مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

الأدب الرقمي

يبدو أن إشكالية وجود الأدب الرقمي على الساحة الأدبية ستظل مطروحة لعدة أعوام مقبلة، فالنقاشات حول الكتابة الرقمية والورقية لاتزال محتدمة، ولعل آخر الأطروحات التي تناولت هذا الموضوع مقال (أسئلة الكتابة الرقمية) للأستاذ مصطفى الغرافي والذي نشرته المجلة العربية في العدد 438، وإنني أرى أن كل مجالات المعرفة قد استقبلت التقنية الحديثة بالترحاب الواسع، وأولى بالأدب ألا يكون بمنأى عن الثورة الرقمية التي خلقت مجتمعاً افتراضياً جديداً يتشكل من خلال فضاء العالم الافتراضي والذي يطلق عليه العلماء المجتمع الرقمي، ولابد للأدب أن يعبر عن الإنسان ومجتمعه الذي يعيش فيه، ولقد أصدر (ميشيل هويس) أول رواية تفاعلية في العالم بعنوان الظهيرة عام 1986 وتلتها بعد ذلك الروايات التفاعلية في الأدب الغربي، لكن عندما أصدر الناقد الأردني محمد سناجله نموذجاً في الواقعية الرقمية تحت عنوان رواية الواقعية وتلتها أعمال أخرى مثل (شات- صفيع) وغيرهما قوبلت أعماله برمتها بالرفض والاستنكار، واستنفذت تلك المحاولات دعاة القدامة في العالم العربي فراحوا يكيلون الاتهامات لأصحاب النهج الجديد ويصفونه بأنه أدب يقيض أركان قرون كثيرة من الكتابة الورقية، كما أنه أدب جاف بلا مشاعر إنسانية، ورأينا الناقد المصري سعيد الوكيل يقول: إن بعض أدبائنا اخترع في إبداعه تقنية رواية الواقعية الرقمية، بل وصل الأمر إلى حد الإعلان عن الحاجة إلى مدرسة نقدية توائم بين أبجديات النقد التقليدي وتقنيات الكتابة الرقمية والتي تشغل الكلمة أحد عناصرها، وهذه كلها لعمري (أضغاث أحلام). بينما يدافع الناقد سناجله بشدة عن الأدب الرقمي قائلا: إنه بالفعل قامت جامعات غربية عدة بتدريس الأدب الرقمي وأنتجت جامعة بيل الأمريكية برامج متخصصة بالكتابة الإبداعية، ويرفض اتهام الأدب الرقمي بأنه أدب بلا مشاعر إنسانية، إذ يصف سناجله روايته (ظلال الواحد) بأنها رواية حب مكسور ورواية (شات) بأنها تتحدث عن البحث عن المستحيل، وهكذا نرى أن الكتابة الرقمية بأشكالها المختلفة لاتزال بين مد وجزر ولكن ذلك لا يمنعنا من الإنصاف والقول إن كل مرحلة تاريخية يحق لأصحابها أن يعبروا بما يستجد عندهم من وسائط ولاسيما ونحن في زمن الصورة واللون والحركة والإبهار وكل ذلك يجد رواجاً عند المتلقي فالكُتّاب يبثون من خلال هذه الوسائط روحاً جديدة لنصوصهم، كما أن الكتابة التفاعلية تصنع جسراً بين الكاتب والقارئ فيتمدد النص بتعدد القراء ما يؤدي إلى وجود تكامل للرؤى من خلال إثراء القراء للنصوص المطروحة مما يعده الكثير طفرة نوعية في زمن الثورة الرقمية بينما يراه البعض وأداً وعقوقاً لتاريخ الكتابة الورقية.
ذو صلة