غادرنا إلى رحمة الله يوم الجمعة 20 رمضان 1435هـ الموافق 18 يوليو 2014م الفنان التشكيلي والكاتب والشاعر والمترجم عبد الجبار بن عبد الكريم اليحيى عن عمر ناهز الخامسة والثمانين، بعد أن قدم الكثير من الأعمال الفنية المبكرة مما أهله لتمثيل المملكة في معارض عالمية وعربية، بل هو أول فنان تشكيلي يمثل المملكة بالخارج في الستينات من القرن الماضي.
عبد الجبار اليحيى.. الفنان
عرفت الأستاذ عبد الجبار اليحيى قبل ثلاثة عقود من خلال المشاركة في المعارض التشكيلية المركزية بحكم عملي بالرئاسة العامة لرعاية الشباب، ومع الأيام واللقاءات الثقافية العامة والخاصة أصبحنا صديقين دخل منزلي مع من يُحب، ودخلت منزله لمرات عديدة وبالذات العشر سنوات الأخيرة، إذ كبر سنه وكثرت أمراضه، ومع ذلك واصل العمل في مرسمه الخاص بمنزله بالرياض، عرفت من خلاله شقيقه الفنان عبدالله الشيخ وقبله عائلته الكريمة ابنيه مازن وحاتم وابنته سوسن وأمهم. وسافرت معه لبضعة أيام إلى الشام برفقة أستاذنا الكبير عبد الكريم الجهيمان –رحمه الله- وهناك التقينا بالراوي الكبير عبد الرحمن منيف.
لقد وجدت في أبي مازن الود والتقدير والروح المرحة وحسن الخلق والتعامل الإنساني الراقي، وكان يعد لإقامة معرض تشكيلي ببيروت عام 2000 والذي افتتحه فيما بعد رئيس جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت مارون الحكيم والذي قال عند افتتاح المعرض: (الفنان التشكيلي السعودي عبد الجبار اليحيى.. فنان مؤسس.. عمل منذ سنوات طويلة على تأسيس حركة الفن السعودي المعاصر حتى أينع زرعه ونضجت ثماره..).
وأغلب أعماله المعروضة رسمها في (بودابست) في المجر حيث كان يقيم وقتها؛ إذ إن هناك حرية فكرية تسمح للفنان بمزاولة عمله دون قيود.. وقد تناول موضوع المرأة ليس بابتذال بل كقضية وليس من ناحية جسدية. ومن هنا تناول المرأة في لوحاته كإنسان كائن له خصوصيته وفكره، له رؤية الرجل تجاهه كما له رؤيته تجاه نفسه.
والفنان اليحيى إنه من مواليد مدينة (الزبير) بالعراق، لجأ إليها الكثير من الأسر النجدية أيام الفقر وانعدام الأمن منذ قرنين –إذ ولد عبد الجبار عام 1350هـ - 1931م- وبدأ الدراسة والرسم مبكراً وعاد مع والده إلى المملكة ليعيش بها عام 1949م حيت التحق بمدارس القوات الجوية.. وابتعث إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة متطورة عن الإلكترونيات، وقال عن سبب اختيار هذا التخصص: (اخترت الإلكترونيات بالذات لأني وجدت فيها علماً حديثاً يعتمد على الرياضيات والمنطق، وأنا كنت جيداً في المجال العلمي كما في الأدبي، ولما لم يتوافر لي المجال الثاني اخترت الأول)، وقال: (لم أزاول الهندسة الإلكترونية ميدانياً وإنما زاولتها كتدريس فيما بعد.. وانقطعت عن الرسم منذ 1949م وحتى 1965م وقمت فقط ببعض الدراسات حول الفن، وبخاصة أنني حيث كنت بالعراق اطلعت على الكثير من الكتب الفنية والأدبية مما شكل لي ذخيرة أمدتني لمدة عشر سنوات حتى انفتحت المملكة على الفنون من أوسع أبوابها..).
وقال إنه يستطيع أن يبدي رأيه في بعض اللوحات ولديه كذلك كتابات أدبية هي 11 قصة قصيرة ولكنه لا يعتبر نفسه قاصّاً.. وقال: (.. هذه أسميها استراحة من فترات الرسم لكنها تندرج ضمن إطار التعبير عن مكنونات النفس وعن القضايا التي أحملها).
وقال عن التقاعد: (الرسام لا يتقاعد فهو فكر والفكر لا يتقاعد.. وطالما أن يديه تسمحان له بالتعبير عن كل قضاياه من خلال الريشة فإنه سيظل يرسم ويعمل)، وقال عن شعوره في إقامة معرضه ببيروت: (هذه هي بيروت.. تأخرت حتى عرضت فيها لأني عشت سبع سنوات في المجر ثم عدت إلى المملكة والآن عرضت علي الجمعية اللبنانية فكرة إقامة معرض لي فقبلت لأن تكلفة المعارض الخاصة تكون مرتفعة..) وتمنى على الجمعية أن تكثف نشاطها على مستوى العالم العربي من خلال تبادل المعارض.
وعن رسالته في الفن قال: (في لوحاتي أحاول أن أبرز الإنسان، قوته كما في طيبته، فهو أجمل مخلوقات الله، والعقل الذي منحه إياه هو أجمل ما فيه، وأحاول أن أنبه الناس أنه بمقدور الإنسان أن يتخطى كل الصعاب التي تعرقل طريقه في سبيل قيم أخلاقية وجمالية وحضارية مفيدة له وللمجتمع..)
يعد عبد الجبار اليحيى أول فنان سعودي يشارك في معرض جماعي خارج المملكة، وكان ذلك في متحف فوريست بارك بولاية ميسوري الأمريكية صيف عام 1952. وأول محرر فني تشكيلي في الصحافة السعودية، حيث عمل محرراً لصفحة (فنون تشكيلية) بجريدة المدينة وهي أول صحيفة تخصص صفحة أسبوعية للفنون عام 1967. وأول فنان سعودي تنظم له الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون معرضاً شخصياً عند تأسيسها عام 1393هـ – 1974. شارك في أكثر من خمسين معرضاً جماعياً دولياً عربياً وعالمياً وكان مشرفاً على بعضها).