تختلف عاداتنا في طريقة النوم، البعض ينام دون إضاءة والمكان مظلم تماماً، والبعض لا ينام إلا على إضاءة خافتة بعض الشيء لشعوره بالاختناق عندما تطفأ الأنوار، والقليل منا لا ينام إلا وأحد يتحدث إليه كالأطفال، أو يترك لصوت الراديو أو التلفزيون القيام بالمهمة على أكمل وجه.
قطع الليل مسافات طويلة في الجري حتى مطلع الفجر، كنت خلالها توقفت عن الحكي حتى استسلم صاحبي للنوم تماماً، خفيفاً تركت فراشي، قلقاً لكوني لم أتعود النوم بعيداً، كان للمكان جلال وهيبة، فالمكان يخلو تماماً إلا وجودنا معاً، صوت أقدامي يصنع ضجيجاً، أكاد أسمع أنفاسي فيه، الكثير من الغرف هنا، البناء ليس حديثاً وكأنه تراث لبناء تعاقبت عليه سلالة من بشر لا يعلمون شيئاً عن عالمنا، لا بأس تابعت تجولي بخطوات بطيئة بدافع من الفضول لاكتشاف بعض تفاصيل هذا العالم، لا أكذب لو أني ذكرت أن الغرفة الواحدة تتسع لأكثر من خمسة أسرة، تستطيع الحركة بينهما في سهولة ويسر، دولاب كبير بهتت ألوانه بعض الشيء، تعلو نوافذه كثيراً عما هو متعارف عليه الآن، تتدلى من سقف الغرفة نجفة تستحوذ في استدارتها على مساحة كبيرة من السقف، وكأنها في بهو كنيسة قديمة، أعود برأسي للخلف قليلاً، متمتماً في صمت: لا توجد مقارنة بين هذا وذاك، فقط الشبه الوحيد أننا ننام خمسة أفراد في غرفة واحدة، نتقلب في فراشنا الضيق يميناً ويساراً وربما سقط أحدنا على الأرض نتيجة تدافعنا للنوم في أفضل حال، حاولت خلخلة الوقت بعمل كوب من الشاي، دلفت إلى الشرفة أرتدي معطفاً ثقيلاً، أفرك يديّ الواحدة في الأخرى لعل جسدي يتسرب إليه الدفء، ضوء النهار يخط بيديه بداية ليوم جديد مازال يحبو ولم يعتدل في خطواته بعد، متعة شرب الشاي في مكان متسع يطل على النيل، جالساً على كرسي باتساع رجل آخر بجوارك، متعة هي الحياة دون صخب، تمارس طقوس تأملاتك في حرية، تسافر بعيداً حيث متسع لأوطان لم يكبلها ضيق ويأس وحرمان، مازال ضوء النهار بعيداً، بعينين جاحظتين لا تريان سوى العربات الفارهة والعمارات التي لا تخلو من بريق يجعلك تتأكد من كونك غريباً عن هذا المكان.
لم يعد جسدي يتحمل برودة الجو، لا بأس بقسط من الراحة فقد تخدّلت عيناي وغالبها النعاس، يااااه للمفاجأة، لا يوجد أحد هنا، بدا المكان موحشاً، أحاول أن أعبث بأي شيء يصنع ضجيجاً، أدرت مفتاح الراديو، عادت جفوني تتقهقر حيث مكانها بين أنات هزائمي، لا مكان للنوم هنا، تغير لا كل شيء وكأني للتو أفتح عيني، متمتماً بصوت مرتجف: زحام في فراش ونوم هادئ، استيقاظك وأنت تعانق شقاً في جدار غرفتك، ضيق المكان، لا يجعل للوحدة أن تتسلل إليك، فالحياة يصنعها الضجيج، ولا وطن بغير بشر مهما اتسعت حدوده.