يعد فيلم القراصنة من مجالات اهتمام هوليوود، وهو جنيس فيلم المغامرات. وقد تم إنتاج معظم روائع هذا النوع في الأستوديوهات الأمريكية. باستثناء السينما الإيطالية والفرنسية اللتين خاضتا غمار هذه التجربة بخجل. ويمتلك فيلم القراصنة معظم مكونات وعناصر سينما المغامرة، ولكن خلافاً لهذا الأخير، الذي تحول جزئياً إلى الخيال البطولي، فقد تغيرت ملامح أفلام القراصنة تقريباً اليوم. وللبحث في الأسباب وراء ذلك كان من الضروري أن نفهم بداية تاريخ فيلم القراصنة.
منذ فترة الأفلام الصامتة، حضي فيلم القراصنة بمكانة في الإنتاج السينمائي بهوليوود بفضل عوامل ساهمت في نجاحه وشهرته: كتاب القصص والروايات من جهة والممثلون الذين يقومون بدور البطولة أو القراصنة من جهة أخرى. أما العامل الثالث، المعروف بدرجة أقل لدى الجمهور، فهو وجود منتجين استثنائيين وذوي خبرة في جميع أنواع أفلام المغامرة. وكان وارنر بروس أول من دخل غمار تجربة الإنتاج التي ألهمت أفلاماً مشهورة في وقت لاحق منها (كابتن بلاد) لديفيد سميث (1924) مع وارن كريغان في دور بيتر بلاد القرصان الشجاع في قتاله ضد الفرنسيين، و(نسر البحار) في نفس السنة لفرانك لويد مع ميلتون سيلز. ويستند (الكابتن بلاد) إلى رواية رفائيل ساباتيني، وهو أيضاً مؤلف شخصية (سكارموش) أو (المقاتل الصغير). مما جعل هذا الجنس السينمائي قائماً بذاته. أصبح الجمهور ينتظر بشغف مشاهد تلك السفن التي تملأ الرياح أشرعتها وهؤلاء المغامرين الذين يحكم عليهم بأشد العقاب ولكنهم يتمكنون من الفرار والاستيلاء على السفن التي احتجزوا فيها أسرى ويحاربون شعوب الإسبان والفرنسيين لإعلاء شأن الإنجليز. كان هناك روائي شهير (ساباتيني) إلا أنه كان يفتقر لممثل مرموق يجسد رواياته. إنه دوغلاس فيربانكس في (القرصان الأسود) لألبرت باركر سنة 1926. كان فيربانكس في الثالثة والأربعين من عمره. إنه دون دييغو فيغا، ويعرف أيضاً باسم (زورو) أو روبن هود ولص بغداد. كان يجسد التهور والدعابة والبطولة والمهارة. وسيسمح له فيلم (القرصان الأسود) مرة أخرى بتسليط الضوء على مذاقه وكتابة اسمه على العروض الأكثر فرجة وإثارة– وحتى يكون الفيلم أكثر تشويقاً– قام فربانكس الذي ينتج الأفلام في أجزاء– بتحويلها إلى الألوان. وفاز فيلم القراصنة بشهرة كبيرة، والفضل يعود لهوليوود التي أعلت من شأن القرصان.
ولكن ظهور الأفلام الناطقة، ابتداء من سنة 1927، قد حد من انتشار موضة أفلام القراصنة وسينما المغامرات بشكل عام. كانت هوليوود تسعى قبل كل شيء لتسليط الضوء على الأغاني والحوارات، مع التركيز على الأفلام الموسيقية أو الدرامية التي يؤديها أشهر الممثلين. وكان هدفها - كلفها ذلك ما كلفها - النهوض بالفيلم الناطق لتشجيع دور السينما على اقتناء التجهيزات الجديدة. وتدريجياً ابتعد فيلم القراصنة عن اهتمامات الجمهور لما يزيد عن سبع سنوات قبل أن يغامر المنتج مترو غولدوين ماير في سنة 1934 بإنتاج فيلم (جزيرة الكنز) استناداً إلى رواية روبرت لويس ستيفنسون. ومرة أخرى تجتمع العناصر المكونة لفيلم القراصنة. نكتشف جزيرة مهجورة بالكامل -تقريباً- وكنزها الدفين والقرصان لونغ جون سيلفر بساقه الخشبية مع الببغاء الذي لا يفارقه والبطل الشاب (جيم هوكنز). إلا أنه ومن جديد يضطر منتجو فيلم القراصنة للبحث عن ممثل قدير (بعد أن تقاعد فيربانكس من الشاشة في سنة 1934). وسيقوم في النهاية إيرول فلين بلعب أدوار في أفلام القراصنة التي كانت موكولة لفيربانكس في نهاية فترة الأفلام الصامتة. واختارت شركة وارنر للإنتاج هذا الشاب الأسترالي -في التاسعة والعشرين من عمره في سنة 1935– ليكون بطلاً في فيلم (الكابتن بلاد) مكان روبرت دونات، الذي كان مقرراً في البداية. وقد رتب كل شيء وسنحت الظروف لضمان نجاح الفيلم المنوط للمخضرم مايكل كيرتز.
وبعد خمس سنوات من ذلك،
قامت شركة وارنر مجدداً بإنتاج فيلم (صقر البحار). وكلف مرة أخرى إيرول فلين بدور القرصان الشجاع الذي يقاتل من أجل الملكة إليزابيث جنباً إلى جنب مع قبطان آخرين، معروفين باسم (نسور البحر). وسمح هذا الفيلم لشركة وارنر، بعد محاولة غزو إنجلترا من قبل القوات الإسبانية التي لا تقهر في عهد فيليب الثاني، بتوجيه تحذير لكل من تسول له نفسه مهاجمة إنجلترا مجدداً. ومن الواضح أن هتلر هو المقصود في ذلك حتى قبل ظهوره بقرون عديدة. وقبل بضعة أشهر من دخول أمريكا الحرب، كان فيلم القراصنة قد اختار معسكره، وهو الوقوف إلى جانب الباحثين عن الحرية.
العصر الذهبي
شهدت أواخر الثلاثينات عودة لفيلم المغامرة. وقد تساعد مشاهد غزو البحار والبراري الشاسعة وقدرات الأبطال في التمثيل المتفرج على نسيان الصراعات التي تجتاح العالم. ويجمع هذا الصنف من السينما في هوليوود القراصنة على اختلاف أهدافهم. وطوال خمسة عشر عاماً وحتى منتصف الخمسينات كان فيلم القراصنة مهماً ليس في عدد الأفلام المنتجة فحسب ولكن كذلك من حيث جودتها وقيمتها الفنية المتميزة. وقد سعى أفضل منتجي السينما في هوليوود إلى تصوير أفلام القراصنة؛ أخرج هنري كينغ فيلم (البجعة السوداء) (في سنة 1942 عن قصة لرفائيل ساباتيني مع كل من تايرون باور ولارد كريغر في دور هنري مورغان) وأنتج فرانك بورزاج (الجناح الأسود) (1946) وراؤول والش (لحية القرصان السوداء) (سنة 1952 مع هنري مورغان البطل المشاكس واللطيف والخارق للعادة والضحية في نفس الوقت) وأنتج جاك تورنير (قرصان جزر الهند) (سنة 1951 مع جان بيترز في شخصية الكابتن آن بروفيدانس) وروبرت سودماك (القرصان الأحمر) (1952). وأنتجت والت ديزني (بيتر بان) واكتشف الأطفال (الكابتن هوك) و(الأميرة والقرصان) (لديفيد بتلر سنة 1946)
بطولة شارلز لوتن وبالخصوص قامت فينسنت مينيللي بتصوير (القرصان) في سنة 1948 مع جين كيلي وجودي غارلاند.
انتصار الواقعية
أحدثت الحرب العالمية الثانية تغييراً كبيراً في الذوق العام حيث تراجعت شعبية فيلم المغامرة. كانت الأفلام مكلفة للغاية، وأصبح الجمهور يفضل القصص المعاصرة والوثائقية التي تتناول المشاكل اليومية على غرار أفلام المبارزة والبطولات، وهكذا بدأ فيلم المغامرة يفقد بريقه منذ منتصف الخمسينيات. ولن يكون لكل من إيرول فلين وستيوارت جرانجر خلفاء من بعدهم، باستثناء فيلم (زوبعة في جامايكا) لأكسندر ماكندريك في سنة 1965– الذي تضمن جميع العناصر الناجحة لفيلم المغامرة. وأنتج سين فلين، نجل إيرول، فيلم (ابن الكابتن بلاد) (1964). وفي إيطاليا، أنتجت بعض الأفلام من هذا النوع في بداية الستينات من قبل دومينيكو باوليلا وفيلم (الكابتن مورغان) لكل من أندريه دي توث وبريمو زغليو. ولكن أهمها وأكثرها إثارة أفلام (قراصنة الليل) لجون جيلينغ (1963) وذكريات الأسطورة في (الضباب) لجون كاربنتر (1979) و(الصنارة) لستيفن سبيلبرغ أو (غونيس) لريتشارد دونر. وفي المقابل لم تكن أفلام (القراصنة) لرومان بولانسكي (1986) أو (جزيرة القراصنة) لرينى هارلين وجينا ديفيس (1995) مثيرة في حجم أفلام المغامرات.
أما اليوم فقد اتخذت القرصنة أبعاداً جديدة في المكان والزمان. القراصنة الجدد اليوم يهاجمون الطائرات والحواسيب والشبكات. وقد كشف فيلم (القيامة الغريبة) (1997) لجون بيار جينات أن قراصنة الغد سيكونون أشد خطورة من قراصنة الأمس واليوم.