مجلة شهرية - العدد (582)  | مارس 2025 م- رمضان 1446 هـ

حمام أبو لوزة.. عندما تجمح العاطفة تعقيب على مقالة حول حمام (أبو لوزة)

تعقيب على مقالة حول حمام (أبو لوزة)

طالعت ما نشرته المجلة العربية تحت عنوان: (حمام أبو لوزة: نموذج فريد للطراز العمراني التقليدي القطيفي) للكاتبة الفاضلة شهد محمد الراشدي (1)، وللحق أنني أستمتع بأسلوبها الشائق الجميل برقة جُمَلِه، ونعومة فِقَره ومفرداته، رغم متانة سبكه، وجزالة ديباجته، ولولا هَنَةٌ واحدة يتيمة -آمل من الأخت الفاضلة شهد أن تتقبلها برحابة صدر- لَما ترددت في أن أعطيَها بطاقة الصعود إلى رتبة أفضل ما قرأت عن هذا الحمام، على كثرة ما قرأت.
هذه الهَنَة هي إهمالها ذكر المصادر التي اعتمدَتْها عن الحمام، وهي لازمة من لزوميات البحث، مما حمَّلها تبعات الأخطاء التي وقعت فيها، ويقيناً هي لم تخترعها، وإنما نقلتها عن مصدر، أيّاً كان شفاهاً أو كتاباً أو مقالة في صحيفة ورقية أو الشبكة العنكبوتية، وفيما يلي مقتبسات مما وقعت فيه من أخطاء، وأولها: «يُعَدُّ حمام أبو لوزة رمزاً راسخاً في ذاكرة أهالي القطيف، يقع في قرية البحاري، وهي قرية على ساحل الخليج العربي، في الجزء الشرقي من المملكة العربية السعودية، على بعد 22 كيلو متراً جنوب القطيف، ولقد بُني الحمام فوق عين كبريتية معدنية عميقة تصل إلى 22 متراً، لذا كان يستخدم للاستشفاء والعلاج من بعض الأمراض. وتتفرع من هذه العين عيون أخرى منها عين الخبَّاقة، وهي التي كانت مخصصة للرجال فقط، وتقع على بعد 20 متراً من الحمام، وعين القصَّاري التي كانت مخصصة للنساء، وتقع على بعد 100 متر من الحمام، ويتميز الحمام بتصميمه المعماري الفريد، وارتباطه الوثيق بثقافة المنطقة وتاريخها العريق»، فهلُمَّ نناقشْ هذه الفقرة:
هذا التحديد لقرية (البحاري) حتى لو افترضنا أنه خطأ طباعةٍ، فهو خطأ في الحقيقة، وناتِجُه اقتلاع القرية من مكانها في الشمال الغربي من مدينة القلعة (مركز القطيف وحاضرتها) بما لا يزيد عن كيلو واحد، والقذف بها إلى هذا البعد القصي (22 كيلو متراً جنوب القطيف) يعني وسط مدينة الدمام، مع أن طول واحة القطيف بكاملها -بما تحتوي من مدن وقرى وفرگان (فرقان) (2)، من الشمال إلى الجنوب- لا يزيد على 29 كيلو متراً تقريباً.
الثاني: «بني الحمام فوق عين (معدنية كبريتية)، وأنه كان يستخدم للاستشفاء والعلاج من بعض الأمراض». ماء الحمام مفيد للعلاج من بعض الأمراض، بسبب سخونة الماء، واحتوائه على عناصر معدنية، أمَّا عينه فلو كانت كبريتية، لما صارت صالحة للاستخدام أصلاً، لا للاستحمام ولا لغيره، والعلة أن المياه الكبريتية هي غاز عديم اللون، شديد السُّمِّية، قابل للاشتعال، تنبعث منه رائحة كريهة شبيهة برائحة البيض الفاسد، ينشأ طَبَعيّاً عن فساد المواد العضوية المشتملة على الكبريت، وغالباً ما يوجد في الأبخرة المنبعثة من البراكين(3). هذه هي المياه الكبريتية: سامة، وقابلة للاشتعال، وذات رائحة كريهة كرائحة البيض الفاسد، وهي لا تصلح للاستشفاء إلا بعد معالجتها بما يتلاءم والاستعمال البشري.
الثالث: عين الخباقة تبعد إلى الشرق من الحمام بنحو ستين متراً، حسب مسح الآثاري الأستاذ نزار عبدالجبار، وليس 20 متراً، وهي ليست متفرعة من عين الحمام، ولا غيرها، وليست مخصصة للرجال، وإنما كان بجوارها إلى الشرق بئر إرتوازي (ِArtesian wells) مشاد عليه حمام مستطيل مسطح السقف، مسقوف بمربعات الخشب والألواح، وهو مخصص للنساء، وأما عين (القصَّاري)، حسب التسمية الشعبية، و(القصَّارين) في الفصحى (4)، فصحيح هي مخصصة للنساء، لكنها ليست متفرعة من عين الحمام، ولا من غيرها.
سبب التسمية
لا يوجد سبب جَليٌّ يفسر تسمية الحمام بأبي لوزة، إنما يرجِّح المؤرخون والباحثون سببين رئيسيين لتسمية حمام أبي لوزة:
أ – تَشابُه القبة مع شكل اللوزة، حيث تشبه اللوزة في انحنائها وتمددها، ويعزز هذه الفرضية التصميم المعماري، حيث تتميز سقوفه القببية بتصميمها الفريد، بخلاف أسقف حمامات العيون الأخرى في القطيف، التي كانت تسقف بجدوع(5) النخيل والألواح الخشبية، وتعتبر هذه الفرضية الأكثر ترجيحاً نظراً لارتباطها المباشر بالشكل المعماري المميز للحمام.
هذه الفقرة تستلزم تقسيمها إلى عدة فقرات، أولاها: «يُرَجِّح المؤرخون والباحثون»، فمن هم أولئك (المؤرخون والباحثون)؟ لكي نعود إليهم، ونعلم موثقات ترجيحهم.
الثانية: «تَشابُه القبة مع شكل اللوزة». القبة لا تشبه اللوزة، والوصف الأقرب لها أنها تشبه نصف كرة، أما اللوزة فمستطيلة الشكل، ومقطعها منكفئ إلى الداخل، وطرفها الآخر أنحف -قليلاً- من طرف المقطع (6).
الثالثة: «حيث تتميز سقوفه القببية بتصميمها الفريد». المكان الذي بُني فيه الحمام فيه ستة مبانٍ، أربعة منها متلاصقة، أولها: مبنى الحمام نفسه، وهو دائري الشكل، وتعلو سقفه قبة واحدة عالية فوق العين، وفي ذروتها كُوىً دائرية ينفذ منها الضوء، والهواء، وفي الجانب الجنوبي والغربي والشمالي من جدرانه عدد من المحاريب تتوسطها مشاكٍ (Niches) (7) لوضع مستلزمات الاستحمام كالفوطة والليفة والمدعك، والثاني: مَدخل الحمام، وهو رُواقٌ مستطيل يمتد من الجنوب إلى الشمال، وسقفه محدَّب، تتوسطه كُوىً ينفذ منها الضوء والهواء، ومحاط من الداخل بدكك للجلوس، ووفي جدرانه مشاكٍ لوضع الثياب، وشرب الشاي بعد الاستحمام، والثالث: حمام للنساء، وهو ملاصق لجدار الحمام من الشمال، وهو بركة مستطيلة تتصل بعين الحمام بفتحة في الجدار الفاصل بينهما عرضها قرابة المتر، وسقفه محدَّب مثل مدخل الحمام، يمتد من الشرق إلى الغرب، والرابع: يوازي مدخل الحمام من الشرق يفصل بينهما ممر عرضه متران تقريباً، يفضي إلى حمام النساء، وهو مستطيل يمتد من الجنوب إلى الشمال، وبه ساقية يمر منها الماء من عين الحمام إلى بساتين النخيل المجاورة، وبه كبائن لعمل (النورة) (8)، وقد تهدَّم، ولم يبق منه إلا أنقاضه الظاهرة في إحدى الصور القديمة ثم أزيلت (9)، وباقي المساحة في الركن الشمالي الشرقي تستعمل حظيرة (إصطبل) للخيول والأتن، والخامس مسجد ملاصق للحمام في ركنه الغربي الجنوبي، والسادس المقهى وهو في بستان جنوبي الحمام يفصل بينهما طريق. تظهر بقايا أحجاره في إحدى الصور (10).
الرابعة: «بخلاف أسقف حمامات العيون الأخرى في القطيف التي كانت تسقف بجدوع النخيل والألواح الخشبية».
لا يوجد في القطيف حمامات مبنية على العيون بتاتاً، اللهمَّ إلا بعض الآبار الإرتوازيَّة (ِArtesian wells)، وأما ما يشاهد بجوار العيون من مبانٍ فهي مساجد.
ب _ «كثرة أشجار اللوز في المنطقة: يرجح البعض أن سبب تسمية الحمام يعود إلى كثرة أشجار اللوز في المنطقة، وتشير بعض الروايات إلى وجود شجرة لوز كبيرة بالقرب من الحمام، مما قد يكون سبباً في تسميته بهذا الاسم».
كثرة أشجار اللوز في المنطقة لا تعطي الحمام أي ميزة تميزه عن غيره لكي يسمى بها، والأهم أن الشجرة التي تثمر اللوز تسمى في القطيف: گُضْب (قضب)، فكان الأولى أن يسمى (حمام القضب) أو (حمام أبو قضب)، كما سميت (عين أم النخلة) في (الحشيفية) في سيحة الخويلدية، لوجود نخلة نابتة فيها، وعين السدرة في القديح.
تاريخ البناء: يواجه تحديد تاريخ بناء الحمام -بدقة- صعوبة كبيرة، نظراً لغياب الدلائل الأثرية والنصوص التاريخية التي تثبت تاريخ بنائه بشكل قاطع، ويرجح المؤرخون والباحثون تاريخين لتشييد حمام أبو لوزة:
1 – القرن الخامس والسادس الهجري: تشير بعض الروايات إلى أن الحمام بني في عهد القرامطة أو العيونيين بين القرنين الخامس والسادس الهجري، أي قبل أكثر من 800 عام.
2 – قبل 500 عام يرجح البعض الآخر أن الحمام بني قبل القرن العاشر الهجري.
أشرت آنفاً إلى أن الكاتبة الكريمة شهد لا بد أنها تنقل عن مصدر، فيحسن أن أنقل نصاً مما كتب عن الحمام ونقارنه بنص الكاتبة شهد الذي أمامنا: «وأما بناء الحمام فتتضارب الأقوال في تاريخ تشييده، فهناك من يرجعه إلى ما بين القرن الثالث أو الرابع الهجري في عهد القرامطة، أو إلى عهد العيونيين، بين القرن الخامس إلى السادس الهجري، وقول آخر يرجعه إلى ما قبل 500 عام». هذا ما كتبته مريم العبدالعال في (الجزيرة نت) (11).
«عمارة الحمام: يعد حمام أبو لوزة تحفة معمارية فريدة من نوعها، ويتكون حمام أبو لوزة من قسمين منفصلين أحدهما للرجال، والآخر للنساء... ويتميز الحمام بتصميمه المعماري الذي يختلف عن تصميم حمامات العيون في القطيف حيث يتميز حمام أبو لوزة بالسمات المعمارية التالية:
1 - القباب المميزة الشكل: تتميز سقوف حمام أبو لوزة بقبابها التي تشكل عنصراً معماريّاً فريداً يميزه عن الحمامات الأخرى التي كانت تسقف بجدوع النخيل أو الألواح الخشبية».
مرت بنا فقرة من فقرات المقال عنوانها (سبب التسمية)، وتحتها ذكرت سببين لتسمية الحمام، الأول: (شبه القبة باللوزة)، والثاني: كثرة (أشجار اللوز في المنطقة)، فهي لم تذكر له إلا قبة واحدة، فكيف توالدت فأنجبت قباباً وسقوفاً مميزة بقبابها؟ ثم أين هي السمات التي تشكل العنصر المعماري الفريد الذي يميزه عن الحمامات الأخرى؟ لا أجد لهذا الحمام من قيمة إلا القيمة التاريخية البحتة، وغيرها فليس فيه أي سمة من سمات الفن المعماري الذي كانت تزخر به القطيف من نقوش، وزخارف، وآيات قرآنية، وحِكم، وشعر حكمي وتاريخ بحساب الجُمَّل، تزين محاريب المساجد، وأبوابها وجدران الحسينيات، والمنازل، و(المسبَّحات) في الغرف، والطُّرر، ولحسن الحظ أن كثيراً منها قام باستنقاذه الدكتور علي صالح المغنَّم، ونقله إلى المتحف الإقليمي الوطني إبَّان عمله مديراً له، وأغلب الظن أنها نقلت إلى المتحف الوطني في الرياض(12).
لنكمل مع الكاتبة الفاضلة شهد باقي (القباب والسقوف)، وأحسب أن البحث عن مصدرها متاح بين يديها، وهو نفسه مريم العبدالعال، وهذا هو نصها بالحرف: «ويتميّز الحمام بأنه بُني على طريقة غير مألوفة في المنطقة، فسقوفه القببية على خلاف أسقف حمامات العيون المنتشرة في أنحاء القطيف قديماً، التي كانت تسقف بجذوع النخيل والمرابيع أو الألواح الخشبية» (13). الغريب أن الأختين الفاضلتين مريم وشهد لم يخلب لُبَّهما غير سحر الفن المعماري الذي لا وجود له في هذا الحمام أصلاً، ولم تلتفتا إلى سحر آخر لا يعرفه إلا من تمطى عائماً تحت قبته قبل أن يخترمه المنون. ذلك السحر هو الأنغام المتولدة من تردد أصداء أصوات المستحمِّين وأصداء حركة الماء، والتفافات أعمدة الضوء المتسللة من الكوى في وسط القبة ممتزجة بالقسطل المطرَّزِ بما يشبه حبيبات الغبار الأبيض (14).
2 - «تصميم المحاريب المتدرجة: بني الحمام على شكل محاريب متدرجة تعلو بعضها البعض، وهو تصميم غير مألوف في المنطقة».
قلت آنفاً إن محاريب الحمام ليست متدرِّجة، ولا يعلو بعضها بعضاً، وما بداخلها هي مشاكٍ (Niches) قائمة وسط المحراب يضع فيها المستحمون لوازم الاستحمام، كالفوطة والليفة والمدعك، وما شابه. نعم، غير مألوف، لأن المألوف في محاريب المساجد وأبواب المنازل أنها مزينة بالزخارف والنقوش والآيات القرآنية. كما أسلفت.
3 - «وجود القباب الداخلية: تُفرَّغ فوق كل محراب قبة تحافظ على النمط المعماري نفسه من الداخل، ويضفي التصميم المعماري الفريد جمالاً خاصّاً، ويجعله معلماً ثقافيّاً وتاريخيّاً مهماً، ويتيح التصميم المعماري الاستفادة من المساحة بشكل أفضل، وتوفير بيئة مناسبة للاستحمام والاسترخاء».
لا أصدق أن هذا هو حمام (أبو لوزة) الذي تعلمت فيه السباحة، وتسبب في إصابة عينيَّ بالتراخوما لكثرة غطسي في أعماقه، بل إنني أقرأ وصفاً لمزار (تاج محل) في أگره، بولاية أتربرادش بالهند، أو آيا صوفيا في أسطنبول، أو قصر الحمراء بغرناطة. حمام أبو لوزة -يا سيدتي أو آنستي- لا تعلوه سوى ما ذكرتِه أنت آنفاً وهي قبة واحدة تعلو العين، وباقي المباني الملاصقة له كلها مستطيلة، وسقوفها مستطيلة مثلها، وقيمة هذا الحمام تاريخية محضة، وليس فيها أي سمة من سمات الفن المعماري السائد في القطيف، فلا نقوش، ولا زخارف، أو آيات قرآنية، أو حِكَم أو شعر أو غير ذلك مما كانت تزخر به بعض بيوت القطيف، وأبوابها، وجدران مساجدها، ومحاريبها.
«قيم استثنائية: يجسد حمام أبو لوزة قيماً استثنائية تجعله رمزاً ثقافيّاً وتاريخيّاً مهمّاً، ليس فقط في القطيف أو المملكة العربية السعودية، بل في العالم أجمع، ومن أهم هذه القيم:
أ - التراث الثقافي الفريد: يعد حمام أبو لوزة شاهداً على تقليد ثقافي مندثر، وهو الحمامات العامة الساخنة، ويمثل الحمام أهمية ثقافية كبيرة لأهالي المنطقة، حيث كان ملتقىً اجتماعيّاً، ومكاناً للاستحمام والعلاج».
نعم، قد يحسن السكوت على هذا، وبوسع الكاتبة الفاضلة أن تضيف على مسؤوليتي: والاستمتاع بترشُّف الشاي المخدَّر، من بيالات (15) السيد شَبَّر الحرَّانات مقهوي الحمام سالف الذكر.
ب - العمارة المميزة: يتميز حمام أبو لوزة بتصميمه الفريد عالميّاً.
ذا ما يفعل جموح العاطفة وسطوة الحب للتاريخ والتراث، طار بالأخت شهد محلقة في هذا الأفق الشاعري الرحب، المغرق في الرومانسية والخيال، أما في عالم الحقيقة فما يتميز به الحمام هو قبته التركية الطراز، فطُرُز الحمامات المقببة كانت سائدة منذ عهود إسلامية سابقة لفترة الخلافة العثمانية، حيث استمدت أصولها من فترات قبل الإسلام، إذ اقتبس المعماريون المسلمون طرُز القباب من الأتراك، ورثة البيزنطيين، وأول قبة في تاريخ الإسلام هي قبة مسجد الصخرة، شيدها -على ما نُقل- عبدالملك بن مروان(16)، أما القطيف فأول عهدها بالحكم العثماني يوم تناهت إلى أهلها أنباء احتلال السلطان سليمان القانوني بغداد سنة 1534م 940هـ، فثاروا بالبرتغاليين وأجلوهم، وأرسلوا وفداً من أعيانهم إلى بغداد، وسلم مفاتيحها إليه (17)، ومنذ ذاك وهم في صراع مرير مع الولاة العثمانيين، بين كر وفر، يحتلونها مرة ويطردونهم منها، ثم يعودون ليطردوا، حتى قيض الله لها الخلاص على يد الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، فغير معروف -على وجه اليقين- مَن مِن ولاتهم شيد هذا الحمام، وثمة روايات متضاربة، تنسب بناءه إلى الزعيم مهدي بن أحمد آل نصر الله، وقد تكون لديهم موثقات، لكنهم لم يفصحوا عنها (18).
ما بقي من المقال من توجع على مآل الحمام، والشكوى من إهماله، والدعوة لإنقاذه، أتفق مع الكاتبة في كل حرف فيه، بل وأكرر هنا ما سبق أن جأرت به في مقال نشرته صحيفة (صبرة الإلكترونية) في أربع حلقات. يمكن للراغب الرجوع إليها بالدخول إلى الروابط المثبتة في الهامش (19)، والتفاصيل المتبقية من وصف الفن المعماري، الفريد وروائعه، قد أجبت عليها، فأختم بفقرة واحدة تستوجب جلاء ما قد تُحدِث من التباس، حول الترميمات التي أجريت على الحمام، وهو قولها: «تجدر الإشارة إلى أن أعمال الترميم السابقة لحمام أبو لوزة من قِبَل بلدية القطيف، وما تم من أعمال ترميم وإضافات في الحمام والمنطقة المحيطة به لا تناسب طرازه السابق، إذ أدخِلت عليه تحسينات ومواد حديثة، وقد تأثرت قبة العين بشكل كبير».
هذه القفرة أخشى أن يساء فهمها مع أنها تعني -بوضوح- بلدية القطيف، ومبعث خشيتي من إساءة فهمها هو أن بلدية القديح التي كنت رئيسها قامت بترميم الحمام إبَّان استقلالها، قبل أن تدمج مع باقي بلديات القطيف وتُحَوَّل إلى فروع تابعة إلى بلدية منطقة القطيف، ثم بلدية محافظة القطيف، فتعين أن أعطي وصفاً تفصيلياً لما قامت به بلدية القديح من أعمال في الحمام:
وضع الحمام قبل الترميم
تعرض الحمام للعبث بسب الإهمال، فكان أشبه بمكب النفايات ممتلئاً بشتى أنواع المخلفات، كهياكل السيارات، والدراجات النارية والهوائية، وإطارات (الكاوتشك)، والأخشاب، والأحجار والأتربة وغيرها، فتم رفع المخلفات كلها، وتنظيف العين، ثم تغطيتها بصفائح الحديد، والدعامات (Props)، وتدعيم جدار القبة من الأسفل بصفائح (الشينكو) الخفيف لمرونته وسهولة ثنيه ليتلاءم مع تقوس القبة، وتم ترميم القبة من الخارج أولاً، ثم من الداخل.
وإذ لم يكن لدى البلدية بناء يجيد البناء بالجص والحجارة البحرية، أوكلت هذا الجانب لجمعية القطيف الخيرية، فأسندت هي العمل اليدوي إلى متعهد وفر البنَّاء، وما بقي من عمال وتجهيزات ومعدات وأخشاب وصفائح الحديد ودعامات و(الشينكو)، وما شابه تولت البلدية توفيره، ولم نكن بحاجة إلى استخدام الإسمنت أو الطابوق لأن الحجارة متوافرة في الحمام نفسه، وبقيتها ما زالت محفوظة لدى الأستاذ نجم بن منصور بن تركي الحجي، المتطوع لحراسة الحمام، وعملية صنع الجص سهلة لتوافر الطين البحري، وسهولة استخراجه ونقله وتجفيفه وحرقه، ثم دقه (سحقه)، فتمت عملية الترميم من دون أي مواد غريبة عن بيئة البناء المحلية، حتى اللون لم نقم بدهنه مكتفين بلون الجص الطبيعي، أما أعمال الترميم فاقتصرت على القبة والرواق من الداخل والخارج، وترميم جلوف (جروف) العين، وجدرانها وجدران الحمام من الداخل والخارج، مع المدخل فقط. والغواص استؤجر من (شركة القصيبي للغوص والخدمات البحرية)، فتم تنظيف التنور حتى القاع، لكنني لم أتمكن من ترميم باقي المباني بسبب حركة دمج البلديات في بلدية واحدة، وبأثر هذا الدمج نقلت إلى بلدية عنك. تلا ذلك إحالتي على التقاعد.
نبذة عن صناعة الجص
صناعة الجص كانت تزاول في القطيف حتى عهد قريب، وكيفيتها هي: أن يقتلع الطين من البحر، وينقل بالحمير (واسطة النقل الوحيدة آنذاك)، إلى المكان المخصص له، ويفتت إلى كتل صغيرة، ثمَّ ينشر ويترك حتى يجف تماماً، ثم يكوَّم في الصيران (20)، ويوقد تحته بالسجين (21)، وبعد اكتمال الحرق يُدَقُّ بأعواد من الخشب حتى ينعم، وينتج منه نوعان يسمَّى أحدهما: خكري، وهو الأكثر كميَّةً، ولونه رمادي، ويستعمل في بناء الجدران واللياسة، والثاني يسمَّى عربي، ولونه أبيض، يضرب إلى الحمرة، ويستعمل في بناء القباب والأقواس، والزخارف، والنقوش.


هوامش
العدد: 578 جمادى الأولى 1446هـ نوفمبر 2024م ص: 124 - 127.
جمع فريق، وفي اللهجة: فريگ، وهي أحياء تتبع القرى لكنها منفصلة عنها، بيوتها عشش، عادة.
موسوعة المورد، منير بعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الأولى، 1981م، ج5/140.
الواحد قصَّار، مبيض الملابس أو غاسلها، حذفوا النون من اسمها على طريقة العرب في الاختصار بحذف المتكرر - وهي التسمية الفصيحة لمبيض الملابس أو غاسلها. (انظر تاج العروس، السيد مرتضى الزبيدي)، وفي الماضي القريب كانوا يسمَّونهم (الدوبِيَّة) جمع (دوبي).
الصواب: جذوع، بالذال المعجمة. (تاج العروس).
(6) انظر الصورة.
جمع مشكاة، والمشكاة: كوة في الجدار غير نافذة. تاج العروس، وفي القرآن الكريم: (... مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ...) سورة النور، الآية: 35.
كانت النورة مستعملة لإزالة شعر العانة حتى عهد قريب، ومكوناتها النورة والزرنيخ، ومن أمثالهم الشعبية: الاسم للنورة، والگَص (القص) للزرنيخ.
انظر الصورة.
في بستان النخيل الكائن جنوب الحمام مقهى يديره السيد شَبَّر الحرَّانات. خيوط من الشمس، محمد سعيد الخنيزي، مؤسسة البلاغ، بيروت، الطبعة الأولى، 1420هـ، 1999م، ج2/38.
الرابط: https://t.ly/HBtaG
قبل أن تشرع البلدية بإزالة قلعة القطيف 1404 - 1405هـ - 1984 - 1985م، قام الدكتور المغنم إبان رئاسته للمتحف الإقليمي بالدمام بإحاطة حي الزِّرَيب بسياج بقصد تحويله متحفاً، لكن لأسباب لا أعلمها، لم يحصل على اعتماد مالي، فأزيل الحي بعد فترة.
الرابط: https://t.ly/HBtaG
القسطل هو عمود الضوء المتسلل من كوة في الجدار كالغبار، وتدور وسطه حبيبات.
جمع بيالة، معرب: پياله بالمثلثة: قدح الشراب. المعجم الذهبي (معجم فارسي - عربي)، د. محمد التونجي.
انظر: موسوعة المورد، منير بعلبكي، دار العلم للملايين، الطبعة الأولى، 1980م. ج3/210.
أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث، ستيفن هيمسلي لونگريك، ترجمة جعفر الخياط، الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الخامسة، د. ت. ص: 40.
خيوط من الشمس، محمد سعيد الشيخ علي الخنيزي، مر ذكره، ج2/37.
صحيفة صبرة الإلكترونية، رابط الحلقة الأولى: https://t.ly/LYAnM، رابط الحلقة الثانية: https://t.ly/6n-9w، رابط الحلقة الثالثة: https://t.ly/YDIR6، رابط الحلقة الرابعة: https://t.ly/lP4G9.
جمع صار، وهو تنور هرمي مربع الشكل يتألف من جِزم النخل، جمع جِزمة: الجزء السفلي من جذع النخلة.
السِّجِّين من النخل: السِّلْتِينُ، بلغة أَهل البحرين. تاج العروس. وهي شرائح من جسم النخلة بطول متر تقريباً.

ذو صلة