أسس أنطونيو بيدرو أول رواق حديث للفنون بلشبونة سنة 1932 وأصدر أول مجلة مرموقة تحت عنوان (المنوعة Variante) سنتي 1942 و1943، وأسهم كذلك في تأسيس شركة مسرحية (مسرح دو بورتو التجريبي)، وقد عمل بنفسه مخرجاً بهذه الشركة في الفترة بين 1953 و1961. وخلال تلك المدة ساهم في تحديث المسرح البرتغالي على الرغم من الضغوط المتنامية عبر الرقابة والوصاية في سنوات الخمسينيات.
ورغم ذلك لم يحض هذا الفنان الطامح والمتمرد في آن واحد بالاهتمام البالغ أو الدراسة الكافية لقاء مساهماته الفكرية الغزيرة ودورها في تطوير الثقافة البرتغالية، علاوة على نشاطاته وعلاقاته المتميزة مع الدول الأخرى الناطقة بالبرتغالية, ومساهمته في بناء الحداثة الفكرية بأوروبا. ولم يسبق لأي مفكر برتغالي آخر أن حضي بإشعاع عالمي كشخصه في النصف الأول من القرن العشرين. وقد عاش بباريس بين سنتي 1934 و1935, حيث شارك في الحملات الطليعية والتقى بفنانين مشهورين وعرض بعض قصائده بعنوان (قصائد بالمصادفة). ووقع أنطونيو بيدرو، إلى جانب الإسباني خوان ميرو، فنان المدرسة التجريبية، وفاسيلي كاندينسكي الفنان الروسي، والفرنسي روبر ديلوناي، والرسام الفرنسي فرانسي بكابيلا ومارسال دوشان وغيرهم؛ على وثيقة (بيان الأبعاد الفنية) سنة 1936. وعلى إثرها قضى مدة طويلة أخرى في لندن أثناء فترة الحرب. وكان لأسلوبه الذي ميز برامجه كمذيع بهيئة الإذاعة البريطانية تأثيراً كبيراً على أبناء وطنه بالبرتغال. وكانت إقامة بيدرو بعاصمة العالم الحر قد مكنته هي الأخرى من المشاركة في أنشطة (الفريق السيريالي) بلندن. وعرض جزءاً من لوحاته بفضاء الفنون الجميلة في معرض ضم كذلك فنانين آخرين على غرار النحات الفرنسي - الألماني جان آرب والإيطالي جورجي دي شيريكو والرسام الألماني ماكس أرنست والإسباني خوان ميرو والسويسري بول لي وألبارتو جاكومتي وبيكاسو. وبعد عودته إلى البرتغال، كرم بيدرو أثناء حفل رسمي تثميناً لجهوده في تأسيس السريالية في نهاية الأربعينيات.
كما كانت له علاقات واتصالات واسعة بشعوب الدول الناطق بالبرتغالية. فقد ولد أنطونيو بيدرو بالرأس الأخضر، وزارها مجدداً في شبابه بين سنتي 1928 و1929، وألهمته الزيارة القصيرة كتابة مجموعة من القصائد بعنوان (الجريدة) نشرها بالرأس الأخضر سنة 1929. وهي عبارة عن تسع وعشرين قصيدة قصيرة حاول أن يمزج فيها بين الثقافة المحلية والأحاسيس الانطباعية للشاعر. وتحول بعد ذلك، بعد أن ذاع صيته كمفكر ورسام، لقضاء فترة قصيرة بالبرازيل سنتي 1941 و1942 والتقى هناك بعدد من عمالقة المدرسة العصرية البرازيليين ومن بينهم أوسوالد دي أندرال وكارلوس دريمون دي أندراد وتارسيلا دو أمرال وجورج أمادو. وتوجت هذه الأنشطة المكثفة بتلقيه دعوتين لعرض لوحاته على التراب البرازيلي، الأولى سنة 1941 والثانية في 1942 بقاعة العروض الصناعية بمدينة ساو باولو. ومن المرجح أن تكون حركة الحداثة البرازيلية قد مثلت حافزاً لأنطونيو بيدرو في كتابة تحفته الأدبية: رواية بعنوان (Apenas uma narrativa) سنة 1942. وحملت مقدمتها تلميحاً وإشارة إلى دور الشاعر البرازيلي ماري دي أندراد في إنتاجها.
وقد تجاوز التأثير الثقافي والاجتماعي والسياسي لأنطونيو بيدرو حدود الوطن وشمل في أغلب جوانبه مجالات ورؤى عديدة. وقد كتب جوزي أوغيستو، وهو من كبار المناصرين لبيدرو منذ الستينيات، مقالات عديدة عن بيدرو المفكر والظاهرة الفنية وقدم نظرة واضحة ومفصلة عن أكثر لوحات بيادرو شهرة وإبداعاً. وتبين أعماله، ذات المواضيع الجريئة بالإضافة إلى المعارض التي شارك في تنظيمها، أنه كان بعيداً كل البعد عن مسايرة نهج النظام القمعي القائم أو تأييده. ففي المعرض الذي أقامه سنة 1940 بالاشتراك مع أنطونيو داكوستا وباميلا بودان على سبيل المثال، سعى إلى تقديم عمل فني بديل كردة فعل عن المعرض الرسمي الحكومي للفنون بالمستعمرات البرتغالية. كما كان لبيدرو دور كبير باعتباره من المفكرين البارزين في مجال الصحافة والمسرح من خلال تدخلاته وإسهاماته السياسية المؤثرة خلال سنتي 1944 و1945 وباعتباره يمثل أبرز أصوات المقاومة من موقعه كصحافي في هيئة الإذاعة البريطانية وعبر برنامجه الأسبوعي Cronica de Segunda –Feira.
وفي مجال المسرح كان لبيدرو إسهام فاعل في النهوض بالمسرح البرتغالي في القرن العشرين بعد عودته من لندن، من خلال أفكاره التقدمية والبيداغوجية التي ظهرت في مرحلة أولى في شكل مجموعة من المقالات الصحفية سنة 1949، ثم توجها بمقال مطول صدر في شكل كتاب حول المسرح في سنة 1962. وكان لهذا العمل المحكم، المتضمن خلاصة أفكاره العميقة حول الحاجة إلى تعصير المسرح البرتغالي، دور فعال في تشجيع الأعمال المسرحية للهواة، عبر إصدار دليل عملي ومبسط لم يتوافر من قبل إلى حد تلك الفترة. كما ساهم في إعادة كتابة بعض الأعمال الخالدة وتنقيحها على غرار إعادة كتابة أسطورة أنتيجون وتطويعها للمسرح سنة 1953 والتزامه بالدفاع عن لويجي بيرانديلو المسرحي والكاتب والشاعر الإيطالي، وبرتولت برخت الشاعر والكاتب والمخرج المسرحي الألماني وآخرين بعد مصادرة أعمالهم خلال فترت الحكم الدكتاتوري بأوروبا.