مجلة شهرية - العدد (581)  | فبراير 2025 م- شعبان 1446 هـ

نحن النساء أسيرات

على الرغم من مرور عشرة أعوام لي في هذا المطبخ، إلا أنني لم أنجح يوماً في ضبط كمية الملح في الطعام، أكل وسام وعمر الطعام بعد جهد كبير، خوفاً على مشاعري، أما هو فقد كان الغضب واضحاً على وجهه، أحضرت الملح أحاول إصلاح ما فسد من عشاء هذه الليلة، لكن ثمة إصلاحات متأخرة لا تجدي نفعاً، بل تزيد الأمر سوءاً. لو كنت أعلم أنه مر بيوم عصيب لصمت، لكنني كنت أتحدث كثيراً، لعلني بكلمات لطيفة أضيف شيئاً على أجواء هذا المساء الذي لا طعم له، كقنبلة قديمة انفجرت في وجهي، أخبرت الأولاد أن يذهبوا إلى غرفهم، لكنه أصر على بقائهم، أصر على توبيخي أمامهم، أسيرات نحن النساء، وماذا يمكن أن يسمى ما نعيشه كل يوم في بيوتنا سوى الأسر!
وحدهن اللواتي تمردن على الرجال من استطعن العيش بسعادة، لكنني لم أرغب يوماً أن أتمرد، أو أن أخرج عن عاداتي أو تقاليدي وتعليمات ديني، لا أدري كيف أنني وسط هذا الضرب المبرح، لم أر سوى عيون وسام ترمقني بدموع غزيرة وبعجز طفولي مقيت، ابتسمت له محاولة إخباره أنني بخير كي لا يحزن.
أهذا كل ما اكترثت أن أجلبه معي قبل أن أطرد من بيتي هذا المساء؟
لماذا لم ألتقط هاتفي أو محفظتي، أشياء قد تساعدني في هذا المأزق، لماذا لم ألتقط إلا الحجاب؟
ومن من الرجال سيكترث الآن لامرأة ثلاثينية مهشمة مطرودة على أعتاب بيتها في منتصف الليل؟
لا بد أن الله هو الذي وضعه في يدي قبل أن أخرج، الله يكترث لحجابي، الله كان يمسك يدي دائماً، حتى عندما كنت أعتب عليه وأخبره أني لا أفهم تدابيره ولا أستطيع استيعاب كل هذا السخط.
ماذا أفعل الآن وأين أذهب؟
اختبأت في الفناء الخلفي على أمل أن لا يلاحظني أحد من الجيران، وجدتني أمام نافذتهم، عندما رآني وسام قفز وفتح لي النافذة.
أمي هل أنت بخير؟
أجل بخير، ما رأيكما أن أحكي لكما قصة؟
قفز عمر بكل طفولة الكون، لا أريد قصة، أريد طفلة عيد ميلاد.
ومن خلف زجاج هذا الكون رسمت في الهواء قالباً من الحلوى وأشعلت له تحت المطر ست شمعات، وغنيت له أغنية عيد الميلاد، وأعطيته طبقاً مليئاً بالكعك، وحده وسام من كان يبكي أثناء غنائي لعمر.
في الصباح أخبرني الطبيب أن جسدي لم يتحمل كل ذلك البرد، لكنه وبأعجوبة استطاع أن يحتفظ بالجنين، غريبات نحن النساء، كيف أننا في غمرة الحرب والعنف نستطيع أن نحتوي في أرحامنا أجنة، نستطيع أن نبني في أعماقنا أوطاناً ننتمي إليها، كان ذلك الجنين هو الوطن الذي أعادني إلى بيتي وضمن لي معاملة جيدة حفاظاً عليه وعلى سلامته فقط لا غير، أهداني هذا الجنين هدنة مدتها تسعة شهور، كانت تلك هدية الله لي.

ذو صلة