مجلة شهرية - العدد (579)  | ديسمبر 2024 م- جمادى الثانية 1446 هـ

البولندي بيوتر قارقاس: كل قطعة هي لحظة خاصة

حوار وترجمة/ حمد الدريهم: الرياض

تلعب تقنيات التصور الرقمية ثلاثية الأبعاد دوراً حيوياً، ليس في إبداع الأعمال الفنية فحسب، بل في إعادة ترميم وتصور المباني التاريخية القديمة، مستعينة بآراء المؤرخين والآثاريين لتلك المباني التاريخية القديمة التي تعرضت للخراب مع مرور الزمن، لذا جمع الفنان والنحات البولندي بيوتر قارقاس في طريقة إبداعه النحتي ما بين تلك الطريقة والأسلوب التقليدي اليدوي، ليبدع أعمالاً مثل (انصهار) و(إمساكٌ بشدة) وغيرها من الأعمال. التقيته لأحاوره حول الحالة الفنية في أوروبا، لاسيما في بولندا، وعن تجربته في النحت الرقمي. بالإضافة إلى قضايا أخرى، فإليكم الحوار:
ذات مرة، قال الفنان والنحات الألماني جورج باستلز: (النحت مثل علم الآثار، تحفر وتجد شيئاً) من وجهة نظرك، ما النحت؟ لم اخترت المضي في هذا الفن؟
- أحب ذلك الاقتباس، وأود أن أضيف أن النحت لا يتعلق باكتشاف ما هو مخفي في الصخر فحسب، بل أيضاً بالرحلة الشخصية للاستكشاف، يمكن لعملية النحت التي تتطلب جهداً جسدياً وتحدياً فكرياً أن تكشف أكثر عن نفسك.
إنه أمر مثير للاهتمام، لأنه لم يكن أحد من أقاربي فناناً، وعلى الرغم من ذلك، أدركتُ منذ سن مبكرة أن تطوير المهارات اليدوية والفنية لإبداع أشياء فريدة هو الأمر الذي أردت أن أسعى إليه في حياتي.
لديك تجربة في النحت الرقمي، كيف تصف تلك التجربة؟ كيف توازن بين ذلك النحت الرقمي والطرق التقليدية اليدوية في النحت؟
- النحت الرقمي أداة قوية جداً، لأنني أعتقد أنها تمنح إمكانيات هائلة للفنانين، لاسيما أنها تسمح لهم للتصور بطريقة ثلاثية الأبعاد. تعلمتها بنفسي تماماً، لأنه عندما تخرجت لم تكن أدوات 3D متاحة، لذا مثل معظم الفنانين طوّرتُ مهاراتي في الرسم والتصور لالتقاط ودراسة النموذج والشكل. مهارات النحت ثلاثية الأبعاد تفتح العديد من الفرص الرائعة لتطوير الأفكار بسرعة، لذا أنصح الجميع بتجربته، في البداية لأجل المتعة على الأقل، لأن أفضل طريقة للتعلم هي اللعب.
لقد طورتُ المهارات اللازمة لاستخدام هذه التكنولوجيا عند العمل مع المهندسين المعماريين والمُرمِّمين في تجديد التفاصيل المعمارية العتيقة والثمينة للمباني التاريخية ويشمل ذلك استخدام الطائرات دون طيار لأجل المسح الأولي ثم إعادة بناء الصور الرقمية وأستخدم معرفتي بالنحت لنسخ تقنيات النحت المحتملة التي استخدمها النحاتون في العصور الوسطى. بعد ذلك أستطيع طباعة نماذج ثلاثية الأبعاد لمناقشتها مع خبراء التاريخ والمهندسين المعماريين قبل إنشاء المنحوتة الحجرية البديلة بنفسي أو حتى إنشاء النموذج عن طريق (التفريز) بماكينة التحكم الرقمي لأي مادة. أعتقد أنها مزيج رائع من استخدام أفضل ما في التكنولوجيا الحديثة لحماية وإعادة إنشاء أفضل الحرف اليدوية الجميلة والقديمة.
هل يمكن أن تصف مشاعرك أثناء نحت المنحوتة وبعد الانتهاء منها؟
- أثناء مرحلة التصميم، لدي العديد من الأفكار والرسائل التي أشعر بالحماس لتطويرها في القطعة النهائية، لذا أثناء عملية النحت، هناك حماس يقود ويدفع العملية لتمضي إلى الأمام حتى اكتمالها، لكن عندما تأتي النهاية، غالباً ما يتبع الشعور العظيم بالرضا، لحظة من الفراغ.. ما التالي؟!
كيف تصف تجربتك في (طويق للنحت)، إذ اجتمع فيه العديد من النحاتين المحليين والدوليين؟ وكيف تصف زيارتك للمملكة بصورة عامة؟
- كانت تجربة المشاركة في ذلك الحدث لا تقدر بثمن، عوملتُ من قبل الجميع بصفتي أحد أفراد العائلة الكبيرة، جعلتني أدرك الثقافة الرائعة التي تمتلكها المملكة العربية السعودية. بالإضافة إلى تجربة كل الإثارة والكرم الهائل لبلد جديد بثقافته وطريقة عيشه وطقسه وطعامه وسكنه حتى بقهوته السعودية. كان من المذهل أن أعمل وأتفاعل مع فنانين آخرين من بلدان مختلفة لديهم نفس الاهتمام المشترك. ذلك الأمر جلب لي الكثير من البهجة والمعرفة لرؤية كيف طور الفنانون ومساعدون آخرون، من خلفيات مختلفة، أعمالنا. بالإضافة إلى أن ثقافاتنا المختلفة منحت فرصة عظيمة، لكي نكون أقرب إلى بعضنا البعض. لقد تعلمت الكثير من وجودي في السعودية سواء فيما يتعلق بعمليات النحت المختلفة أو تجارب حياتنا المتنوعة، وكل ذلك بسبب الفن.
أثناء قضاء وقتي بالمملكة، وهو مكان لا يشبه أي مكان رأيته أو ذهبت إليه من قبل، تعلمتُ العديد من الأشياء الإيجابية الأخرى التي ستبقى في ذاكرتي وتجعلني أبتسم دائماً.
هل هناك أفلام أو كتب معينة تنصح بها للنحاتين؟
- أستمع غالباً إلى الكتب الصوتية عندما أعمل. الآن خطر لي كتاب، أنصح به كل الفنانين وليس النحاتين فحسب، كتاب (فن التفكير الإبداعي)/ (The Art of Creative Thinking) لرود جود كينز.
كيف تصف العلاقة بينك وبين المتاحف حول العالم، لاسيما في منح الفرص لإبراز أعمالك؟
- لدي صلاتي مع المتاحف المحلية، لكنني لم أتمكن بعد من تطوير صِلاتي مع المتاحف حول العالم.
على أية حال، هذا التجمع الفني فتح عيني لفرص أخرى، وآمل أن أكون جزءاً من (طويق للنحت) في العام القادم، سيكون قفزة في المستقبل. أحب أن أشارك مهاراتي مع الآخرين.
فيما يتعلق بعملك الفني (إمساكٌ بشدة)، ما الرسالة التي أردت إيصالها عبر ذلك العمل؟
- غالباً، في فني أحاول أن أروِّج للأفكار والرسائل التي تجعل الحجر يبدو سائلاً وليناً بمرونة. أريد أن يفكر المتلقي ويتساءل: ما الذي تقوله القطعة له؟ لا توجد إجابة صحيحة واحدة أبداً، أود أن أفكر بأنني أسعى إلى شكل يعكس استجابة عاطفية، في هذه الحالة كنتُ أجاهد ضد العقبات، لكي أُنجز.
من وجهة نظرك، ما أهم المنحوتات الأكثر أهمية في تاريخ النحت وتحبها ولا يمكن أن تمحى من ذاكرتك؟
- هناك الكثير، لكن ذهني يتذكر دائماً الأفكار الرائعة التي أبدعها أوغست رودان، قطعة واحدة ليدين، إنها منحوتة الكاتدرائية (The Cathedral) .
كيف تصف حالة الفن في أوروبا، لاسيما بولندا؟
- مع إعادة تطوير بولندا لاستقلالها وهويتها، احتفلت بصورة عظيمة بتاريخها وثقافتها وفنها، مما سمح لبولندا أن يُعترف بها بصفتها مركزاً فنياً في جميع أنحاء أوروبا.
هل عملك المعنون بـ(انصهار) يعكس ذهنك في لحظة ما؟ ما الذي ألهمك لإبداع ذلك العمل؟
- أعتقد أن هذا مثال على كيفية تطور عمل الفنان، لا توجد لحظة معينة، (انصهار) هو مثال على إبداع الحركة والانسيابية في الحجر، ومنحوتة (إمساك بشدة) كانت الخطوة التالية لتطوري، ثم تبع ذلك بسرعة إبداع قطعة (الوصول) في طويق للنحت. كل قطعة هي لحظة خاصة، أنا حالياً أطور أفكاراً للخطوة التالية.
بعد تجربتك بصفتك نحاتاً، ما الدروس التي تعلمتها من هذا المجال وتود مشاركتها؟
- لا تستسلم أبداً، أو كما قال تشرشل في مقولته الشهيرة: (النجاح هو أن تنتقل من فشل إلى فشل دون أن تفقد حماسك).
ما كلمتك الأخيرة؟
- شكراً جزيلاً على هذه التجربة الحياتية الرائعة.

 

ذو صلة