مجلة شهرية - العدد (582)  | مارس 2025 م- رمضان 1446 هـ

النقوش الشمالية العربية القديمة

تمتاز محافظة العلا بكتاباتها القديمة، والتي حفظتها واجهات جبالها الرائعة الجمال أو أحجارها التي أظهرتها التنقيبات الأثرية في المنطقة. ومن الثابت أن لهذه النقوش مدة زمنية تبدأ من القرن العاشر/ التاسع قبل الميلاد الذي يمثله النقش الآرامي من موقع دادان، إلى القرن الرابع الميلادي والذي تمثله النقوش الثمودية من المرحلة المتأخرة، وبعض من الكتابات النبطية. كتابات العلا القديمة يمكن تقسيمها استناداً إلى مضامينها، وأسلوب كتابتها إلى قسمين رئيسين، هما: النقوش الرسمية، والشعبية (الفردية). فالأول يمتاز أن كتابته جاءت أكثر إتقاناً في الاستخدام الأمثل لأشكال الحروف، لهذا تكون هذه النقوش (الرسمية) محررة ومكتوبة من قبل محترفين يمتهنون الكتابة أو يعملون في مؤسسات في الدولة نفسها. أما النوع الثاني الشعبي، فنجد أن درجة اهتمام كتابها بالإتقان أقل، وأن أغلبها لا يخرج عن تخليد ذكرى حدث معين يعود لصاحب النقش أو الإشارة إلى حوادث معينة.
وفي منطقة العلا ذات الطبيعة الخلابة والمشجعة على الاستقرار؛ يوجد إضافة إلى العربية العائدة إلى الفترة الإسلامية أو ما قبيل الإسلامية؛ تسع كتابات هي: الآرامية بقلميها المبكر (نقش وحيد) والدولي (ثلاثة نقوش)، الدادانية (اللحيانية)، ونشر منها حتى الآن (988 نقشاً)، والثمودية (761 نقشاً)، والمعينية (213)، والنبطية (747 نقشاً)، واللاتينية والإغريقية (63 نقشاً).

أولاً: النقوش الدادانية
هي الكتابة المحلية لقبائل وشعوب مملكتي دادان ولحيان التي استمرت لمدة زمنية تزيد على 800 عام. عكست هذه النقوش التي تقرأ من اليمين إلى اليسار والمكونة من 29 حرفاً، عدداً من جوانب مهمة من الحياة الاجتماعية والتجارية والدينية لدى شعوب المنطقة وقبائلها. والنقوش الدينية -وهي الأكثر- مكرسة لعمليات تقديم النذور والهبات لمعابد دادان ومعبوداتها. وخلافاً لما يراه عدد من الباحثين الذين اعتقدوا أن الخطين الديداني واللحياني خطان مستقلان؛ فإننا نرى أنهما خط ولغة واحدة. وتنقسم من حيث أشكال الحروف إلى قسمين، هما:
1 - الداداني المبكر:
وهو الخط الذي استخدم فيما بين القرنين التاسع والخامس/ الرابع قبل الميلاد، وبلغ عدد نقوشه 70 نقشاً.
2 -  الداداني المتأخر:
ويعود تاريخيّاً إلى الفترة من القرن الثالث حتى منتصف القرن الأول قبل الميلاد (300-50ق.م)، استناداً إلى أمرين؛ أولهما: تطور أشكال بعض الحروف، مثل: حرفي الجيم والميم، وثانيهما: الاختلاف في الموضوعات والصيغ المستخدمة في هذه النقوش المتأخرة.

ثانياً: النقوش النبطية
تُعد منطقة العلا أكثر مناطق المملكة العربية السعودية في الكتابات النبطية، فقد بلغ عدد النقوش النبطية المعروفة بها حتى اليوم 774 نقشاً من 1040 نقشاً رُصدت من مناطق مختلفة من المملكة أكثرها وجد في جبل أثلب.
وتُعد نقوش محافظة العلا (الحجر) الأغنى والأكثر ثراءً من الناحيتين اللغوية والاجتماعية. وجدنا في نقوش هذه المنطقة 40 نصّاً مؤرخاً بفترات الملوك الثلاثة، منها سبعة عشر نصّاً، أرخت إلى فترة الملك الحارثة الرابع، وعشرة نصوص مؤرخة إلى فترة الملك مالك الثاني، في حين وجدنا أربعة نصوص مؤرخة إلى فترة الملك رب إل الثاني. أما الجانب الديني، فسجلت نقوش المنطقة أسماء عشرة آلهة نبطية بعضها معروف، مثل: اللات، هيل، شيع القوم، مناة، وكذلك قيس. وهذه النصوص قدمت لنا جل معلوماتنا عن قواعد اللغة النبطية وأسلوب كتابتها، والسمات اللغوية للنقوش النبطية.

ثالثاً: النقوش الثمودية
قسم الباحثون القلم الثمودي إلى مجموعات كالتالي:
(1) الثمودي المبكر: وقد استخدم لمدة خمسة قرون أو ستة فيما بين القرنين (التاسع أو الثامن إلى القرنين الرابع/ الثالث قبل الميلاد).
(2) الثمودي المتوسط (الانتقالي): ويمثل هذه المرحلة الخط المعروف بالحجازي، ويؤرخ بالفترة الواقعة فيما بين القرن الرابع/ الثالث حتى نهاية القرن الأول قبل الميلاد، فيما استمر في الاستخدام حتى القرن الثاني الميلادي في الحجاز فقط.
(3) الثمودي المتأخر: وقد بدأ استخدامه في نهاية القرن الأول قبل الميلاد أو بداية القرن الأول الميلادي، واستمر حتى نهاية القرن الرابع الميلادي، المعروف خطّاً بالخط التبوكي. وفي العلا سجلت مجموعة لا بأس بها من النقوش المصنفة بالثمودية، في غالبها تعود تاريخيّاً إلى المرحلة الثمودية المتوسطة.

رابعاً: النقوش المعينية
هذا النوع من الكتابات من أكثر اللهجات الجنوبية انتشاراً خارج الممالك العربية الجنوبية، حيث نجد جالية ذات شأن في المملكة اللحيانية، وكانت هذه الجالية قد انقسمت بشكل واضح إلى طبقتين اجتماعيتين؛ الأولى: هي التي تعود إليها غالب النقوش المصنفة بالتذكارية والبالغة 179 نقشاً، وهذه النقوش نجدها منتشرة على سفح جبل الخريبة إلى جانب عدد من المدافن والقبور المنحوتة على وجه الجبل. أما النوع الثاني فهم التجار الذين استفادوا من الموقع الإستراتيجي لدادان ووضعها السياسي الآمن والمستقر مما ساعدهم على فتح آفاق تجارية قوية استمرت عدة قرون. يمكن تصنيف نقوش معيني دادان إلى الآتي:
نقوش المقابر: وتتحدث عن أسماء أشخاص توفوا بالعلا إبان إقامتهم فيها، وتأتي على زمن وفاتهم حسب التقويم بالأشخاص، وبعضها تتطرق إلى امتلاكهم عدداً من المقابر الصخرية.
النقوش المعمارية: هي النقوش التي تأتي على ذكر أعمال معمارية قام بها المعينيون في ديدان.
النقوش النذرية: ونفهم من بعضها أن المعينيين في العلا قد وضعوا ملكياتهم وأموالهم وبضائعهم في حماية المعبودات المعينية.
النقوش التذكارية: وهي نقوش قصيرة تأتي على ذكر أسماء أشخاص وأسماء الأسر التي ينتمون لها.

خامساً: النقوش اللاتينية والإغريقية
الأهمية الدولية التي احتلتها العلا في الفترة الواقعة بين القرن الأول والثاني الميلاديين، نظراً للصراع الفارسي الروماني؛ دفعت الرومان للحضور إلى المنطقة، ومع ندرة التنقيبات فقد عثر على عدد من الأدلة على هذا الوجود، ومنها نقوش باللغتين اللاتينية والإغريقية في نقاطٍ مختلفة من ضواحي مدينة الحِجر، كتبها جنود ينتسبون إلى فيالق مساعدة للجيش الروماني.

* أستاذ الآثار في جامعة الملك سعود

ذو صلة