مجلة شهرية - العدد (579)  | ديسمبر 2024 م- جمادى الثانية 1446 هـ

مخطوطة كاتب الشونة تاريخ ملوك سنار والحكم التركي المصري في السودان

إنَّ لفظة مخطوطة مشتقّة من الفعل الماضي خطَّ، أو الفعل المضارع يخط، وأمَّا في الاصطلاح فإنّ المخطوطات هي ذلك النوع من الكتب الذي كُتب بخط اليد، وذلك بسبب عدم وجود الطباعة في تلك الفترة، وتُمثّل المخطوطات المصادر الأوّلية لجميع المعلومات، وهناك الكثير من المخطوطات التي ما زالت في خط اليد ولم تُطبع حتّى الآن.

المخطوط أو المخطوطة أي وثيقة مكتوبة بخط اليد، بدلاً من طباعتها في المطبعة. سواء أكان ما كتب على أوراق البردي أم على غيرها من الرقوق أو الورق العادي. غير أن العرب الأوائل لم يتداولوا هذا المصطلح، فكانوا يطلقون على المخطوطات: أمهات الكتب، المؤلفات، كتب الأصول. ويبدو أن مصطلح (المخطوط) ظهر بعد عصر الطباعة ليفرق بين المطبوع والمخطوط.
جاء أول ظهور لمصطلح (مخطوط) كاسْم -في اللغة الفرنسية كما هو الحال في اللُّغة الإنجليزية- سنة 1594م، نتيجة لاكتشاف المطبعة. وذلك لأنه بدأت في الظهور كتب لم تكتب بخط اليد، لأن الشكل التقليدي لصناعة الكتاب أخذ يختفي شيئاً فشيئاً، أمام منافس رهيب، بحيث دخلت كلمة جديدة إلى اللغة: هي كلمة (مخطوط)، أي الكتاب المكتوب باليد (بالتأكيد كانت هناك حالات أخرى)، ابتداءً من الوثائق الإدارية وحتى النصوص التي كتبها مؤلفون حتى وإن لم يكونوا كُتابها، وكذلك الأمر يتعلق بوثائق ترتبط بمجالات مثل علم البَرْديات وعلم الديبلوماتيك.. إلخ. وبالمثل يُستبعد أيضاً من نطاق البحث النُّقوش، حتى وإن كان بعضها يُسجِّلُ نصاً تورده كذلك المخطوطات، أو نُفِّذ بآلات مشابهة لتلك التي يستخدمها الناسخ. إنها هذه الكتب المنسوخة باليد طوال قرون، وأكثر تدقيقاً ذات شكل معين هو (الكوديكس) codex، الذي يرتبط به علم المخطوطات. (مؤسسة الفرقان للتراث).
بداية المخطوطات، وتحديداً المخطوطات السودانية، بدأت كتابتها منذ أوائل القرن التاسع عشر، حيث بدأت كتابة تراجم العلماء ورجال الدين من أهل البلاد، افتتح هذه النهضة العلمية الفقيه محمد النور ود ضيف الله بن محمد بن ضيف الله الجعلي الفضلي بتأليف كتابه: (الطبقات في خصوص الأولياء والصالحين والعلماء والشُعراء في السودان)، وهو مشهور باسم طبقات ود ضيف الله (1933م)، ثم تلاه الشيخ أحمد بن الحاج أبو علي المعروف بكاتب الشونة. (هو موضوع بحثنا). (يوسف فضل، 2018م)
- من هو كاتب الشونة، ولماذا سمي بكاتب الشونة؟
- كاتب الشونة هو الشيخ أحمد ابن الحاج أبو علي الشهير بـ(كاتب الشونة)، ينتمي لعائلة متدينة، وهو من أوائل الذين اهتموا بكتابة التاريخ في عهد الفونج، ويعتبر كتابه: (تاريخ ملوك سنار والحكم التركي المصري في السودان (910 - 1288هـ). تم تنقيحة من قبل أحمد بن الحاج محمد جنقال، والزبير عبدالقادر ود الزين (الشهير بالزبير ود ضوة)، وإبراهيم محمد عبد الدافع والأمين محمد الضرير.
- ولد كاتب الشونة في العام (1785م) في قوز المسلمية في ولاية الجزيرة بين مدينتي الحصاحيصا وومدني.
- اشتهر باسم كاتب الشونة، ذلك أنه كان يعمل كاتباً في مخازن الغلال إبان العهد التركي المصري، حيث كانت هذه المهنة سائدة في ذلك العهد، ويقصد بها تخزين وتوريد البضائع. وبرزت أهمية المخطوطة منذ أن اعتمد عليها الكونيل ستيورات (John Donald Hamill Stewart) في إعداد مقدمة تاريخية من أجل كتابة تقرير للحكومة البريطانية عن وضع السودان وقت اندلاع الثورة المهدية على الحكم التركي المصري:
Colonel John Donald Hamill Stewart، CMG (15 October 1845 - 26 September 1884) was a British soldier. He accompanied General Gordon to Khartoum in 1884 as his assistant. He died in September 1884 attempting to run the blockade from the besieged city at the hands of the Manasir tribesmen and followers of Muhammad Ahmad Al-Mahdi. (15 October 1845 - 26 September 1884)
- اعتمد عليها المؤرخ نعوم شقير بصورة أساسية في كتابة (جغرافية وتاريخ السودان)، والمؤرخ البريطاني والاس بيدج (Wallis Budge)‏ لكتابه تاريخ السودان المصري (The Egyptian Sudan، its history and monuments)، وتعتبر مخطوطة كاتب الشونة مصدراً مهماً لكتاب (سن النار لهنري سيسل جاكسون: Henry Cecil Jackson).
- وكلمة (شونة) حسب ما ورد في معجم المعاني: (اسم) لجمع: شُونات وشُوَن، والشَّوْنَة: مَخْزَن الغَلَّةِ والْحَصَائِدِ وَالتِّبْنِ وَالعَلَفِ والجمع: شُوَنٌ، والشَّوْنَة: سفينة حربية قديمة والجمع: شَوَانٍ.
- إجمالاً تؤرخ المخطوطة للسلطنة الزرقاء منذ نشأتها في (1904م وحتى سقوطها في 1821م). ثم تمتد إلى العام 1871م. وأسهبت المخطوطة في ذكر تفاصيل السنوات الأخيرة من عمر السلطنة من عهد بادي الرابع.
- في العام (1961م) نشر الشاطر بصيلي عبدالجليل، بمراجعة محمد مصطفى زيادة تحقيقاً ثالثاً تحت عنوان: (مخطوطة كاتب الشونة في ملوك السلطنة السنارية والإدارة المصرية)، اعتمد الشاطر بصيلي على خمس نسخ لهذا المخطوط، وهي نسخ: (القاهرة، فينا، باريس، إسطنبول، ونسخة لندن)، ويعتقد أن نسخة القاهرة هي أقدم النسخ، لأنها نقلت من الأصل، وأنها تحتوي على معلومات خاصة بكاتب الشونة في متن المخطوطة.
- آخر تحقيق لهذا المخطوط كان في العام (2018م) من قبل بروفيسور يوسف فضل حسن تحت عنوان: (تاريخ ملوك سنار والحكم التركي المصري في السودان) تتكون من (412 صفحة)، وتمت كتابة المخطوط بلغة واضحة، تضمن التحقيق مقدمة وكشافاً به أسماء القبائل والأماكن والأعلام، كما ذكر فيه شرح وتحليل وافٍ في الحواشي والهوامش للتعابير الدارجة والنصوص المحرفة. اعتمد بروفيسور يوسف فضل على عشر نسخ مختلفة وجدت في المكتبات، وهي: دار الوثائق القومية، مجموعة الشريف يوسف الهندي، القاهرة، إسطنبول، المتحف البريطاني (وهي إحدى النسخ التي حققها بروفيسور مكي شبيكة في 1947م بتاريخ ملوك السودان)، مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية في لندن، جامعة أكسفورد، فينا، باسانو، ونوتنجهام التي تعد أقدم النسخ وأقربها للأصل الذي صدرت به الموسوعة. وبدأ بروفيسور يوسف فضل هذا العمل بشكل فردي منذ العام 1992م واستغرق منه 25 عاماً.

ذو صلة