مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

القراءة والثقافة

أصبحت القراءة ضرورة حياتية لا غنى عنها، ومهما تقدمت الوسائل واستحدثت الأساليب للاستعاضة عنها أو التقليل من دورها تبقى ضرورة حتمية. والاختلاف حول نوع ما نقرأ أو حجمه ولكن ليس حول مبدأ القراءة. والسؤال هناك ما هي مظاهر الأعراض عن القراءة النافعة؟
أولاً: الإعراض عن القراءة بعد نهاية الدراسة. حيث يخطئ شبابنا المتعلم عندما يظن أن أيام الدراسة هي مرحلة القراءة والاطلاع فقط. إننا عندما نقطع أكبر مرحلة دراسية لا نكون قد قبضنا على زمام الحياة.
ثانياً: الإعراض عن القراءة الجادة مع اقتناء الكتب (القراءة غير المنتظمة) هؤلاء القراء يقبلون على الكتاب ويولعون بالقراءة إلا أنهم يوصفون بالقراء الكسالى، فهم يقرؤون بشكل واسع، ولكن ليس بشكل جيد وفعال، ويقرؤون دون القدر الكافي من الانتباه والاستقراء، ولا بذلك القسط الوافر من التركيز والاستغراق من التفكير المطلوب للفهم الصحيح والكامل.
ثالثاً: الإعراض عن القراءة في مجال التخصص: فالعلوم دائماً تتقدم، وهذا يتطلب من المتخصصين المداومة على الاطلاع والقراءة، فالمرء عندما يشعر بالاكتفاء بما لديه من معلومات سيضع نفسه على شفا الانحطاط، وإذا كان متخصصاً فإن أمواج القفزات العلمية في تخصصه، ستقذف به نحو الشاطئ.
رابعاً: الإعراض عن قراءة الواقع، هناك عجز في المعرفة بالحاضر المعيشي والواقع المعاصر، وهناك جهل بالآخرين نقع فيه بين التهويل والتهوين، مع أن الآخرين يعرفون عنا كل شيء، وقد كشفونا حتى النخاع.
القراءة الجيدة والقراءة السيئة
القراءة الجيدة لابد لها من الجدية الكافية حتى تؤتي ثمارها، وهذا لا يتعارض مع القول بأن القراءة فن وهواية ولابد من التأكيد أن كل فن وهواية يحتاج إلى التدريب المتصل الطويل وأن المرء لا يصل إلى مستوى التحصيل الثقافي الجيد إلا عقب فترة طويلة من التمرين على استحصاد المعلومات والأفكار الأساسية مما يقرأ. وفي القراءة الجيدة يكثر القارئ من التساؤل الضمني: هل ما يقرأ ينم عن فكر أصيل محيط مبتكر ومتسق، أم أنه مجرد عرض وتبن لوجهة نظر بعينها مع تجاهل وجهات النظر الأخرى الأعمق منها والأدق. أما القراءة السيئة فهي خاطفة النظر والفكر، يصدق أو يستأنس بكل حرف مطبوع يقرأه، ولا يتساءل، ولا يفحص، ولا يدقق، ولا يقارن ما يقرأ مع ما قد قرأ سلفاً.
القراءة النقدية
إن القراءة النقدية هي إحدى أهم صفات القراءة الجادة، وعوامل تكوين الشخصية العلمية المستقلة، وهي قراءة التفاعل المزمع الآراء التي يحفل بها الكتاب، وهنا يقوم القارئ بإخضاع تلك الآراء للفحص والاختبار، وصولاً إلى اتخاذ رأي خاص بشأنها من حيث الاستحسان أو الإجازة، أو الرفض. والقارئ الناقد لا يكون محايداً يتلقى كل فكر ويضمه إلى محصوله الفكري.
القراءة الشفافة
وهذا النوع من القراءة قلما يتوفر للمرء إلا إذا مرن على قراءة الأدب العالمي وراض نفسه على التزام المنطق العقلي الراقي، بحيث تتوفر له في النهاية حاسة قراءة ما بين السطور، وهنا يؤدي القارئ وظيفتين عقليتين في وقت واحد، هما وظيفة التفكير اللماح، ووظيفة الاستنتاج والاستخلاص، حيث يهتم القارئ بالوصول إلى معرفة ما يرمي إليه المؤلف بالضبط من هذه العبارة أو تلك حتى وإن لم يصرح بها.
القراءة الكلية والمنهجية
وهذه أيضاً مرحلة لا يصلها المرء إلا مع الكدح الدؤوب في عالم الاطلاع، وفي هذه المرحلة يستطيع القارئ الفطن بمجرد أن يتصفح الكتاب لمدة قليلة أن يلم بفكرته العامة الكلية، ولذلك فإنه يستطيع أن يقرأ تفاصيل الكتاب في إطار ذلك الكل المتكامل، كما يقرأ مبادئ الكتاب الكلية المتكاملة من خلال قراءته لتفاصيله ومحتوياته الجريئة الفرعية، وهذا النوع من القراءة لا يمهر فيه إلا القراء المجدون المثابرون المجتهدون في دنيا الاطلاع، أما القراءة المنهجية فلا يقصد بها قراءة الكتب الملتزمة بالمنهج العلمي الصارم، وإنما القراءة التي تؤدي بالمرء إلى استدعاء أفكاره ومعلوماته السابقة المتصلة بالموضوع، وتحفزه إلى تنمية أفكاره الأصيلة القديمة وبلورتها في شكل جديد.
القراءة العملية
وهي القراءة التي تربط ما بين النص والواقع، وذلك عندما يضع القارئ عيناً على النص النظري الذي يقرؤه وعيناً أخرى على الواقع العملي الذي يعيشه ويراه، مثلما يشجع المعلمون الأذكياء الأكفاء طلابهم على استخدام القواعد العلمية التي حصلوا عليها في الرياضيات والفيزياء والنحو والنقد الأدبي، كل مسائل ومشاكل تلك العلوم والفنون وهي تلك القراءة الثقافية التطبيقية التي يعتني صاحبها بتكريسها لتشخيص وحل مشاكل الواقع الحياتي لشخصه ومجتمعه، وتلك هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما كان يعلم صحابته عشر آيات من القرآن الكريم، لا يزيدون عليها، قبل أن يتعلموها جيداً، ويدركوا معانيها العظيمة، والعميقة، ومراميها البعيدة والقريبة ويطبقونها في حياتهم.
القراءة السريعة
وهي أحد الفنون المستحدثة في مجال التعليم، وتقوم على تدريسه آلاف المدارس والجامعات الغربية في هذه الأيام، وذلك لقاء مبلغ زهيد لا يتجاوز 300 دولار، ترد إلى الطالب في نهاية البرنامج، إذا لم تتضاعف سرعته بمعدل ثلاثة أضعاف على أقل تقدير.


ذو صلة