مجلة شهرية - العدد (581)  | فبراير 2025 م- شعبان 1446 هـ

المجلة العربية.. نصف قرن من الركض الثقافي

إضاءة: القارئ المتابع لأي منبر إعلامي يعد جزءاً منه، فكيف بمن التصق به سنين عديدة وهو قارئ ومتابع، بل هو من المشاركين فيه في بعض الأحايين.
الموضوع:
ولدت المجلة العربية شابة فتية وذلك على الرغم من صعوبة المخاض ومشقة الطريق، إذ صاحبت ولادتها وفاة ملك (الملك فيصل)، وانتقال (مقر) من بيروت إلى الرياض؛ ففي (الوفاة) حزن شديد، وفي الانتقال تعب ورحيل، غير أنها قد تغلبت على هذه الأمور العصيبة لأن وراءها وزير مثقف، وفي ذهنيتها هدف محدّد يتمثل في: إنارة العقول وفتح الآفاق وتوسيع المدارك ونشر الثقافة، ولذلك فإن العمر لديها مجرد رقم، وليس محطة لتسجيل الخبرات والتزود بالقدرات أو كما قال د. عبدالله المسند.
إنه لولا دقة الهدف، والسير على منهج واضح، ورؤية تستوعب الإنجازات العلمية والفكرية وثقافة الشعوب لما استمرت شابة فتية، تسير بخطى ثابتة، دون انقطاع، بل تواصل مستمر، فلم تشخ ولم تكبر، ولم تبتعد عن استيعاب كل جديد، واحتوائه، مع عدم نسيان الأصول والثوابت التي تزيد من قوة الأساس.
إن ميدان الثقافة عند (المجلة العربية) ممتدّ
لاحَدَّ له فيعتدّ..
الركض فيه أمنية،
ذاك حال هذه المجلة..
إنها ومنذ بدايتها تحاول أن تكون ميداناً فسيحاً لألوان الثقافة، وذلك من خلال احتوائها على عديد من الموضوعات المتعددة والمتلونة والسعي لتلبية رغبات القرّاء في أماكن شتى وهم يعيشون ظروفاً مختلفة بين سياسية واجتماعية واقتصادية. غير أنها ومع ازدياد ركضها وامتداد زمنها، أدركت أنها تعيش بين زمانين:
الأول: وقد تعدَّته بخطى ثابتة، وهو ما يمكن أن نطلق عليه زمن القراءة، وهو زمن كانت (المنائر الإعلامية) في الوطن العربي محدودة جداً، فكان الإقبال عليها جيداً، إذ كان القارئ يتلقفها بشوق نظراً لتنوع موادها واستجابتها لرغبات قرائها، فراعت أو حاولت أن تراعي كل الأذواق، فكان التنوع والحالة هذه مطلباً مهماً لكي تزداد مكانة وقرباً من متابعيها.
الثاني: زمن وسائل التواصل الحديثة وهو الزمن الحالي، وهو زمن امتداد الثقافة، ولعل أقل ما يقال عن هذا الزمن (الانفجار المعرفي) وفي هذا الزمن نجد أن (الثقافة الجادة) قد تحوّل عنها قطاع كبير من القراء خصوصاً الشباب، إذ أشغلوا أنفسهم بما أتاح الإنترنت والوسائل المصاحبة له من تواصل سريع مع العالم، والتي منحتهم الحرية المطلقة بلا حسيب ولا رقيب. وهنا قل القراء، وبالتالي، فقد فكّرت المجلة وبصورة جادة في العقول الناضجة، التي لها مساس بمجريات الحياة الاجتماعية، والثقافية فاتجهت إلى فتح أبواب أخرى من أبواب المعرفة مثل:
1 - فتح الملفات الثقافية، بحيث يحتوي كل عدد من الأعداد الأخيرة في السنوات الأخيرة قضية من القضايا المهمة يناقشها عديد من الكتاب في الوطن العربي، تحت عنوان (ملف العربية).
2 - إدراكها لأهمية الكتاب وقيمته المعرفية، ولهذا فقد أصدرت العديد من الكتب المتعددة والمتلونة بين تأليف وترجمة وتعريب، فأصبحت من دور النشر المعروفة في الوطن العربي، وكل ذلك خدمة للثقافة وللمثقف العربي.
إنها بهذا العمل قد قاومت عوامل الصدود التي سببتها وسائل وأدوات الاتصال الحديثة من: (إنترنت ومواقع ومصادر معرفية كقوقل)، مدركة أن هناك في المقابل من يحترم ثقافة الأوراق التي تظهر في الكتب والمجلات والصحف، وبذلك أوجدت لها مكاناً في عالم أقل ما يقال عنه (العالم الرقمي).
إن المتتبع لانطلاقة المجلة ومن ثم وصولها إلى هذا العدد (580) سيجد فروقاً واضحة بين الأعداد الأُوَل والأخيرة في المحتوى، فالأُول تهتم بالتنوع، والأخيرة قد اتجهت للتثقيف أمام سيل عارم من ألوان التواصل الحالية. الأولى تحتوي على مضامين ومعان ذات مقصدية، تجعل القارئ يعايشه بوعيه، مع وجود مواد تخرج عن هذا الإطار مثل التقارير والأخبار وبعض الزوايا خصوصاً الثابت منها، والثانية نجدها في مضامينها تلبي رغبات خاصة لدى القراء الخاصين، الذين أقل ما يقال عنهم: إنهم الذين مضوا على نهج الثقافة الرزينة الهادئة التي تكتب وتطبع وتقرأ، فكأنها وفي هذه الحال تتفق مع ما قاله نجيب محفوظ: من دون القلم لا تلد الأفكار.
إن المجلة في أعدادها الأخيرة قد جعلت محتواها يمضي وفاق مظهرين:
مظهر فكري علمي، وهذا ما يظهر في الملفات وفي بعض المقالات، من مثل:
- أجيال الثقافة ع 528.
- الحروب المخملية ع 506.
- النخب- دلالات متغيرة ع 504.
- الاستثمار الثقافي الغربي ع 507.
- الترجمة.. والثقافة الغائبة 451.
- الإبداع الأسير (الاستثمار والمضاربة في اللوحات التشكيلية) ع 394.
- اختلافات المثقفين (خطوط متوازية لا تلتقي) ع 395.
- برامج الرأي العربية- النشأة والتحولات ع 397.
- يوميات رقمية ع 543.
- المتاحف العربية - مستودعات آثار ومفهوم غائب ع 387.
- ثنائي الثقافة والحياة ع 513.
- النجم الثقافي - صناعة أم قدرات ع 553.
- رواة العصر الرقمي ع 548.
- الثقافة.. القطاع الثالث ع 540.
- ذهب الثقافة: الاستثمار الثقافي العربي ع 507.
ومظهر فني، ويتبدى ذلك من خلال اختيار الموضوعات وطرحها بأسلوب يتماشى مع الذوق العام والخاص، والمناسب لكل مناسبة تطرح، على أن هذا المظهر يتفق مع المظهر الأول، فهو ركن أساس من أركان الثقافة، قال الدكتور وهب رومية: (إن للثقافة ثلاثة مظاهر: مظهر فكري، ومظهر علمي، ومظهر فني)، وهذا القول يمضي مع ما قاله روبيرا سكاريت وأن الأدب يشمل المواد الأكثر اختلافاً، وأقلها صفة أدبية.
إن مادة المجلة في مضامينها ومعانيها وبخاصة الملفات التي ذكرنا بعض عنواناتها السابقة نجدها تدور حول محورين:
- محور الواقع.. والمتوقع.
- محور التاريخ والتدوين.
ففي الأول أثبتت أنها غير بعيدة عن واقع المجتمع العربي وما يعيشه ويعايشه في ظل التغيرات الحاضرة، وأن العالم أصبح أشبه بقرية واحدة، فقد تقاربت المسافات، في ظل ما يسمى بالعولمة التي تدندن في مسامع كل مثقف.
وفي الثاني سعت لتدوين التاريخ الحقيقي للأفراد وللفكر، وللواقع وللحياة، لتظهر الشمولية في الثقافة عبر صفحاتها المتعددة والمتلونة.
لقد نظرت وأنا أكتب هذه الوريقات في:
1 - كتاب: (المجلة العربية - العطاء المتواصل في صفحاته المختلفة) وقد أصدرته المجلة عام 2023.
2 - مجلة العربي الكويتية العدد 720 نوفمبر 2018م، ص 100 مقال بقلم عصمت معتصم بانقا.
3 - مقالة للكاتب بعنوان: حينما نبش في الذاكرة ع 500 من المجلة العربية رمضان 1439هـ.

ذو صلة