مجلة شهرية - العدد (581)  | فبراير 2025 م- شعبان 1446 هـ

البصمات

البصمة هي الأثر الذي يتركه الإنسان على الأشياء والموجودات، وهي بالتالي تستخدم في كشف الجرائم والطب الجنائي، خصوصاً عندما تستعصي الوسائل والطرق التقليدية في كشف هوية الجناة في جريمة ما.
يشير بعض العلماء إلى أن البصمات كانت تستخدم قديماً للتمييز بين الأفراد، وأن القدماء في اليونان استخدموا البصمة كعلامة مميزة للإنسان في القرن الثامن قبل الميلاد.
وقد ورد وصف البصمات لدى بعض علماء التاريخ مثل العالم الإيطالي مارسيليس ملبيجي (1628 - 1694) حيث وصف أشكال الأصابع وما تحمله من بصمات، كما أعلن العالم الألماني ماير أن ترتيب الخطوط البارزة في الكفين والقدمين لا يمكن أن تتطابق عند شخصين مختلفين، وأعلن بعد ذلك عام 1856م أن الخطوط العلمية (البارزة في بنان الأصابع) تبقى ثابتة لا تتغير ولا تتبدل منذ ولادة الشخص حتى وفاته.
وأول من ابتدع وضع البصمة على الأوراق باستخدام حبر المطابع هو الطبيب الإنجليزي هنري فولدز عام 1877 وهو الذي قضى عدة أعوام في اليابان يعمل في مستشفى (تشوكيجيشي) في طوكيو. ورغم أنه معاصر لـ(هرشل) فقد عمل معه مستقلاً عنه دون أن يدرك ما توصل إليه معاصره في هذا العلم، وقد لاحظ هنري اللوحات البصمية التاريخية أن فيها ما يدقق من النظر والتأمل لإضفاء نظريته، ثم كان اقتراحه التاريخي الذي يقول فيه بإمكانية التعرف على المجرمين من آثار بصماتهم المتروكة على مسرح الجريمة، وهذا ما ورد في رسالة سنة 1880 بإمكان العامل في هذا الحقل معرفة صاحب الانطباعات، إذا ما وجدت هذه على الصلصال أو على الزجاج وقال: اختبرتها بنفسي عندما أتى صديق وقدمت له شراب الشاي بكوب زجاجي فوجدت بصمته ظاهرة بشكل واضح وقد قمت بفحصها بالمجهر، وقد قام الدكتور هنري بتأليف كتيب في علم البصمات حيث اقترح أخذ انطباعات الأصابع العشرة: اقتراح لم يخطر على بال (هرشل) من قبل.
وفي الأرجنتين قام (جوان فيوشيش)، وهو عالم جنائي معروف ببحوث عادية ومجدية في هذا الحقل قبل عام 1900 ولا تزال الطرق التي بسطها في بحوثه هذه تطبق في معظم البلدان اللاتينية، وقد كان يملك حينذاك أكبر مجموعة من البطاقات البصمية في العالم.
تعد البصمات حالياً من الأدلة الدامغة والمبرمة في الإثبات أمام المراجع القضائية وجميع الجهات والمؤسسات. وأخذت المحاكم في أغلب دول العالم بهذا العلم منذ عام 1912 معتمدة على حقيقة ما يلي: ‏
- منذ عام 1823 وحتى الآن الذي أصدر العالم (بركبفي) كتابه عن البصمات لم يتم العثور على بصمتين متطابقتين لشخصين مختلفين. ‏
- أن علماء البصمات أثبتوا بالطرق العلمية الموضوعية أنه يوجد استحالة تطابق بصمتين لشخصين مختلفين ولأصبعين مختلفين لشخص واحد.
ويتم الانتفاع من البصمات لتحقيق عدة أهداف ومنها: ‏
- منع وقوع طائفة من الجرائم كجرائم الغش والتزوير في الجهات الحكومية والتجارية والمدنية. ‏
- ضبط المحكومين غيابياً والفارين من السجون. ‏
- ضبط المجرمين، فغالباً ما يترك المجرم في مكان الحادثة أثراً لأصابعه. ‏
أما بالنسبة للمحافظة على البصمات: فلابد من الانتباه جيداً في مكان حدوث الجريمة ولاسيما عند لمس الأشياء التي يكون من المحتمل ترك بصمات عليها، ويجب هنا عملياً الابتعاد عن كل المؤثرات التي قد تعرضها للتلف وذلك حتى يتم إحضار الخبير المختص برفعها. وفي حال عدم حضور الخبير وكانت هناك أشياء موجودة عليها البصمات، فيمكن إرسالها في هذه الحالة إلى الجهة المختصة وذلك بإيداعها داخل أجهزة مصنوعة بشكل خاص لهذا الغرض. ‏
أنواع البصمات
-1 بصمات الأصابع: وهي خطوط حلمية بارزة تحيط خطوطاً أخرى منخفضة على جلد أطراف الأصابع والكفين والقدمين من الداخل، وعند ملامسة الأشياء والأجسام تترك الخطوط الحلمية البارزة ما يسمى بطبعات البصمات أو الأثر. وتتكون البصمة والجنين في رحم أمه في الشهر الرابع من عمره وتبقى إلى أن يموت الإنسان، وقد ثبت علمياً عدم تأثر بصمات الأصابع بعوامل الوراثة حتى في حالات التوائم التي تنتمي لبويضة واحدة، وتبين أن هذه الخطوط خاصة بكل فرد ولا تطابق خطوط أي فرد آخر على الإطلاق.
بصمات الأذن: الأذن أيضاً لها بصمة لا تتغير بمرور العمر، وتمثل بصمة الأذن أسلوباً فريداً في مجال التحقيق لشخصية الفرد، وهي تأتي في المرتبة الثانية بعد بصمة الأصابع كوسيلة للتعرف على شخصية الفرد، وهناك بعض الأماكن يمكن الاستدلال من خلالها على أثر بصمات الأذن ومنها:
- أماكن الاستكشاف، حيث يلجأ المجرم للتنصت على الأبواب المراد سرقتها وبالتالي تترك الأذن بصمتها.
- الخزائن ذات الأرقام السرية لوضع أذنه على باب الخزنة أثناء فتحها وبالتالي تترك الأذن بصمتها على باب الخزنة.
- المداخل الضيقة حيث يسلك الجاني مداخل وفتحات ضيقة تجبره على أن يلتصق بإذنه للحائط وبالتالي تترك الأذن بصمتها.
الجدير بالذكر أن كلاً من أمريكا، ألمانيا، وبلجيكا تستخدم هذه البصمات للكشف في التحقيق الجنائي.
-2 بصمة الصوت، بالاعتماد على نبرات الصوت وذلك باستخدام جهاز يعرف بـ(الإسبكتروكراف) بتحويل الصوت إلى ذبذبات مرئية.
-3 بصمات العرق: كان القرآن الكريم سباقاً للكشف عن هذه البصمة عندما تمت الإشارة إليها عبر قوله تعالى: (اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيراً وأتوني بأهلكم أجمعين). (سورة يوسف الآية 93) فقد عرف الأب بإلهام من الله ابنه من رائحة عرقه على القميص، علماً أن العلم الحديث قد كشف هذه البصمة عبر مكونات العرق الذي يلعب دوراً بارزاً في طبع أثر البصمة وبخاصة في حالة ارتكاب الجرائم على الجسد البشري أو الملابس، وهناك جهاز لقياس رائحة العرق بأشكال بيانية ومخططات علمية لكل شخص، يستخدم هذا الجهاز في مكتب التحقيقات الفدرالية بأمريكا.
-4 بصمات العين: العين تتميز بخاصية بيولوجية متفردة ومميزة وهي وجود الأوعية الدموية على شبكية العين، وهذه الأوعية الدموية غير قابلة للتغيير أو التجميل أو التزوير، وهذه السمة البيولوجية تسمى بصمة عين الشخص بواسطة جهاز يعمل على تسليط أشعة على الأوعية الدموية في العين، هذه الطريقة استخدمت في ولاية أوريجون بأمريكا.
-5 بصمة الشفاه: هذه البصمة أيضاً تعد من المعجزات الإلهية، إذ توصل العلماء مؤخراً إلى نتائج تؤكد اختلاف بصمة الشفتين وعدم وجود اثنين في العالم يتفقان ويتطابقان في ذلك، ويمكن أخذ بصمات الشفاه من على المخدات (الوسادات) وغيرها وبطرائق خاصة.
-6 بصمة الحمض النووي بعد عملية اكتشاف الحمض النووي DNA
أجريت تطبيقاته على علم الجريمة بشكل سريع لتصبح أداة قوية لكشف الجرائم المتنوعة وأسلوباً علمياً دقيقاً للاستعراف، وأصبحت هذه الطريقة وسيلة معترفاً بها في جميع محاكم أوروبا وأمريكا لحالات قضايا البنوة والنسب العائلي والجرائم المتنوعة، ومما يزيد من أهمية البصمة الوراثية أو بصمة الحمض النووي حالياً ما توصلت إليه الدراسات الحديثة عن إمكانية عمل بصمة الحمض من أنسجة وسوائل جسم الإنسان مثل الشعر والأظافر والجلد والتلوثات المنوية واللعابية السائلة والجافة الحديثة والقديمة والتي مضى عليها أكثر من عشرات السنين، إذ ثبت علمياً أن هذا الحمض يقاوم العوامل الجوية المختلفة مثل الحرارة والرطوبة والجفاف، وهذا ما يجعل من البصمة الوراثية وسيلة إثبات أو نفي قاطع في حالات القضايا الجنائية (الاغتصاب، القتل، السرقة.. إلخ) كما يمكن ربط بصمة الحمض النووي الموجود في عينات الآثار المادية المتحصل عليها من مسرح الجريمة ببصمة الحمض النووي لكل من الجاني والمجني عليه في هذه الجريمة.
ويعود تاريخ اكتشاف الحمض النووي إلى عام 1930 عندما اكتشف oshould avery أن    DNA هو الذي يجعل الشيفرة الجينية المتوارثة عبر الأجيال في الإنسان، ومنذ ذلك التاريخ بدأ الاهتمام بالـ DNA
وفي عام 1953 تمكن (james watson وfrsncais) العالمان في جامعة كامبردج بإنجلترا من اكتشاف النموذج الحلزوني المزدوج الذي يمثل التركيب الأساسي الجزئي DNA ونالا جائزة نوبل.
كيفية عمل البصمة في المختبرات
تؤخذ الآثار المرفوعة من مكان الحادث مثل التلوثات الدموية والمنوية أو الشعر أو اللعاب وبقايا الخشب والملابس والأدوات والعظام والأسنان والأظافر بالطريقة المثلى، ومن ثم يحضر استخلاص الحمض النووي DNA منها بإضافة مواد كيماوية خاصة لإظهارها، وبعد ذلك يتم تقطيعها بواسطة أنزيمات متخصصة فتفصل خيوط DNA عند أمكنة معينة من القواعد النيوكوليتيدية، وبعد تمام عملية التكسير والتقطيع يتم فصلها على وسط جلاتيني باستخدام نظام الفصل بالارتحال الكهربائي ومن ثم يتم تثبيت هذه النتائج في ألواح أفلام خاصة أو إيداعها في الأجهزة المباشرة المحتوية على أعمدة خاصة كنظام آلي لتصنيفها ودراستها وإبداء الرأي الفني فيها.
خصائص بصمة الحمض النووي (البصمة الوراثية)
-1 عندما يترك المجرم أي آثار من بصمات الأصابع فمن المحتمل أن يترك وراءها مخلفات آدمية مثل (الدم - المني - اللعاب- شعر - جلد- بول - براز) والتي يمكن عن طريقها عمل البصمة الوراثية التي تحدد المجرم أو المتهم وكذلك المجني عليه مهما كانت الكمية ضئيلة.
-2 لا تتأثر بعوامل الزمن مثل العوامل الجوية من رطوبة أو جفاف أو حرارة أو تعفن.
-3 يمكن الاحتفاظ بها في الحاسوب، حيث تكون على هيئة خطوط عريضة ذات سمك معين ومسافات يسهل قراءتها وحفظها وتخزينها ومقارنتها بصورتها أو من خلال تحويلها إلى أرقام في حالة الاستدعاء، مثل النظام المستخدم في بصمات الأصابع حالياً.
-4 معترف بها كقرينة نفي وإثبات في أغلب محاكم دول العالم.
-5 تعد بصمة الحمض النووي مخزن المعلومات، وهي توجد في الجنين منذ بداية خلقه وتكوينه، فهي تحدد فيه نوع فصيلة الدم، ونوع بروتينه وأنزيماته وشكل بصمات أصابعه ولون بشرته وشعره وطوله ونوعه..إلخ


المراجع:
-1 قاسم محمد عثمان تاريخ البصمات وتطوره - الجزء الأول - الحوار المتمدن 17-4-2007 العدد 1888
-2 د. بدر خالد الخليفة (البصمة الوراثية ودورها في الكشف عن هوية الأشخاص في الحوادث) مجلة التقدم العلمي - يوليو2004 ص 86
-3 د. رمزي عبدالرحيم أبو عيانة (علم البصمات حقائق ومعلومات) مجلة الخفجي أغسطس 2004 ص 20

ذو صلة