مجلة شهرية - العدد (579)  | ديسمبر 2024 م- جمادى الثانية 1446 هـ

النحاتة الكندية غالينا ستيتكو: الإبداع ملعب لا نهائي!

حوار وترجمة/ حمد الدريهم: الرياض


قد يترحّل المرء بحثاً عن ذاته نتيجة ظروف معينة، لكنه في الوقت نفسه قد ينحتُ خيال الفنانة والنحاتة الكندية غالينا ستيتكو، لتبدع أعمالاً مثل: (ثق بي) و(مهاجر) و(ما الذي سيوصلني إلى هناك؟) وغيرها. التقيتُ بها، لأحاورها حول تلك الأعمال وجان بول ريوبيل وأثر تعدد الجذور الثقافية على إبداع الفنان وغيرها من الموضوعات، فإليكم الحوار:
أنتِ تتقنين عدة لغات مما يشير إلى أنكِ أتيت من خلفيات ثقافية مختلفة، هل أثرت على أعمالك؟ كيف ترين ذلك الأمر؟
- نعم، بكل تأكيد. جذور الخلفية الثقافية تشكل نظرتنا للعملية الإبداعية. التعبير الأولي في عملي ينشأ أساساً من الذات. نشأتُ في مولدوفا أثناء حقبة النظام الشيوعي وشهدت سقوط الاتحاد السوفييتي في وقت لاحق، ووسمَت قلقاً عاماً وترحالاً للبحث عن الهُوية.
ذات مرة، قال الفنان والنحات الألماني جورج باستلز: (النحت مثل علم الآثار، تحفر وتجد شيئاً). من وجهة نظرك، ما النحت؟ لم اخترت المضي في هذا الفن؟
- النحت والفن بصفة عامة علامات ذلك الوقت، الناس يجسدون بناءات تلك الحقبة. النحت تحديداً، عملية تشييد تترك بصمة في حاضرها تشبه علم الآثار إلى حد ما. خلقُ الفن بالنسبة لي، التزام داخلي ورغبة في رؤية أفكارنا التي تمثلنا تتجسد في العالم الواقعي.
هل يمكن أن تصفي مشاعرك أثناء نحت المنحوتة وبعد الانتهاء منها؟
- النحت بالنسبة لي، إظهار صوتنا الداخلي، والمنحوتة نفسها هي المعبر عن أفكارنا اللاواعية. استهلال عملية النحت تتضمن عادة فكرة وخطة، لكن من الضروري كسر القواعد واكتشاف منعطف غير متوقع يكسر خوارزمية خطتي الأولى.
أثناء النحت، أجتاز مراحل مزاجية وعاطفية مختلفة، لكن التفسير الحقيقي للمعنى لا يصبح واضحاً إلا بعد أشهر أو سنوات من انتهاء العمل.
أتركُ العمل غير مكتمل وأواصل رحلته بصورة مستقلة عن طريق تحريره من إطاره.
كيف تصفين تجربتك في (طويق للنحت)، إذ اجتمع فيه العديد من النحاتين المحليين والدوليين؟ وكيف تصفين زيارتك للمملكة بصورة عامة؟
- تجربة فريدة، اجتمع نحاتون من خلفيات ثقافية متنوعة ليشاركوا رؤيتهم الفنية والمعرفية في مجال العمل، وترحيب حار من قبل الفنانين السعوديين.
هذه التجربة تولد وتعزز المهن الفنية للمشاركين.
وسط هذا التطور الهائل للمملكة والدعم المميز لتطوير الفن، اكتشفت مجتمعاً سعودياً جميلاً ومتعاوناً، يرحب بحرارة بأي شخص أجنبي.
هل يمكنكِ إخبارنا بقصة تقف خلف أحد أعمالك، لا يمكن أن تمحى من ذاكرتك؟
- تقريباً خلف كل عمل فني هناك قصة، وإبداع قطعة عظيمة غالباً ينبع من اكتشافات حظ غير متوقعة.
اسمح لي بأن أشاركك قصة حول منحوتتي القادمة، وهي حالياً في مرحلة الرسم الأولى.
أثناء مشاركتي في تجمع للرسم، حيث طُلب من كل الفنانين أن يُحضروا عملين. لقيت نفسي في صراع لإبداع لوحات الرسم الأُولى والذي حدث أنها رُكبت مصادفة على الثانية.
بعد أيام من الجهود المضنية على تلك اللوحات الأولى. بقايا الألوان الجميلة شكلت قطرات لتزيّن ألواح الرسم المجاورة مصادفة. تسرب قطرات الحبر تلك أصبحت المحفز القوي لبدء فكرة عملي الفني الثاني الذي سُمي لاحقاً: (ما الذي سيوصلني إلى هناك؟!). تلك اللوحة المرتجلة خليط بين عناصر التجريد والرمزية وتقدم استحضاراً ثلاثي الأبعاد من قطرات اللوحة السابقة التي كانت الباعث الرئيس لتلك اللوحة.
المنحوتة القادمة التي أعملها حالياً، ستشارك الجوانب التركيبية المتماثلة والجوهر المستلهم من تلك المصادفة ذات المعنى.
هل هناك كتب أو أفلام معينة توصين بها للنحاتين؟
- النحاتون مبدعون، لذا يجب أن يعبروا عن أنفسهم بمفردات أصيلة وفريدة، إنها رحلة من الممارسة والتجريب الدائم ولا خيار لنا سوى سماع صوتنا الداخلي، لذا لن أوصي بكتب معينة قد تؤثر على رؤيتهم الفنية، لكني قد أقترح كتب الأدب الكلاسيكي مثل: (الجريمة والعقاب) لفيودور دوستويفسكي الذي يعد تجربة تحد قرائية محفزة.
فيما يتعلق بمنحوتتك: (ثق بي)، ما الرسالة التي أردتِ إيصالها عبر ذلك العمل؟
- العمل الفني (ثق بي) جزء من باكورة أعمالي التي بدأتها في عام 2016م. إنها تصور طفلاً يحمل قطاً في يديه. في ذلك التمثل المبهم للطفولة بنظرات حزينة وإيماءات خيّرة، أردتُ نقل نوايانا الرومانسية والبريئة التي تخترقنا فجأة بأسئلة عميقة وسط هذه الفوضى. الفكرة الكامنة في تلك القطعة تكشفُ الصراع الذي قد يثيره البشر أو يتورطون فيه، مع تركيز محدد على الطفولة، لأنها المرحلة الوحيدة في حياة الإنسان التي تظل العلاقات فيها بين الطبيعة والأفراد لا تتأثر بمصالح أو منافع خارجية.
من وجهة نظرك، ما أهم المنحوتات التي تحبينها في تاريخ النحت ولاتزال راسخة في ذهنك؟
- بصفتي فنانة، أقدر عميقاً حرية التعبير وقدرة الفنانين على إعادة اختراع ذواتهم. أحد الفنانين الذين أحبهم هو الفنان الكندي جان بول ريوبيل (1923م - 2002م)، لأنه أخذ خطوات هائلة في تتبع غرائزه الإبداعية. عمله المميز الذي أحبه: (La Joute / تنافُس). تلك المنحوتة المثيرة للإعجاب انطباعية وتجريدية، تشير إلى قتال يصور ديناميكية صراع الرموز، عمل جنوني وحر وجامح وهذا هو الفن الحقيقي.
هل عملك المعنون بـ (مهاجر) يعكس ذهنك في لحظة ما؟ ما الشيء الذي ألهمك لإبداع ذلك العمل؟
- العمل الفني (مهاجر) أبدعته باستخدام جسدي أنموذجاً مرجعياً، التقطته في وضعية معينة مستمدة من الذكريات، هذه الوضعية تمثل لحظة من حياتي عندما حررتُ نفسي من عبءٍ ثقيل وتهيأتُ للنهوض من الأرض. في تقديم تلك القطعة، فكرتُ في عدة موضوعات مثل: المواد الخام وإعادة الإعمار والأطلال والأمل.
النتيجة النهائية استلهمت من العملية الفنية بأكملها مع تصور زهرة مثبتة بالداخل بعد تجميع الشكل بالكامل.
كيف تصفين العلاقة بينك وبين المتاحف حول العالم، لاسيما في منح الفرص لإبراز أعمالك؟
- المتاحف منصات تستحق الاهتمام، بلاشك سأقبل مثل هذه التعاونات.
ما كلمتك الأخيرة في هذا اللقاء؟
- الإبداع ملعب لا نهائي. النحت يعد رابطاً حقيقياً واستثنائياً للبشر. يُوصف بأن مهمته توحيد المجتمع ويصل ما بين الماضي والمستقبل.

ذو صلة