مع أن تجربة النحت في الساحة التشكيلية المحلية مازالت في مقتبل العمر، ومن يتعامل معها من بعض التشكيليين في الساحة يحمل مبادرة ترسم معالمها بشكل واضح كمنافسين مع أشقائهم التشكيليين في مجال الرسم والتصوير الزيتي؛ إلا أن ما يقوم به هؤلاء النحاتون من تطوير لقدراتهم وتقنياتهم مكنهم من وضع موقع لهم في مسيرتهم تجاه المنافسة على مستوى تجاوزوا به المحلية، إلى الحضور العربي والعالمي، عبر المعارض التي تنظمها الرئاسة العامة لرعاية الشباب سابقاً، أو ما يتم حالياً من مشاركات تعدها وتشرف عليها وزارة الثقافة والإعلام.
ومع ذلك ماتزال التجربة في حدود التعرف على الكيفية التي يحدد من خلالها تشكيل هوية العمل، إذا علمنا أن النحت كصفة أو تنفيذ يتعرض لدقة الفحص، لئلا يشوبه أو يتلبسه ما هو محرم، حتى عاق هذا الفحص الكثير من النحاتين ودفعهم إلى البحث عن أقرب تكوين جمالي للابتعاد عن أقصى مسافة تلامس المحظور، هذا الخوف أو الخطوط الحمراء فرضتها اللوحة وتقبلها الجمهور المثقف والعامة، إلا إنه ما زال غير مرغوب فيها في قطعة النحت، خصوصاً عند تنفيذ عمل يشابه أو يستلهم فكرته من أي من ذوات الأرواح، حتى لو كان العمل بعيداً عن المحاكاة، مما أفقد النحت جزءاً مهماً من خصوصيته التاريخية والهدف منه.
وعندما نغض الطرف عن هذا الجانب نجد أن التجارب الحالية قد نجحت من خلال مجموعة أصبحت قيادية في هذا المجال، مع العلم أن غالبيتهم لم يتلقوا أي دروس أو خبرات الأكاديمية في النحت، بقدر ما جاءت تجربتهم من مواهب وقدرات ذاتية وبحث، وتعرف واكتساب خبرات من الآخرين في المناسبات الدولية التي يشاركون بها, ذلك إذا ما استثنينا الفنانين محمد السليم، عبد الحليم رضوي، كمال المعلم، ضياء عزيز، عبد الله العبد اللطيف.. إضافة إلى غيرهم ممن اكتسب أصول النحت من أكاديميات عالمية إلا إنه لم ترَ لهم مشاركات على الساحة.
ويمكن أن نذكر بعضاً من الذين خاضوا تجربة النحت -كما أشرنا بالموهبة والتجريب الذاتي-, فمنهم على سبيل المثال: نبيل نجدي وعبد الرحمن العجلان, ومن الشباب محمد الثقفي, ومن التشكيليات حلوة العطوي, وعدد من التشكيليين في الدوادمي منهم الفنان علي الطخيس، مع إن أعمالهم ما زالت في محيط المقاربة أحياناً مع أعمال عالمية أو قبولاً بما ينتهي إليه العمل, ما يعني عدم مجاراتها للنحت العالمي المتكئ على الفكرة التي تسبق التنفيذ ومن حيث الفكرة والحجم.
وعند استعراض ما تم تنفيذه من إبداعات النحت في التشكيل السعودي نجد أنها تتضمن فروع النحت على اختلاف مستوى المكتسبات التقنية, وهي الحفر والتشكيل والبناء، ابتداء من تشكيل الطين, وما يتبع ذلك من صب للقوالب النهائية للشكل, مروراً بالتعامل مع الحجر والخشب بالنحت حفراً بارزاً أو غائراً. ولم تتجاوز غالبية تلك الأعمال السنتمترات لتتناسب مع صالات المعارض والمكان المناسب لها؛ إلا أن هناك من تعدى تلك المساحة إلى الفضاء الرحب والميادين أمثال الفنانين: محمد السليم في الرياض وعبد الحليم رضوي وضياء عزيز في جدة وعبد الله العبد اللطيف المنتشرة في مراكز إمارات محافظات منطقة الرياض أو أعمال الفنان كمال المعلم التي شارك بها في مناسبتين متتاليتين في الصين بحضور كبار النحاتين العالميين.
أما ما يمكن الإشارة إليه فهو النقلة النوعية التي أصبحت أكثر حضوراً في الأعمال الفراغية التي أصبحت بحداثتها عنواناً لتجارب الشباب والموصوفة بالنحت البنائي التي قادها الفنان فلاديمير متزامنة في حضورها بين عامي 1909 و1916 مع المستقبلية، نتيجة تأثر الفنانين بالصناعة والآلة التي ألهمتهم إبداعاً جديداً يتسم بالديناميكية، وابتداع فكرة استخدام المواد المختلفة من المخلفات الصناعية كالمواد البلاستيكية والمعادن والأسلاك وغيرها، نشاهد بعضاً منها في تجربة الفنانين عبد الناصر غارم وأحمد ماطر والتشكيلية شادية عالم التي شاركت بإبداعها في بينالي البندقية في أول مشاركة للمملكة في هذه المناسبة.
هذه النقلة في نوعية الخامة ونمطية التكوين منحت النحاتين الكثير من حرية التعامل مع الفكرة وتجسيدها بعيداً عن التقليدية والارتباط بالقاعدة (الأرض)، بابتكار نقاط ارتكاز لا تنفصل بحيويتها ورشاقتها عن الكتلة، تارة تحلق في الفضاء، وتارة تأخذ أوضاعاً جديدة تثير الدهشة وتطرح التساؤل، موجدة بذلك بعداً عبر الحركة التي يضيف لها الفنان تفعيلاً حيوياً باستخدام الضوء والصوت أحياناً، كمكملات للشكل أو من خلال التعامل والتفاعل مع الطبيعة بكل عناصرها التي ولدت منها الفكرة، لتعود إليها مرة أخرى وتتشكل مع المحيط كالماء أو الهواء أو ضوء الشمس.
يبقى أن نقول إن ما يمارس من إبداع في النحت على المستوى المحلي مع قلة العدد ومحدودية الفكرة، نتيجة المحاذير.. الدينية.. والمجتمعية، وتدني ثقافة النحت؛ أصبح مطلباً، وحقق حضوراً مشرفاً في الساحة المحلية، واستطاع المبدعون فيه إقناع المسؤولين لتأكيد حضورهم، باسمه وصفته التاريخية والعالمية (النحت).