من ناحيته ربما لم يحفل روائي مصري أو عربي بالكتابة عنه سواء على المستوى النقدي أو التحليل أو حتى على المستوى الاحتفالي مثلما حدث مع نجيب محفوظ, ليس بالطبع لكونه الأديب العربي (الأوحد) الذي حصل على جائزة نوبل العالمية في الأدب عام 1988، ولكن لكونه أكثر الأدباء الروائيين الذين غاصوا بأعمالهم في أعماق المجتمع المصري على كل المستويات الاجتماعية والتاريخية والثقافية والاقتصادية والسياسية، وأمثلة ذلك عديدة وتتمثل في (الثلاثية، خان الخليلي، رادوبيس، ميرامار، ثرثرة فوق النيل، الكرنك، الحرافيش، يوم مقتل الزعيم..) إلخ. إلى جانب براعة محفوظ في السرد وبناء الشخصيات ومصداقيته في الطرح والتحليل والوصف وحرفيته في التكنيك وتصويره للواقع، حيث يجعلك متصوراً وأنت تقرأ رواياته أن عينه على الصورة السينمائية عندما يكتب, ربما ساعده في ذلك اتجاهه في بداية تعامله مع السينما ككاتب سيناريو وحوار طوال الفترة من عام 1947 إلى عام 1959.
كان الفنان جمال قطب قد ارتبط بالأديب الكبير نجيب محفوظ منذ بداية تعاون مكتبة مصر مع (محفوظ) كناشر لرواياته. وكان قطب قد قام أيضاً برسم العديد من أغلفة روايات كل من إحسان عبدالقدوس، يحيى حقي، أمين يوسف غراب وآخرين، لعدة دور نشر أخرى, كما أن (الهيئة المصرية العامة للكتاب) عندما أصدرت طبعات شعبية من أعمال مشاهير الروائيين (في إطار مشروع مكتبة الأسرة) استعانت به في رسم أغلفتها.
وبقدر ما نجح الفنان قطب في فرض شخصيته ولمساته الفنية وفهمه لطبيعة شخصيات وأبطال روايات (محفوظ) بقدر ما فشلت الأغلفة التي صنعتها (دار الشروق) لروايات نجيب محفوظ التي أعادت إصدارها، حيث استخدم فيها تصميم الغلاف طريقة الرسم والتلوين التكعيبي والمثلثات ذات الكولاج، وهو الذي أفقد الروايات شخصيتها.
والطريف أن بعض مصممي أفيشات الأفلام المأخوذة من روايات نجيب محفوظ، قد حاول التأثر بغلاف الرواية الأصلية مع الوضع في الاعتبار أن أفيش الفيلم السينمائي عادة ما يضم صوراً لأكثر من ممثل من أبطال الفيلم وأن هناك بلا شك تدخلاً في الأفيش من المخرج أو المنتج أو البطل والبطلة أو لحسابات أخرى.
ولكن المؤكد أن الكاتب الكبير نجيب محفوظ لم يكن ليتدخل في أغلفة كتبه, ويترك ذلك للناشر أو إحساس رسام الغلاف، وبالتالي فهو بالقطع لم يتدخل في أفيش أي فيلم سينمائي مأخوذ عن إحدى رواياته، وهو مبدأ التزم به نجيب محفوظ منذ الفيلم الأول المأخوذ عن رواية (بداية ونهاية) عام 1960 إخراج صلاح أبو سيف، حتى آخر أفلامه (أصدقاء الشيطان) عام 1988 إخراج أحمد ياسين المأخوذ عن (الحرافيش)، وهو أيضاً لا يتدخل في المعالجة السينمائية أو السيناريو والحوار الذي يكتبه غيره لإحدى رواياته باعتبار أن السينما لها أدواتها ومتطلباتها وجمهورها، وفي النهاية هو ليس مسؤولاً سوى عما كتبه على الورق في الرواية، أما الفيلم فله صناعه, من هنا جاء تعاطف محفوظ مع قطب من خلال رسمه لبطلة الرواية على الغلاف أن يكون أقرب ما تخيله لملامح الشخصية، بعكس أفيش الفيلم الذي يحاول مصممه أن يجسد الشخصية من خلال (فنانة أو فنان) يعرفه كل الناس كواقع ملموس، وهي ترتدي ثوب البطلة المحفوظية.
امتاز الفنان جمال قطب في رسمه لأغلفة روايات نجيب محفوظ بالتأكيد على إظهار البطلة كشخصية غامضة لا تستطيع من ملامحها البريئة أو القوية أن تحدد ما هي مكوناتها الإنسانية، ولتأكيد ذلك، كثيراً ما استخدم الألوان الباهتة وبخاصة درجات البيج والبني الفاتح جداً والأصفر المطفي أو الرمادي ونادراً ما استخدم الأزرق أو الأحمر، إلا في رواية (صدى السنين) على سبيل المثال.
هذا عن جمال قطب الفنان التشكيلي الذي ولد في محافظة الغربية في الأول من أكتوبر عام 1930م, وعمل رساماً في مؤسسة دار الهلال عقب تخرجه في كلية الفنون الجميلة، ثم مستشاراً فنياً لدى المؤسسة نفسها. كما عمل أيضاً أستاذاً بأكاديمية الفنون بالقاهرة، ومحاضراً بجامعة قطر، وشارك في العديد من المعارض داخل وخارج مصر, وبخاصة في باريس وطوكيو، كما ساهم بالكتابة الصحفية والنقد في عدد من الصحف والمجلات الإقليمية والعالمية، صدر له عدة كتب منها (ملهمات المشاهير، روائع الفن العالمي، موسوعة الفن والحرب).
اشتهر بأسلوبه الخاص في رسم أغلفة الكتب على مستوى العالم العربي، واشتهر أيضاً برسم الحرب واللوحات الحركية والأحداث الساخنة.