواء في الشرق أو الغرب، وبذلك فإن عنصر العمارة في اللوحة التصويرية يعبر عن الظروف الاجتماعية المحيطة بالفنان، وهي بهذا تكون سجلاً واضحاً لحضارة المجتمع، وكل منجز تشكيلي يحكي جزءاً من تاريخ ذلك المجتمع، وقد قدم الفنان التشكيلي ياسر محمد فضل بحثاً علمياً بعنوان (جماليات التراث المعماري السعودي كمصدر لإبداع أعمال تصويرية)، واختار الدرعية نموذجاً للبحث، وقد عرض في بحثه بعض التكوينات التصويرية الفنية المستلهمة من مفردات وعناصر التراث المعماري لمدينة الدرعية، مصدراً للإبداع الفني عن طريق التركيز على تحقيق مقومات الإبداع من طلاقة ومرونة شكلية وحداثة، وقد استخدم الألوان المائية المتنوعة في هذه التجربة.
وسوف نرى 3 نماذج لهذه الأعمال التصويرية الفنية للفنان ياسر محمد فضل مع تحليل قيمها الجمالية والتشكيلية الناتجة عن تجربته الذاتية:

التحليل الجمالي للتكوين رقم (1):
العمل الفني لهذه الصورة يمثل الواقع الجمالي للبيوت الطينية التراثية بالدرعية في (حي الطريف)، واعتمدت فكرة التكوين في هذه الصورة على تحقيق قيمة الإيقاع السريع، والذي تم تحقيقه من خلال توظيف المسافات الصغيرة بين الوحدات، مع مزج الأشكال الهندسية لتلك المباني مع الخطوط الخارجية لها، ليُحدث مظهراً جمالياً متعادلاً، نتج عنه تناغم وتباين في العلاقات الشكلية الكلية للتكوين، كما راعى الفنان تأكيد الخطوط والزوايا الحادة في المباني القديمة، مع إعطاء إحساس بالأبعاد المختلفة للمستويات، لإظهار التوازن الذي أعطى حساً مرهفاً بموسيقية الخط وحركته، وهذا التنوع جمع بين الإحساس بالإيقاع والوحدة والاتزان.

التحليل الجمالي للتكوين رقم (2):
العمل يمثل الواقع الجمالي لأحد أشكال البيوت الطينية التراثية بالدرعية عن قرب، حيث يوضح الخصائص الشكلية لعناصر العمارة التراثية بالدرعية، مثل: عرائس السماء التي تزين البيوت، وهي مسننة ولها دلالات رمزية وروحانية متمثلة في مساواة البشر واتحادهم، وأيضاً توجد الدريشة، وهي النافذة المصممة أعلى المدخل لإدخال التهوية والإضاءة. كما يوضح هذا العمل الزخارف الجمالية على الباب الخشبي، حيث لا تخلو الأبواب الخشبية في العمارة التراثية بالدرعية من الأشكال الزخرفية والهندسية التي تحتوي على أشكال المثلثات والمربعات.

التحليل الجمالي للتكوين رقم (3):
في هذا العمل تم فيه الجمع بين أماكن وعناصر متعددة من التراث المعماري بالدرعية في تكوين هرمي يوحي بالرسوخ والشموخ والرصانة، حيث تصدر العمل أقدم المباني الطينية، والذي يشير إلى العاصمة الأم، مولد الملوك والأبطال، وخلفها بوابة تاريخية مزخرفة. ويصور العمل الدرعية ما بين الماضي والمستقبل، حيث أنها تشهد اليوم أكبر مشروع إحياء للمدن الطينية على مستوى العالم، وقد جمع العمل أحد البوابات التاريخية المزخرفة بالعناصر الشعبية التراثية، ثم يليه قصر سلوى التاريخي المزين بالأفاريز المصاغة بالخط المنكسر الزجاجي الحلية الجمالية أعلى الجدران.
ونرى أن الفنان قدم حلولاً لونية وزخارف على برج المراقبة والحوائط، مستلهمة من الألوان والزخارف الموجودة على أبواب المباني التراثية بالدرعية، كما حرص على تحقيق المنظور الخطي واللوني، والذي يتضح من صياغة الأشكال في فضاء العمل الفني.
مشروع تطوير الدرعية التاريخية
من جهود الجهات الحكومية في تطوير مشروع الدرعية التاريخية:
اعتمدت فكرة تطوير منطقة الدرعية على الانطلاق من المزايا التي تتمتع بها، وأهمية العمل على أبعاد متعددة المستويات، فالدرعية لها بُعد حضاري يجعل المكان محوراً للتطوير، ولها بُعد دولي من خلال مكانتها ضمن قائمة اليونيسكو للتراث الإنساني العالمي، ولها بُعد وطني يمثل العمق التاريخي لنشوء الدولة السعودية. وتمثلت أهداف المشروع الذي قامت عليه الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، والهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، ومحافظة الدرعية، والملاك والقطاع الخاص؛ في عدة محاور، هي:
01 | تطوير الدرعية، المركز الحضاري الذي تشع منه رسالة الدرعية الحضارية على المستويات المحلية والوطنية والعالمية.
02 | تطوير الدرعية، نموذجاً لعمران الواحات.
03 | المحافظة على بيئة الدرعية من التدهور، وإعادة توازنها الطبيعي.
04 | بناء حياة الإنسان الاجتماعية من خلال مساهمته في هذا التطوير.
05 | تطوير المنطقة اقتصادياً من خلال التنشيط الزراعي والسياحي والترفيهي.
06 | توظيف (حي الطريف) بالدرعية التاريخية موقعاً للتراث الثقافي العالمي.
الخاتمة
نرى أن بلادنا الحبيبة تزخر بالتنوع الجغرافي الذي أدى إلى تنوع طبيعة البيئة بها، مع اختلاف مجتمعها، فأصبح لكل منطقة منها طراز معماري مميز عن غيرها من مناطق المملكة، فلكل منطقة تراث معماري متنوع في الشكل والتكوين المعماري، مما يجعله يحمل الكثير من الدلالات الرمزية والجمالية إضافة إلى عمق المكان وأصالته، ولكن ما يجمعها جميعاً هو الهوية السعودية.
فالوعي بأهمية وجماليات التراث المعماري وقيمته تجعل الجهات المختصة في بلادنا تعمل على إعادة إحياء مراكز المدن، وبعض المباني الرئيسة كالقصور والحصون والمساجد القديمة، كما تعمل على ربط التكوين الثقافي المعاصر للإنسان السعودي بالميراث الإنساني الكبير الذي يشكل جزءاً من تاريخ البلاد، وهذا دليل على تمسك الشعب السعودي بتقاليده وموروثاته الثقافية، ورغبته في الحفاظ عليها.
وما ميز التراث العمراني في الدرعية اتصاله وارتباطه بالطراز النجدي الأصيل، طراز مباني المنطقة الوسطى من المملكة العربية السعودية، وهذا الطراز كغيره من الطُرز المنتشرة في المملكة فهو في الأصل منشق ومرتبط بالطراز المعماري الإسلامي، مع احتفاظه بهويته ورونقه الخاص في المفردات البنائية والتشكيلية والجمالية.
المراجع:
التراث العمراني هوية عمرانية وتاريخ وطني، الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، 2015م، ص36 - 40، 48 - 49.
نوف محمد اليعيش: جماليات مفردات العمارة التراثية بمنطقة نجد كمصدر لإنتاج تذكارات سياحية معاصرة، مجلة الفنون التشكيلية والتربية الفنية، 2017م، ع2، ص209 - 210، 222.
ياسر محمد فضل: جماليات التراث المعماري السعودي كمصدر لإبداع أعمال تصويرية الدرعية، المجلة العلمية لجامعة الملك فيصل، 2021م، ع1، ص165 - 170.
الدرعية التاريخية، https://historyuj.wordpress.com
الدرعية مرآة التاريخ البشري، https://sabq.org/saudia/sdkpgw