تكلم الدكتور عثمان الصيني عن التراث الأدبي العربي وما يحمله من كنوز وثروات من الأمثال والحكم والمأثورات، في افتتاحية المجلة العربية العدد (441) بعنوان (لقد ولّى زمن الأمثال)، وأشار إلى أن الكثير من المفكرين والكتاب القدامى اهتموا بالأمثال وجمعوها في كتب بعينها، فعلى الرغم من أنه محق في بعض النقاط حيث أشار إلى اختفاء الأمثال من الساحة الإبداعية، غير أنه مازال الموروث الشعبي يفرض سطوته بقوة على النفس البشرية ولا يمكننا الجزم أن الاختفاء هو تجاهل بل هو نوع من أنواع الهدنة بين صراع الثقافات، وحتماً سيعود التراث يفرض قوته وسطوته بكل قوة.
أما الأمثال موضوع العنوان فهناك أكثر منها للعظة وللحكمة وللنصيحة، وتقسم الأمثال إلى عدة أجزاء فهي:
للتعزية، للفرح، للحسرة، للتنكيل، وللنصيحة.
كما أنها شديدة الخصوصية بالتهكم، وأمثال عامة تصدح في سماء الحياة فنجد سيلاً من الأمثال ينطلق في كل ما يواجه الإنسان في هذه العصور، ومن هذه الأمثلة:
(مانفعتنيش عنيه جات حواجبي ترقص)
(حظ الملاح عدد وناح)
(حزموه ما رقص شال الهم ما نقص)
(اللى يقول لمراته يا عوره يلعبو بيها الكوره)
وهكذا لا نهمل المصدر الشفهي الذي هو مصدر العبقرية في التأليف والتنوع اللهجي، فعندما يولد الطفل أو الطفلة تلتقط أذناه وترصد عيناه أولى المناهج من التراث اللهجي، فكأن الأسرة تريد أن ترسخ في النفس الجديدة الموروث الشعبي بلا تحريف أو تعليل، وإن كثرت عادات الاحتفالات واختلفت من مكان لآخر فإنها تجتمع على أن الموروث الشعبي هو أولى خطوات الإدراك عند المولود الذي لا يدري من أي الوجوه يلتقط تضاريس العالم الجديد، وينتقل إلى معترك الشوارع حيث الألفاظ والمعاني وإدراك الموروث السلوكي من أفواه العامة من البسطاء والتعامل معهم حتى يصل الفرد إلى مرحلة التعليم، في هذه اللحظة يدرك القواعد السليمة للغة والتعامل معها ويستشعر أن السنوات الماضية كانت كتمهيد ليتعلم حركة الشفاه أو هو تدريب على أساليب الكلام فأولاً وأخيراً يرجع الفضل إلى الموروث الشعبي ومناهجه في تعليم الإنسان العادات واستيعاب الموجودات.
وهكذا تقوم الأمثال بتكوين جزء من الوعي لدى الناس تتقاسم في ذلك مع الحكايات والأغاني التي يتأثرون بها ويرثها الأطفال بعدهم، ومن هذه الأمثال ما له دلالة بالنسبة لمخترعها أو الذي ألفها، فهو لم يؤلفها من فراغ ومهما كان المقصد فهي في النهاية تترك الانطباعات ليس على الأطفال فحسب بل على الكبار أيضاً. إن الثقافة الشعبية بما تحمله من مضامين ومعلومات اجتماعية، سياسية، حضارية، اقتصادية حول البلد التي تبنتها أو أنتجتها، يمكن أن تثري الوعي لدى الأفراد بما تعطيه من سلوكيات للمجتمع ككل.