مجلة شهرية - العدد (581)  | فبراير 2025 م- شعبان 1446 هـ

تقنية بلوكتشين في خدمة المحتوى العربي

تعد تقنية بلوكتشين واحدة من أكثر التقنيات الناشئة المختلفة والتي كان لابتكارها أثر رائع في خدمة البيانات والمحتوى، وهي من أهم التقنيات الناشئة تأثيراً في عصرنا الحالي، حيث أثبتت كفاءتها في مجالات متعددة، تلامس حياتنا في مناحيها كافة سواء الاجتماعية أو الصحية أو العلمية أو التعليمية، فأصبحت ذات أثر إيجابي في تمكين الخدمات الرقمية للقطاع المالي وقطاع الصحة، والطاقة، والتعليم، وغيرها. ومع تزايد الاهتمام بالمحتوى العربي على الإنترنت، صار لزاماً البدء بشكل جاد في إتاحة الفرصة لتقنية بلوكتشين أن تحدث تحولاً جذرياً في كيفية إنتاج المحتوى، وتوزيعه، وإتاحة تراسل واستقبال البيانات والمعلومات بموثوقية وبشفافية وعلى مستويات أمان وتشفير عالية للغاية لكي نحقق القيمة المضافة المتوقعة من هذا المحتوى.
ولسائل أن يسأل عن ماهية تقنية بلوكتشين؟ وتأتي الإجابة لتوضح أن تقنية (بلوكتشين) أو ما يعرف بسلاسل الكتل عبارة عن مجموعة سجلات تشبه (دفتر أستاذ) (Ledger) الذي يستخدم في المحاسبة اليدوية، وفيها يتم تسجيل كافة العمليات، وتتميز هذه التقنية بعدم قابلية المعاملات فيها للتغيير بعد اعتمادها، ولا يمكن التراجع عنها، وتتميز بالموثوقية والشفافية وبدرجة أمان عالية.
وعلى هذا فهي عبارة عن سجل رقمي موزع (دفتر أستاذ) يتم فيه تخزين المعلومات بشكل موزع وآمن. تعمل هذه التقنية على تقسيم البيانات إلى (كتل) مستقلة وغير قابلة للتغيير أو التزوير، وترتبط ببعضها البعض بسلسلة شديدة الصرامة تمنع أي انتهاك أو تغيير في محتواها. هذا النظام يضمن الشفافية والأمان، ما يجعله حلاً مثالياً لمكافحة القرصنة والتلاعب بالمعلومات، وهذا هو مصدر الاهتمام بتقنية بلوكتشين والمعول على تأثيرها الإيجابي في خدمة المحتوى العربي على الإنترنت، الذي يواجه العديد من التحديات، لعل من أكثرها موضوع الاختراقات وقرصنة البيانات وتزوير أو سرقة المحتوى، كما أن المحتوى على شبكة الإنترنت لا يزال بحاجة لرؤية منضبطة واضحة تنظم عملية إدارة المحتوى والاستفادة منه ومدى السماح بتحقيق الربح منه وبناء نظام شامل لتوزيع الأرباح للمبدعين. وهنا تلوح في الأفق فرصة الحلول الواحدة المبنية على تقنية بلوكتشين لحل هذه المشكلات، حيث يمكن أن تضمن حقوق المؤلفين والمبدعين من خلال نظام موثق وشفاف.
توزيع المحتوى وتحقيق العوائد
يمكن لمنصات المحتوى العربي باعتبار اللغة العربية لغة اتصال، الاستفادة من تقنية بلوكتشين لتطوير طرق جديدة لتوزيع ومشاركة المحتوى، بحيث يتمكن المستخدمون من الحصول على حق الاستفادة من المحتوى مجاناً، أو بمقابل وفق ما يتم الاتفاق عليه، وفي كل الأحوال لا يمكن إنكار حقوق الملكية الفكرية، بل تبقى موثقة حتى ولو انتقلت إلى مالك جديد، بعد إبرام العقود الذكية (Smart Contracts) التي ستقوم بتنظيم وتوزيع ملكية الحقوق بمقابل أو مجاناً، ويتم ذلك بشكل آلي بعد الحصول على المحتوى، كما أن هذا التطور الذي تحققه تقنية بلوكتشين يعزز من قيمة الملكية الفكرية، ويحافظ عليها، حيث صارت تقنية البلوكتشين ضماناً ممتازاً لحماية حقوق الملكية الفكرية، عندما يقوم أصحاب حقوق الملكية الفكرية المبدعين والناشرين بتسجيل أعمالهم بشكل موثق في السجلات على بلوكتشين، مما يسهل إثبات ملكيتهم لمحتواهم. هذا يمكن أن يحد من حالات التعدي على حقوق الملكية ويساهم في تعزيز الثقافة الإبداعية للمحتوى العربي.
ولعل هذه التقنية التي لا تزال ناشئة تعاني من بعض التحديات التي تواجه تطبيقها، فعلى الرغم من الفوائد العديدة التي يمكن أن تقدمها تقنية البلوكتشين، إلا أن هناك بعض التحديات. من بينها عدم الوعي بالقدر الكافي لدى المستخدم العربي بماهية تقنية بلوكتشين والعائد من استخدامها، وإضافة إلى الحاجة إلى تأسيس بنية تحتية رقمية قوية لدعم تطبيقاتها تتمثل في سرعات عالية لشبكة الإنترنت، وتوفر كادراً بشرياً متخصصاً ومدرباً، وسن أنظمة وتشريعات تمكن هذه التقنية، وتهيئة التعاون عبر جهود مشتركة بين الحكومات والشركات الخاصة لتعزيز استخدام هذه التقنية في مجالات المحتوى.
وفي المحصلة، يمكن لتقنية بلوكتشين أن تلعب دوراً حاسماً في تطوير المحتوى العربي من خلال تحسين طرق توزيع المحتوى، وضمان حقوق الملكية الفكرية، وتعزيز تجربة المستخدم. فهذه التقنية ليست مجرد ظاهرة تقنية عابرة، بل هي فرصة ذهبية يمكن أن تسهم في تعزيز المحتوى العربي وتوسيع دائرة انتشاره، وجعله أكثر استدامة ونجاحاً في العالم الرقمي.

ذو صلة