مجلة شهرية - العدد (581)  | فبراير 2025 م- شعبان 1446 هـ

الشعر العربي

 قديماً كان الشعر ديوان العرب, ترى فيه تسجيل تاريخهم وذكر حوادثهم وغزواتهم ومفاخرهم وسيرهم وأخبارهم, حتى كان مصدر فخر القبيلة مربوطاً بجودة شعرائها, وكانت القبيلة بلا شاعر جيد كبلد بلا اسم أو هوية.
كان الشعر عند العرب مثل الإعلام ينقل الأخبار ويوثق الحوادث والغزوات, لذا بقي الشعر مربوطاً بتاريخ العرب, جزءاً كاملاً منه لا ينفصل عنه.
لكن الشعر لم يبق جامداً على صوره القديمة, إذ شملته تحولات وتغيرات في المعنى والمضمون, إلى أن تحول كاملاً في الشكل والكلمات والمعاني بصورة لو شهدها شعراء العرب القدامى لما اعترفوا به شعراً ولا قولاً.
تحولات الشعر قديماً
 يعرف قدامة بن جعفر الشعر على أنه (الكلام الموزون المقفى الدال على معنى).
 علامات التحول في الشعر العربي شكلاً ومضموناً لم تكن فقط معاصرة أو وليدة العصر الحديث بل متجددة, وهناك من أعلام الشعر العربي من لهم محاولات مثل بشار بن برد, وأبي نواس, حتى أن أبا تمام كان قد ثار على عمود الشعر وهو أول من فعل هذا, ولكن وقف ضده علماء اللغة آنذاك وعلى رأسهم ابن الأعرابي. فلم يكن علماء اللغة آنذاك مستعدين للتخلي عن هذا الجمال والروعة والتركيبة الساحرة, كقول النابغة الذبياني:
فكفـكفتُ منـي عبـرة فـرددتـها 
على النحر منها مستـهل ودامعُ
على حين عاتبت المشيب على الصبا
وقلت: ألمّا أصحُ والشيـب وازع

وقـد حـال همٌّ دون ذلك شـاغـل 
مكان الشغاف تبتغيه الأصـابعُ
وعيد أبي قابـوس في غـير كـنهه
أتاني ودوني راكس فالضـواجع
إلى أن تغير محتوى الشعر من القبلية والفخر للنفس إلى مفهوم الأمة ككل بعد انتشار الإسلام, وهنا تغير المحتوى والمضمون لنصرة الدين والدعوة إلى الفضائل والخروج من عباءة القبيلة إلى مجال أوسع وأشمل, لكن هذه المرحلة انحصرت بعد انتهاء عصر الخلفاء الراشدين والانتقال إلى العصور المختلفة (العصر الأموي- العصر العباسي- العصر الفاطمي... إلخ) ليتميز كل عصر بشعراء مادحين للحكام, وإن تغيرت العصور والشعراء لكن الشكل والمضمون لم يتغير كثيراً. 
نهايات القرن التاسع عشر شهدت بدايات استقبال التغيير في محاولات من أحمد شوقي ومحمود سامي البارودي, ولكنهم لم يرتقوا إلى المنصة بالتخلي عن أسس القصيدة القديمة, لكن خليل مطران كان قد تخلى عن الكثير من الوزن والقافية في كثير من شعره فتبعه الكثير من بعده من شعراء الديوان وشعراء أبولو, وكان لشعراء المهجر تأثر كبير بالشعر الغربي. 
مما سبق نرى أن التحول في الشعر خلال تلك الفترات كان بطيئاً جداً, ويكاد لا يلاحظ. إلا أن تحولات الشعر العربي خلال القرن العشرين هي الأسرع والأكثر اختلافاً من ناحية البنية الشعرية والمضمون وتركيبة النص وحتى الدلالات الشعرية والمصطلحات الحديثة. 
الثورة على عمود الشعر 
افتتحت نازك الملائكة شعر التفعيلة عام 1947 م وتبعها بدر شاكر السياب في محاولات فردية ولكن في 1949م نشرت نازك الملائكة ديوانها (شظايا ورماد) وبه الكثير من قصائد شعر التفعيلة. 
إحدى أولى القصائد من شعر التفعيلة هي قصيدة الكوليرا لنازك الملائكة كتبت 1947م:
سكَن الليلُ
أصغِ إلى وَقْع صَدَى الأنَّاتْ
في عُمْق الظلمةِ, تحتَ الصمت على الأمواتْ
صَرخاتٌ تعلو, تضطربُ
حزنٌ يتدفقُ, يلتهبُ
يتعثَّر فيه صَدى الآهاتْ
في كل فؤادٍ غليانُ
في الكوخِ الساكنِ أحزانُ
في كل مكانٍ روحٌ تصرخُ في الظُلُماتْ
في كلِّ مكانٍ يبكي صوتْ
هذا ما قد مَزّقَهُ الموتْ
الموتُ الموتُ الموتْ
يا حُزْنَ النيلِ الصارخِ مما فعلَ الموتْ
طَلَع الفجرُ
أصغِ إلى وَقْع خُطَى الماشينْ
في صمتِ الفجْر, أصِخْ, انظُرْ ركبَ الباكين
عشرةُ أمواتٍ, عشرونا
لا تُحْصِ أصِخْ للباكينا
اسمعْ صوتَ الطِّفْل المسكين
مَوْتَى, مَوْتَى, ضاعَ العددُ
مَوْتَى, موتَى, لم يَبْقَ غَدُ
أبدع الكثيرون في شعر التفعيلة كنزار قباني 
فيقول في قصيدة (هوامش على دفتر النكسة):
يا وطني الحزين
حولتني بلحظة
من شاعر يكتب شعر 
الحب والحنين
لشاعر يكتب بالسكين..
لأن ما نحسه
أكبر من أوراقنا..
لابد أن نخجل من أشعارنا
إذا خسرنا الحرب، لا غرابة
ندخلها
بكل ما يملكه الشرقي 
من مواهب الخطابة
بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة
لأننا ندخلها
بمنطق الطبلة والربابة..
السر في مأساتنا
صراخنا أضخم من أصواتنا
وسيفنا أطول من قاماتنا.. 
الآن وقد صارت قصيدة التفعيلة غالبة وافتتحت أبواباً واسعة لغير الشعراء في محاولات سهلة لخلق قصائد بدون محتوى أو مضمون وبكلمات ركيكة وتقبلها النقاد بالتهليل والتصفيق ليضيع الشعر مع النثر وتتحول الأهداف وتتغير الآليات بتغير المفهوم الثقافي للمجتمع. وبالنهاية يظل الشعر يعبر عن الفترة الزمنية المعاصرة له, فهل فرضت الأحداث المعاصرة دعم التحول أم أثر التحول في الأحداث المعاصرة؟

ذو صلة

   ياسر عرفه
   yas_at2003@yahoo.com
   سودان -الخرطوم
   السبت 07/09/2013
عود حميد يا أبو عرفه وفى إنتظار المزيد ... فتح الله عليكم