مجلة شهرية - العدد (581)  | فبراير 2025 م- شعبان 1446 هـ

المثقفون أعداء المرأة: من (أرسطوفان) إلى أنيس منصور

ارتبطت ظاهرة (العداء للمرأة) في أذهان المثقفين بالفكر الساخر حين أسفرت المرأة الجديدة عن وجهها وخرجت من الحرملك إلى الشارع لتشارك في الحياة العامة، كجزء من الضريبة الاجتماعية التي دفعتها الحركة الوطنية المصرية في الربع الأول من القرن الماضي.
في تلك الأيام الجميلة حقاً، كانت قضية تحرير المرأة هي موضوع الساعة، بفعل نضال قاسم أمين (وريا وسكينة) –كل على حدة- في تأكيد مكانة حواء ودورها في المجتمع، ومن هنا ظهرت إلى الوجود قوى اجتماعية مناهضة لهذا التوجه الجديد، وكان بعض أهل الفكر والثقافة رديفاً لهذه القوى المضادة لحركة التاريخ بحكم النشأة الاجتماعية أو الميول الشخصية الساخرة، فكانت ظاهرة (معاداة المرأة) التي تذكرك (بمعاداة السامية) مع العلم أن المرأة التي كانت تبدي جدارة في مجال الفكر والثقافة مثل مي زيادة، كانت تعامل معاملة (الليدي) في مجتمع رجال صرف، فلم تكن ظهرت بعد كاتبات من أمثال نوال السعداوي ومنى حلمي وهدى حسين وسواهن.هذا هو الاعتقاد السائد، أن العداء للمرأة مثل العداء للسامية سواء بسواء، فقد ارتبطت الظاهرتان بالخروج من (الجيتو) الاجتماعي للسيطرة على العالم، وهو اعتقاد مازال رائجاً في الأدبيات النسائية العربية حتى الآن، حيث يجري ترويج الظاهرة على أنها محاولة رجالية أخيرة للوقوف في وجه التطور التاريخي المحتوم، وتنصح المرأة غالباً حسب دعوة منى حلمي بأن: (تخرج من المطبخ لتدخل التاريخ).
الخروج من الجنة
ولكن الحقيقة التاريخية خلاف ذلك، ومن المؤسف أن (العداء للمرأة) ليس مجرد ظاهرة عارضة ارتبطت بتطورات اجتماعية معينة، بل هو عداء أصيل عبرت عنه بعض من أكثر العقول البشرية أصالة، من (أرسطوفان) شيخ كتاب اليونان القدامى إلى (سيد هارتا) رأس الحكمة الهندية وحتى صاحب (الأغاني) أبي الفرج الأصفهاني، وغيرهم من كبار رجال الفكر الذين وجهوا للمرأة سهام النقد والسخرية، إلى حد قول بعضهم (النساء كلهن شر، وشر ما فيهن قلة الاستغناء عنهن).
ولا جدال أنه كان لبعض النساء النابغات أقوال لاذعة في الرجل، لكن كتب التاريخ لم تحتفظ بها لسوء الحظ، وذلك لسبب بسيط هو أن الثقافة كانت على الدوام صنعة رجال.
يقول الدكتور محمود زناتي في كتابه الفريد (طرائف العادات والمعتقدات) إن بعضاً من مشاهير الرجال على مر العصور ناصبوا المرأة جانب العداء، وحاولوا النيل منها باعتبارها مخلوقاً أدنى من الرجل الذى ينبغي أن يكون –في تقديرهم- السيد المطاع، ومن الطريف أن أعداء المرأة يفتشون في دفاتر حواء القديمة لتبرير مسألة السيادة، ومن ذلك قول الفيلسوف الروماني (أمبرواز) ساخراً: (لقد ساقت حواء آدم إلى الخطيئة، فمن ساقته المرأة إلى الخطيئة من العدل أن تقبله كسيد).
أما (أرسطوفان) فيرى أن هناك (فظائع كثيرة في البر والبحر، لكن أعظمها المرأة) و(البحر والنار والمرأة ثلاث كوارث) وأنه (حيث توجد حواء توجد كل الشرور), ومن سوء الحظ أن سيرة حياة هذا الكاتب اليوناني غير مدونة، فلم يصلنا منه سوى مسرحياته الكوميدية الحافلة بهذه العبارات الساخرة المعادية للمرأة.
مدينة التهور
ولعل حكماء الهندوس القدماء هم الأكثر تجنياً على المرأة من غيرهم، فقد وصفوها بأسوأ الصفات ليس من باب السخرية فحسب بل كنوع من العداء الصريح، يقول الحكيم الهندي (هنج تنترا): (النساء ذوات طبيعة متقلبة تقلب أمواج البحر، ولهن مشاعر مذبذبة لا تدوم ساعة كسحب الشفق، فإذا قضين أوطارهن من الرجل أصبح في نظرهن غير نافع، تماماً مثل قشور الليمون بعد عصره).
ويضيف (تنترا): (المرأة هي زوبعة الرب، وبؤرة السفه، ومدينة التهور، ومستودع الذنوب، وحقل الظنون، وبيت الطلاسم، وفخ الخداع.. وهي السد الذى لا ينفذ منه أكابر الناس ذوي الدربة والمراس، فمن يريدها في الدنيا لزوال الفضيلة)؟
غير أن (سيد هارتا) الذى كتب عنه الأديب الألماني هيرمان هيسه كتاباً بنفس الاسم، وهو واحد من أهم فلاسفة الهنود وأكثر حكمة، كان أكثر (لطفاً) في نقده للمرأة فهو يقول: (إذا قاد الأعمى البصير، وأنجب البغل حصاناً، وأنبتت الشعيرة قمحاً، وسطع القمر نهاراً.. ساعتها ستجد الفضيلة في روح المرأة).
ولا يختلف القديسون المسيحيون الأوائل عن الحكماء الهنود في نقد المرأة، باعتبارها الباب الذى دخل منه الشيطان إلى آدم فأغواه.
يقول القديس بولس: (اعلموا أن رأس كل رجل هو الله، أما رأس المرأة فهو الرجل، فحواء خُلقت من ضلع آدم وليس العكس، فلتصمت نساؤكم في الكنائس لأنه ليس مأذوناً لهن أن يتكلمن بل يخضعن).
وتحفل الأدبيات الغربية الأحدث عهداً بالكثير من الأقوال المعادية للمرأة، فقد كان الأديب السويدي الشهير أوجست سترندبرج يتهم النساء غالباً بالغباء، ويقول إنه قد يأمن الأفاعي ولا يأمن للنساء.
أما الكاتب الإنجليزي الأشهر برنارد شو فقد كان أكثر ظرفاً في عدائه للمرأة، ومن طريف ما يحكى عنه أنه تقابل ذات يوم في حفل مع الممثلة الشهيرة مارلين ديتريش (وليس مارلين مونرو كما يحكيها البعض), وكانت الأولى من جميلات عصرها أيضاً، فأرادت أن تداعبه قائلة له: لماذا لا نتزوج فننجب طفلاً في ذكائك وجمالي؟ فأجاب (شو) ضاحكاً: أخشى يا سيدتي أن يولد الطفل في وسامتي وذكائك.
شوبنهاور أكبر الأعداء
أما الفيلسوف الألماني (شوبنهاور) فقد بلغ في عداوة المرأة المنتهى, وتعود جذور عداوة هذا الفيلسوف تعود لعلاقته بأمه، فقد مات أبوه وهو في العاشرة، وورثت منه أموالاً طائلة، وكانت تكتب القصص وتريد أن تكون أديبة، ففتحت صالونها للأدباء والنقاد والصحفيين في بيت زوجها الراحل وأغدقت عليهم من أمواله, وكان شوبنهاور يحضر هذا الصالون ويرى تملق الأدباء لأمه مع أن إنتاجها تافه وسطحي في نظره، وحين بلغ السابعة عشرة ثار عليها ثورة عارمة بعد انصراف ضيوف الصالون، وقال لها إنك دخيلة على الأدب والإبداع سطحية الفكر ممجوجة الأسلوب, وإن الحضور ينافقونك بسبب المال، فجن جنونها وصرخت في وجهه فزاد تسفيهاً لها وتنقيصاً لكتابتها فدفعته بعنف فسقط من الدرج ثم نهض يلملم جراحه وقال: (لن تريني بعد الآن، وإن ذكرك التاريخ فسوف يذكرك على أنك أم شوبنهاور فقط، غير ذلك فأنتِ إلى مزبلة التاريخ).
كان لسانه سليطاً، وكان عنيداً فخرج من عندها ولم تره بعد ولم تأسف عليه، ومن يومها وهو حاقد على المرأة بل على الحياة، فقد تبنى فلسفة التشاؤم وبنى منها نظرية فلسفية متكاملة تعمل على إثبات أن الشقاء أمر محتوم على الإنسان، وأن أكبر خطايا الإنسان ميلاده، وأنّ الحياة بطبعها شرّ، وما قد يظنه الإنسان فيها من السعادة لحظات وهم، فالأصل والأساس هو الشقاء الدائم في هذه الحياة، حسب نظرية شوبنهاور التي سخر لها عقله الجبار لكي يثبتها بكل وسيلة.
الضراء والنساء
ويبدو أن أعداء المرأة في التراث العربي القديم كانوا أشد ضراوة وسخرية، يقول الأبشيهي صاحب (المستطرف): (لا تطلعوا النساء على حال ولا تأمنوهن على مال، ولا تذروهن إلا لتدبير العيال، فإنهن لو تركن وما يردن أوردن المهالك، وأفسدن الممالك، ينسين الخير ويحفظن الشر، يتهافتن على البهتان ويتمادين في الطغيان).
وفى إحدى خطبه يقول القاضي عبد الله بن عمران: (إنكم ابتليتم بفتنة الضراء فصبرتم، وإني أخاف عليكم اليوم من السراء، ومن أشد ذلكم عندي النساء، وإذا تحلين بالذهب ولبسن رُبط الشام وعُصب نجد، أتعبن الغني وكلفن الفقير ما لا يجد).
ويقول الأصفهاني إن كيد النساء أعظم وأخطر من كيد الشيطان، لأن الله تعالى يقول في كتابه الكريم (إن كيد الشيطان كان ضعيفاً) ويقول سبحانه (إن كيدهن عظيم).
ومن عيون الحكمة العربية الخالدة قولهم (أعص هواك والنساء وأطع من تشاء) وهي النصيحة التي ترجمها الشاعر العربي شعراً فقال:
إن النساء شياطين خلقن لنا
نعوذ بالله من شر الشياطين
فهن أصل البليات التي ظهرت 
بين البرية في الدنيا وفي الدين
ويقول طفيل الغنوي:
إن النساء كأشجار نبتن لنا 
فهن مر وبعض المر مأكول
إن النساء متى ينهين عن خلق 
فإنه واجب لابد مفعول
عدو المرأة يتزوج 
ذات يوم سُئل الكاتب الكبير توفيق الحكيم الذى كان مشهوراً بلقب (عدو المرأة), وكان في الأربعين من عمره, ومازال أعزب: لماذا لا تتزوج؟ فأجاب: لست مجنوناً حتى أفعل ذلك، وإذا حدث المستحيل وجننت، فلن أجد المجنونة التي تتزوجني. ورغم ذلك كله فقد حدث المستحيل وتزوج أشهر أعداء المرأة في الثقافة العربية توفيق الحكيم، الذى كان يصف نساء عصره (بالذكاء) ويتحاور مع حماره الشهير في مسائل اجتماعية ونسائية تظهر أن الأخير أكثر ذكاء.
ويحكي مصطفى أمين كيف دخل الحكيم قفص الزوجية قائلاً: ذات يوم دق جرس التليفون في مكتبي، وقالت سيدة إنها تسكن في نفس العمارة التي يسكن فيها الحكيم، وأنها لاحظت شيئاً غريباً لا يصدقه عقل، وهو أن سيدة فاتنة طويلة القامة تسكن في شقة الكاتب، وأنها رأتها بعينها وهي تفتح غرفة نوم توفيق الحكيم كل صباح، وعندما سمعت هذا الكلام لم أصدقه وتصورت أنه (مقلب) من أحد أصدقاء عدو المرأة، لكن السيدة أصرت على كلامها، ودعتني أن أزور بيتها وأطل بنفسي على شقة الحكيم لأرى المرأة التي جعلته يرفع الراية البيضاء.
وأوفد مصطفى أمين إحدى المحررات في (أخبار اليوم) لترابط في شرفة جيران الحكيم من الصباح إلى منتصف الليل، وتكتب تحقيقاً صحفياً عن (خبر الموسم) الذى نفاه الحكيم بشدة، فهدده صديقه أمين بأنه سوف ينشر خبر الزواج في الصفحة الأولى إذا لم يتعاون مع المحررة ويمكنها من مقابلة (زوجة عدو المرأة).
وبعدها اعترف الحكيم بأنه تزوج سراً حتى لا تأخذ الصحافة خبراً فيحدث ما حدث، وكانت المرأة التي أسقطت حصون الرجل إحدى جاراته, وهي تقول: عندما علمت أن عدو المرأة يسكن بجواري قررت أن أستولي على قلبه وآخذه أسيراً في (حرب ثقافية) فعكفت على قراءة كل ما كتب، وطلبت من أسرتي أن تدعو (غريمي) في المناسبات الاجتماعية والحفلات، ولم أتبهرج له لأبهره بجمالي وإنما حاولت أن أتبهرج له ثقافياً وأستعرض أمامه معلوماتي عن كل كتاباته، واندهش (توفيق) من سعة اطلاعي واهتمامي بكل صغيرة وكبيرة في هذه الكتابات، وأغلب الظن أن الانطباع الذى أردت إدخاله في روعه هو أنه (دونجوان أدبي) وقد كان.
وهكذا استسلم (عدو المرأة) أخيراً لعدوه، وتنازل عن لقبه الأثير مؤكداً أن كل أعداء المرأة هم في الواقع من أشد أنصارها حماساً.
عداء أنيس منصور
وأخيراً نأتي لعداء الكاتب الراحل أنيس منصور للمرأة, حيث عرف من خلال بعض كتاباته العداء الشديد للمرأة. يقول أنيس منصور عن المرأة: 
- امرأة فشلت في الحب ثم تبحث عن حب جديد‏ إنها لا تعرف الحب‏.
- من كل صفات المرأة أكذبها‏ أنها الجنس اللطيف‏. 
- حتى عالم علم النفس العظيم فرويد خدعته النساء‏.
- إذا بكت المرأة فليس ذلك دليلاً على أي شيء‏ فعندها نشاط في غددها الدمعية.‏
- الخداع والكذب والغرور‏:‏ ليس عملاً واعياً عند المرأة‏..‏ إنها الغريزة.
- تحبها كثيراً تحبك قليلاً تكرهها قليلاً تكرهك كثيراً‏.
- من رأي المرأة أن لكل رجل غلطتين‏:‏ كل ما يقول وكل ما يعمل‏.
- ينفتح قلب المرأة لمن يدق عليه كثيراً‏.
- الذي يقول‏:‏ علمتني الأيام والليالي يقصد المرأة.
- عندما تصبح المرأة أُماً لأول مرة‏,‏ فهي أنثى لأخر مرة.
- ‏لا اكتشاف نظرية النسبية ولا اكتشاف قوانين الجاذبية ولا الجدول الوراثي كانت وراءها امرأة‏.
- الرجل هو الجنس اللطيف والمرأة هي الجنس يا لطيف‏.


ذو صلة