مجلة شهرية - العدد (582)  | مارس 2025 م- رمضان 1446 هـ

علماء جبل شمر بين القرنين 13 و14 الهجريين

 

عرف في مدينة حائل في القرن الثالث عشر الهجري وما قبله جماعة من العلماء الأجلة، سواء أكانوا من أهلها المتقدمين أم ممن استقر فيها من علماء نجد، وأصبح معدوداً في أهلها. وأسس هؤلاء العلماء حياة علمية بلغت أوج ازدهارها في أواسط النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري.
ومن أشهر هؤلاء العلماء وأرفعهم قدراً: الشيخ محمد العلي الخطيب، والشيخ عبدالله بن صالح بن خزام، والشيخ محمد بن إبراهيم بن سيف، والشيخ محمد بن سعد، والشيخ محمد بن راشد الغنيمي.


شيخ القضاة
لكن أسيرهم ذكراً عند من جاء بعدهم من العلماء، وأعظمهم أثراً فيهم؛ الشيخ الجليل عوض بن محمد بن عوض الحجي الذي تتلمذ عليه جماعة من علماء حائل الكبار، ممن تولوا القضاء فيها، كالشيخ صالح السالم البنيان، والشيخ عثمان بن عبدالكريم العبيداء، والشيخ عبدالله بن مرعي، والشيخ عبدالله بن خلف الخلف.
واستمر أثر الشيخ عوض على العلم والعلماء بحائل إلى ما بعد وفاته، فقد أوقفت زوجته الصالحة قوت بنت عليان العليان وابنتاه البارتان رقية وشماء العوض مكتبته القيمة، بما تحويه من نفائس المخطوطات ونوادر الكتب المطبوعة، أوقفنها على طلبة العلم بحائل، وبقي هذا العلم ينتفع به إلى يومنا هذا.


نهضة علمية
وفي أوائل القرن الرابع عشر بدأت في حائل نهضة علمية، وكثر العلم وطالبه، وصارت حائل تزخر بالعلماء العاملين كالشيخ صالح السالم البنيان، والشيخ عبدالعزيز بن صالح المرشدي، والشيخ يعقوب بن محمد بن سعد، والشيخ عثمان بن عبدالكريم العبيداء، والشيخ عبدالله بن مرعي المحمد، والشيخ عبدالله بن خلف الخلف، والشيخ سالم بن محمد الحجي، والشيخ عطية بن سليمان المزيني، والشيخ جارالله الحماد الجبارة، والشيخ حمد بن محمد أبو عرف الخطيب، والشيخ عيسى بن حمود المهوس.. وغيرهم.
وكان في حائل خلال تلك الفترة عدة مدارس لتعليم القرآن الكريم تعليماً أولياً، بطريقة الكتاتيب القديمة، يقوم بالتدريس فيها جماعة من المشايخ كالشيخ مبارك بن عواد والشيخ عبدالعزيز بن صالح النزهة والشيخ شكر بن حسين الثويني والشيخ علي بن محمد الشامي والشيخ عمر بن عبدالقادر الخطيب.
وللبنات كتاتيب خاصة بهن، انتفع بها كثير من نساء حائل في ذلك العهد، ويقوم بالتدريس فيها جماعة من الحافظات لكتاب الله من أشهرهن: هيلة الخطيبة، وابنتها نورة، وهياء الصالح الشاعر، وفاطمة الناصر الدرسوني. أما كبار طلبة العلم وخواصهم فكانوا يتلقون العلم على يدي كبار مشايخ حائل، وأساطين العلم بها، في مدارس خاصة وفي حلق الذكر، وكانت دراستهم في العقيدة والفقه والحديث والتفسير والفرائض واللغة.. وغير ذلك من العلوم الشرعية واللغوية.
ومن مظاهر تلك النهضة العلمية انتشار المكتبات الخاصة في حائل، ومن أشهرها وأثراها: مكتبة العبيد الرشيد، ومكتبة المشايخ اليعقوب، ومكتبة الشيخ عوض الحجي، ومكتبة العطية، ومكتبة الشيخ عيسى المهوس، ومكتبة الشيخ صالح السالم، ومكتبة الشيخ حمود الحسين.
ولعل مما ساعد على قيام تلك النهضة: اهتمام أمراء حائل في ذلك العهد بنشر العلم، وتقديرهم العلماء ورعايتهم، وعنايتهم الواضحة بوقف الكتب عليهم. وفي مكتبات حائل الخاصة اليوم كتب كثيرة أوقفها جماعة من أمراء وأميرات البيت الرشيدي على طلبة العلم بحائل، ومن أبرز من كانت له عناية خاصة بذلك منهم: الأمير عبيد بن رشيد، والأمير محمد العبدالله الرشيد، والأمير حمود العبيد الرشيد، والأمير ضاري الفهيد الرشيد، والأمير طلال النايف الرشيد، والأميرة رقية المتعب الرشيد وغيرهم.
وحين استقر الشيخ عبدالله بن عبداللطيف بحائل، في عهد الأمير محمد بن رشيد، أقبل إليه طلبة العلم من حائل ومن غيرها، وخالطوه عن قرب، ونهلوا من علمه، وكان لذلك أثر كبير في حياة أولئك الطلبة العلمية، وفي صلتهم بالحياة السياسية في حائل في ذلك الزمن، مما ليس المقام مقام التبسط في الحديث عنه.
ومن أبرز أولئك العلماء: الشيخان صالح السالم البنيان، وحمود الحسين الشغدلي، اللذان إذا ذكر علماء حائل يأتيان في مقدمة من يذكر. وأثر هذين العلمين على الحياة العلمية في حائل، وعلى طلبة العلم فيها، منذ أوائل القرن الرابع عشر إلى نهايته؛ أشهر من أن ينبه عليه. ولذلك يحسن في هذه العجالة الإلمام بشيء من أحوال هذين العالمين الجليلين اللذين اقتبس من أنوارهما، واغترف من بحارهما، جم غفير من علماء حائل، ومن غيرهم. ولنبدأ أولاً بذكر طرف من أخبار الشيخ صالح السالم البنيان، ونثني بما يتيسر من أخبار تلميذه الشيخ حمود الحسين الشغدلي.


الشيخ صالح السالم
ولد الشيخ صالح بن سالم بن محسن بن بنيان بحائل سنة 1275 هـ. وتوفي والده وهو صغير، فكفله أعمامه، وكانوا من بيت علم وفضل ودين، وأمه شقراء بنت الشيخ عبدالله بن صالح بن خزام قاضي جبل شمر في زمن الأمير عبدالله بن رشيد، فنشأ بينهم نشأة صالحة، وأخذ العلم عن الشيخ عوض الحجي والشيخ عبدالعزيز المرشدي.. وغيرهما.
لكن الأثر الأكبر في حياته العلمية وما يتعلق بها كان لشيخه الشيخ عبدالله بن عبداللطيف الذي استقر في حائل في عهد الأمير محمد بن رشيد كما تقدم.
وقد تتلمذ على الشيخ صالح جماعة من أهل العلم منهم من قبيل التمثيل لا الحصر: الشيخ حمود الحسين، والشيخ عبدالرحمن بن سليمان الملق، والشيخ علي بن عبدالعزيز الأحمد العباس، والأمير الزاهد طلال النايف الرشيد، والشيخ الحميدي بن عبدالعزيز الرديعان، والشيخ محمد بن حميد الصريري، والشيخ سالم الصالح السالم.. وغيرهم.
ووقع بينه وبين بعض معاصريه من حكام حائل وعلمائها جفاء بسبب مواقفه السياسية، كان من أثره أن نقل إلى تيماء، ومعه بعض أعيان طلبته، فاستقر بها، وانتفع بعلمه جماعة من أهلها، ثم رجع إلى حائل بعد نحو سبع سنوات، وتولى القضاء بها، حتى أدركه أجله في اليوم الثامن عشر من صفر سنة 1330 هـ.
والمتمعن في سيرة الشيخ صالح يتبين له بما لا يقبل الشك ما كان يتصف به من قوة وعزيمة وثبات في مواقفه، وحماسة شديدة للدعوة الإصلاحية في نجد، ومحبة عميقة لأئمتها، واقتداء بطريقتهم الخاصة في الدعوة. يقول الشيخ علي الهندي في ترجمته في (زهر الخمائل) ما نصه: حدثني من رآه فقال: كأنك إذا رأيته ترى بعض التابعين كالحسن وسفيان، في زهده وعبادته وعيشه وتواضعه ولباسه وحركاته. انتهى.


الشيخ حمود الحسين
أما الشيخ حمود بن حسين بن محسن الشغدلي فولد بحائل سنة 1295 هـ. وأخذ العلم عن الشيخ صالح السالم والشيخ عثمان العبيداء.. وغيرهما. ثم رحل إلى الرياض وأخذ في النحو عن الشيخ حمد بن فارس، وفي التوحيد والعقائد والفقه عن الشيخ عبدالله بن عبداللطيف. وقرأ بها أيضاً على الشيخ سعد بن حمد بن عتيق. ثم حج وقرأ بمكة على علماء المسجد الحرام، ومنهم الشيخ شعيب الدكالي المغربي والشيخ أبو بكر خوقير.
كان ينوب في القضاء بحائل عن الشيخ عبدالله بن بليهد، ثم تولى القضاء نحو سنة 1360 هـ، واستمر في ذلك إلى سنة 1378 هـ. وأخذ العلم عنه جماعة منهم: الشيخ علي الصالح السالم، والشيخ محمد بن خلف الخلف، والشيخ عبدالعزيز بن محمد العريفي، والشيخ عبدالرحمن بن محمد الشعلان، والشيخ علي بن محمد الهندي.. وغيرهم. كانت وفاته بحائل في اليوم الثامن من ذي الحجة سنة 1390 هـ.
ومن قرأ سيرة الشيخ حمود الحسين يتضح له ما كان عليه من كرم خلق ونزاهة ولين جانب وتواضع، مع هيبة وقوة في الحق. وكان من أدركت من كبار السن، ممن خالطوا الشيخ وعرفوه، يتعجبون من سماحته وطيب نفسه، وميله إلى الرفق والدعوة بالتي هي أحسن، وبعده عن الفظاظة والغلظة، وحرصه على درء الحدود بالشبهات، ويروون في ذلك قصصاً كثيرة لا تزال تتعطر بها مجالس حائل.

 

ذو صلة