لا نتذكر الترجمة الأدبية إلا ويتحسس المبدع رأسه خوفاً من المقولة الشائعة بأن المترجم هو قاتل للنص وخامد لجذوته. أضف أيضاً ذلك الجدل القديم والقائم بين الأنا العربية والآخر بمختلف تنوعها الحضاري، وقد جاء مؤتمر الترجمة وتحديات العصر الذي أقيم مؤخراً في القاهرة برئاسة الدكتور جابر عصفور، ليطرح تساؤلاً مفاده «لماذا يترجم الغرب آدابنا العربية؟» وما بين النية الحسنة وسوء النية فقد أجاب البعض وأدلى كثيرون بدلوهم في القضية الشائكة أو القضايا التي يفجرها مصطلح الترجمة الأدبية.
في كلمته الافتتاحية أعلن الدكتور جابر عصفور: «فوز المترجم المصري بشير السباعي بجائزة رفاعة الطهطاوي التي يمنحها المركز القومي للترجمة في مصر عن ترجمته لكتاب «مسألة فلسطين» للمؤرخ الفرنسي هنري لورانس موضحاً أن المؤتمر الذي رعاه وزير الثقافة الفنان فاروق حسني يناقش مجموعة من القضايا المتصلة بعملية الترجمة منها: تحولات نظريات الترجمة، الترجمة والهوية الثقافية، الترجمة في عصر ما بعد الاستعمار، الترجمة والعولمة وقضايا المصطلح. فضلاً عن معوقات التمويل والنشر والتوزيع، كما يناقش المشاركون ميراث الترجمة والتأليف العلمي عند العرب، إلى جانب الترجمة الأدبية والعلمية والترجمة الآلية ومشروعات الترجمة العربية العربية ومؤسساتها».
كرم المؤتمر أيضاً مجموعة من المترجمين المصريين والعرب، الذين قدموا إسهامات بارزة في إثراء الترجمة وقضايا الحوار الثقافي وهم الدكاترة: محمد عناني ومصطفى ماهر وفاروق عبدالوهاب ومصطفى لبيب عبدالغني من مصر وبدرو مارتينيث من إسبانيا وديفيد جوسون ديفيز من بريطانيا، وروجر ألن من الولايات المتحدة الأمريكية، والمترجم الليبي الراحل خليفة التليسي.
ودعا المركز أكثر من 80 باحثاً ومترجماً من خارج مصر للمشاركة في المؤتمر من بينهم الدكاترة: سلمى الخضراء الجيوسي، فيصل دراج، محسن الموسوي، وهاشم صالح، ومحمد شاهين، الطاهر لبيب، صبحي حديدي، شوقي عبدالأمير، جمال شحيد، ثائر ديب، عبدالسلام المسدي، سليمان العسكري، محمد عصفور، حمادي صمود، فريد الزاهي، المهدي أخريف، عبده وازن، بول شاؤول، رشيد بن جدو، جلبير الأشقر، عيسى مخلوف، وحسن حماد، وفاروق عبدالوهاب، وسمير جريس، والمترجم المصري المقيم في روسيا أبو بكر يوسف، ورشيد العناني، وصمويل شمعون.
كما وجهت الدعوة أيضاً لعدد من الباحثين والمستعربين المهتمين بقضايا الثقافة العربية في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا وتركيا وألمانيا ومن بين هؤلاء المؤرخ الفرنسي هنري لورانس والمستعرب ريشار جاكسون والإيطالية إيزابيلا كاميرا دي فيليتو واليابانية كاورو ياماموتو، والبريطاني روبين أوسل والبريطانية مارجريت أوبانك.
لماذا لم يُدعَ علماني للمؤتمر؟!
أهم الانتقادات التي وجهت إلى المؤتمر كانت بخصوص عدم دعوة المترجم الفلسطيني صالح علماني حيث أكد الدكتور جابر عصفور أن المركز لم يتجاهل علماني ضمن قائمة الذين وجهت إليهم الدعوة، وقال: «علماني مترجم كبير لعب دوراً مهماً في التعريف بأدب أمريكا اللاتينية، ومن الصعب أن نتجاهل هذا الدور ولكن ما حدث أن اللجنة المنظمة أرادت إتاحة المجال أمام مشاركة أسماء أخرى لم توجه إليها الدعوة من قبل».
وتابع عصفور: «خلال الفترة التي توليت فيها أمانة المجلس الأعلى للثقافة وجهت الدعوة لعلماني الذي أتابع ترجماته بشغف للعمل مع المشروع القومي للترجمة وشارك معنا في ثلاثة مؤتمرات قبل هذا المؤتمر، كما تعاون مع المشروع في ترجمة كتاب صدر بالفعل في الألف كتاب الأولى».
وأوضح عصفور أن «اللجنة المنظمة وضعت قاعدة وهي ألاّ تتم دعوة أي اسم، سواء كان كاتباً أو مترجماً لأكثر من ثلاث مرات من قبل المركز أو المشروع القومي للترجمة وقد التزمنا بهذه القاعدة إلى حد كبير».
وكانت مقالات صحفية أبرزها مقال كتبه الكاتب الفلسطيني راسم المدهون قد انتقدت عدم دعوة علماني لحضور المؤتمر.
باريس على ضفاف النيل يتصدر أعلى المبيعات
ألقى مؤتمر الترجمة الضوء على كتاب «قاهرة إسماعيل: «باريس على ضفاف النيل» الذي رأس قائمة الكتب الأكثر مبيعاً بين كتب المركز القومي للترجمة -كما أوضحت أسماء يس- وهو من تأليف سينثا مينتي، وترجمة أحمد محمود، ومراجعة وتقديم جليلة القاضي، يليه كتاب «صخور الزمان»، من تأليف جي جولد، وترجمة محمود خيال. في المركز الثالث يأتي كتاب «هيرودت يتحدث عن مصر» تأليف هيرودت وترجمة محمد صقر خفاجة. أما كتاب «الماضي يبعث حياً» تأليف أدنا مجوير وترجمة إبراهيم زكي خورشيد فيأتي في المركز الرابع. وفي المركز الخامس «محاور ديكارت»، تأليف ديكارت وترجمة مجدي عبدالحافظ، ويأتي في المركز السادس «معجم دراسات الترجمة»، لمارك شتويرت، ومن ترجمة جمال الجزيري، في المركز السابع «معجم السيموطيقا»، من تأليف برونيون ماتن وفليزتاس، وترجمة محمد علي فرج، في المركز الثامن كتاب «اللاطمأنينة» لفرناندو بيسوا، وترجمة المهدي أخريف، وفي المركز التاسع كتاب «تأملات في الفلسفة الأولى عند ديكارت» لرينيه ديكارت، وترجمة عثمان أمين. وأخيراً يأتي كتاب مثنوي جلال الدين الرومي، لجلال الدين الرومي، وترجمة إبراهيم شتا في المركز العاشر.
مجلة «البوتقة» الإلكترونية
ألقى المؤتمر الضوء على أبرز المبادرات تراهن على خلق جسور للتواصل بين القارئ العربي والأدب الأمريكي وهي تجربة مجلة «البوتقة» الإلكترونية التي تحررها المترجمة المصرية هالة صلاح الدين حسين وهي تجربة تتسم بخصوصية واضحة بسبب صيغة النشر التي تعتمدها، فضلاً عن إصرارها على الحصول من مؤلفي القصص والدراسات التي تنشرها على الحقوق التي تمنحها الحق القانوني في نشرها.
الترجمة والهوية الثقافية
وقد شهدت ندوة الترجمة والهوية الثقافية التي شارك فيها كل من الدكتور محمد عصفور، والدكتور حسن نصر الدين، والدكتور حسن صقر، والدكتور عصام حمزة، نقاشاً مطولاً حول إشكاليات تناول المصطلح المترجم.
الدكتور محمد عصفور، المترجم، ومدرس اللغة الإنجليزية في الجامعة الأردنية، وصاحب كتب: تشريح النقد، ودراسات في الترجمة، والرواية والأمة، الصادرة عن المركز القومي للترجمة، تحدث عن مشكلات ثقافية تواجه الترجمة، قائلاً: تواجه المترجم مشكلات ثقافية متنوعة قد يجد لبعضها حلولاً مرضية، وقد لا يجد ولعل من أسهل الحلول وأشيعها، استيراد المصطلحات الأجنبية بقدر من التحوير، ليناسب طبيعة اللغة العربية، والمترجم معذور إذا خلت العربية من مقابلات معروفة للمصطلح الأجنبي، واستيراده للمصطلح الأجنبي على هذا النحو يغني اللغة وتساءل «ولكن ماذا تراه يفعل، إذا كان المصطلح الأجنبي مقابل، ولكن معناه لم يستقر استقراراً كافياً بحيث تكون دلالاته محددة معروفة. وأضاف: هل يستورد أم ينحت أم يحور؟ هل يشرح؟ وإلى أي حد يسمح له بإثقال النص بشروح وتعليقات؟ وما الجمهور الذي يتوجه له المترجم لتكون إضافاته مقبولة لديه؟ هل هناك مسوغ لترصيع النص المترجم بالمصطلحات الأجنبية شرحاً للكلمة العربية المقترحة؟ هل يعتمد المترجم على معرفة القارئ بمعنى المصطلح الأجنبي عندما يلجأ إلى هذه الوسيلة؟ وإذا كان القارئ هو الذي سيحكم، فما فائدة الترجمة؟
في حين تحدث الدكتور حسن صقر، المترجم ومدرس اللغة الألمانية في جامعة تشرين، وصاحب كتب: قوة الأسطورة، والمعرفة والمصلحة، والضوء الخافت، تحدث صقر عن الهوية الثقافية قائلاً: ينشأ سؤال الهوية إجمالاً، في أوقات الخطر الذي يهدد الأمة، أو عندما يحتدم الصراع بين ثقافة تدافع عن نفسها دون أن تملك الكثير من وسائل القوة وثقافة مسيطرة ذات حضور مهيمن والهوية الثقافية، التي تعني مجموع السمات الثقافية والروحية المدعومة باللغة، تواجه مثل هذا التحدي الذي يحصرها في زاوية ضيقة، ويبعدها عن تيار الحياة المبدعة، وإذا كانت الهوية تواجه مثل هذا التحدي، فلا يجوز أن يصيبنا ذلك بالذعر والنكوص إلى هويات غير منتجة.
يرى صقر أن الهوية ثقافية كانت أم سياسية فإنها لا تفهم إلا كإشكالية «وعليها أن تكون جاهزة لطرح الأسئلة عليها، وذلك من حيث التماثل والاختلاف، الثبات والتغير، التوجه نحو الماضي أم الانفتاح على المستقبل، المشاركة مع الثقافة العالمية أم الاعتكاف على الخصوصية. وأضاف: ليست الهوية ما نحن عليه، وإنما ما نصير إليه، ومن ثم هي مسؤولية ومشاركة في الصيرورة والإبداع، ولن يتحقق أي شيء من ذلك إلا بالإطلالة الإيجابية على العالم ومن هنا تأتي أهمية الترجمة أخذاً وعطاء، التي تقدم لنا روح العالم وعقله، وهذا لا يطمس هويتنا كما يتوهم بعضنا، وإنما يفرض علينا تحدياً كي نرتفع إلى مستوى العالم عن طريق ابتناء العقل الذي يصنع المعجزات».
أما صاحب كتب الأوضاع الثقافية والعقائدية في شرق آسيا، والنمور الآسيوية، وتجارب في هزيمة التخلف، الدكتور عصام حمزة، فقد تكلم عن الترجمة والهوية الثقافية، اليابان نموذجاً، حيث قال: إن كثيرين قد يعتقدون أن الترجمة وهي نقل -لابد أن يكون أميناً- لثقافة وتجارب ومعارف شعوب وقوميات أخرى، لها تأثير تراكمي في المكونات الثقافية للشعوب المنقول إليها، والمتلقية للمترجمات.
وقال حمزة: «إن التأثير الإيجابي المرجو من الترجمة يكمن -في رأيه- في مدى الإفادة من ثقافة وتجارب الآخر، ومدى ما يتفاعل به الإنتاج الثقافي، أما التأثير السلبي الذي يراه بعضهم فهو أن الترجمة بما تنقله من معارف وتجارب وتراث أجنبي، قد تطمس بعضاً من ملامح الهوية الثقافية للمتلقي، وتغيّر من التوجهات الفكرية أو الثقافية التي يعتقد أنها من ثوابت التراث القومي، لدى من يتأثرون بما يصل إليهم».
ويشرح حمزة ما يرى أنه دور الترجمة في تكوين الأركان الأساسية لما يعرف بالتراث الثقافي في اليابان مثل الفكر البوذي، والكونفوشية، والكونفوشية الجديدة، خصوصاً أن اليابانيين اعتمدوا على الترجمة بشكل كبير، ولم يحبذوا أن يجعلوا التعليم باللغات الأجنبية.
الدكتور حسن نصر الدين، أستاذ التاريخ القديم والمتخصص في علم المصريات تحدث عن الترجمة وعلم المصريات، وقال إن علم المصريات ولد على يد علماء الغرب، عندما استطاع جون فرانسوا شامبليون، الشاب الفرنسي أن يفك رموز اللغة المصرية القديمة، على حجر رشيد. وأضاف إن فك تلك الرموز صنع فارقاً كبيراً، حتى وإن لم تكن تلك الكتابات عن مصر القديمة، فقد سبق شامبليون رحالة يونانيون ورومان، وأشهر من كتب عن مصر القديمة هيرودت في كتابه عن مصر، لا يذكر نصر الدين دور الحملة الفرنسية على مصر، حين جاء نابليون بعلمائه، وقدموا كتاب «وصف مصر» الذي ترجمه زهير الشايب.
وضع نصر الدين شروطاً واجبة، ينبغي أْن تتوافر فيمن يتصدى للترجمة في علم المصريات، خصوصاً وهو موضوع يحتاج إلى تحديد، لأنه توجد لدينا ترجمات سبقت عصر الحملة الفرنسية، وهي مؤلفات علماء عرب من أمثال أبي حيان التوحيدي، وغيره، وتمت ترجمتها إلى اللغات الأوروبية، وتساءل: هل ترجمة العرب عن اللغة المصرية تعتبر ترجمة عن لغة غير أصلية؟ ومثال ذلك كتاب هنري جيمس برستيد «وثائق مصرية قديمة».
لماذا يترجم الغرب رواياتنا العربية؟!
وانطلاقاً من التساؤل حول سبب اهتمام الغرب بترجمة الأدب العربي كانت ندوة «الترجمة في عصر ما بعد الاستعمار» التي شارك فيها كل من المترجم السوري ثائر ديب والناقد السوري المقيم في باريس صبحي حديدي والمترجمة منى بيكر وقال الناقد الدكتور فيصل دراج: «سألني أحد كيف تفسر نجاح رواية علاء الأسواني في فرنسا لدرجة أن يصل عدد نسخها لأكثر من 150 ألف نسخة، فكان جوابي: «إن الرغبة في التلصص هي كلمة سر النجاح، فالغرب يريد أن يتلصص علينا». وخلال رده على مداخلات الجمهور عاد دراج واستدرك في الندوة قائلاً: «لم أقل إن ترجمة الأدب العربي تقوم على التلصص فقط، فالغرب ترجم لمحمد البساطي وبهاء طاهر وصنع الله إبراهيم وغيرهم من الكتاب ذوي الموهبة الكبيرة».
وتابع دراج: «مفهوم الهوية ليس مفهوماً مغلقاً والمجتمعات عليها أن تنفتح على المجتمعات الأخرى للتعلم منها»، لكن يظل هناك سؤال ملح: ما الذي يجعل عملاً أدبياً لم يتفق النقاد على قيمته يحصل على هذا الانتشار في الغرب لدرجة أن تكتب عنه «اللوموند» افتتاحيتها كما فعلت مع رواية «برهان العسال»، وأجاب دراج: «إن العنصرية والتلصص والكولونيالية تلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق ببعض الأعمال التي تحظى باهتمام جماهيري كبير». وقال الناقد الفلسطيني الكبير: «لست من المتحمسين لمفهوم ما بعد الكولونيالية لأنني أجد فيه بعض الغموض فهو يعني أن يمتلك إنسان ثقافة غريبة عنه ثم يرد عليها بمنطلق من خارجها اعتراضاً على السلبي فيها كما فعل إدوارد سعيد في كتابه الاستشراق، وما فعلته في إطار اللغة الإنجليزية أهداف سويف التي قامت بعمل حوار بين لغتها العربية والإنجليزية، برغبة الخروج من مركز مستبد إلى آخر متعدد ديمقراطي إنساني»، وأضاف: «كلمة إهدار هي الكلمة المناسبة التي تميز الفكر العربي، وقد أطلقها من قبل الدكتور نصر حامد أبو زيد حينما تحدث عن إهدار السياق التاريخي، ثم وصلنا لإهدار المعنى من قبل بعض المثقفين العرب، حيث أخذنا بتعددية الأصوات عند باختين متجاهلين الجوانب السياسية، وترجمنا ميشيل فوكو دون أن تفهم شيئاً من سياقه».
من ناحيته تحدث المترجم السوري صبحي حديدي المقيم في باريس قائلاً: «هناك كثيرون ينظرون بتحفظ إلى نظريات ما بعد الاستعمار، فما بالكم بمن أطلقوها مثل هومي بايا وإدوارد سعيد وغيرهم، فقد كانوا حينما اندفعوا في هذا الحقل الإشكالي يملكون عدداً من التشككات».
وأضاف حديدي: «ما كان غائباً على الدوام وما ساعدت في استثارته أكثر الدراسات ما بعد الكولونيالية، هو النظرة للترجمة بوصفها فعل قوة وخدمة مباشرة للمشروع الاستعماري على مر مراحله ومن ثم فهي لا تخدم سلطة المستعمر المحلية فقط ولكنها تجند مشروع الاستعمار عند مواطن دولة الاستعمار الذي قد يكون متشككاً فيه بشكل أو بآخر، فالعلاقة تظل وطيدة بين الإمبراطورية وفعل القوة والترجمة».
واستعار حديدي مقولة «الترجمة فعل اغتصاب»، وقال: «ترجمة إدوارد بن لألف ليلة وليلة جعلتها تكتسب شعبية خرافية وأصبحت بالنسبة للقارئ الإنجليزي مرجعية لمناخات العالم العربي والشرقي وفي الوقت نفسه مرجعية لسخرية هذا العالم، فقد قدم بن سلسلة من الشروحات تتناقض مع ما كانت ترمي إليه الحكاية بما يتضمن نزعة التفوق الغربي، وكذلك ترجمة فيس جيرارد لرباعيات عمر الخيام التي لم تكتسب شعبية فقط، بل قامت الهند التي كانت فيها الفارسية هي لغة النخبة بترجمة الرباعيات بالاعتماد على ترجمة جيرارد الذي قال: إن الرباعيات لم تكتسب الأهمية إلا بترجمتها إلى الإنجليزية».
وأضاف حديدي: «هناك الآن جنون في ترجمة الروايات السعودية رغم أن مستوى بعضها هابط، لكن الناشر الغربي يشده أن هذه النصوص تتحدث عن أسرار القصور والعلاقات الجنسية وتمنح للقارئ الغربي فسحة من التلصص خصوصاً بعد الصورة السلبية التي قدمها بن لادن وغيره عن الإسلام، وقبل أيام في قمة بروكسل طالب رئيس الوزراء البريطاني بإعادة إحياء استراتيجية إرسال متطوعين أوروبيين لدول العالم الثالث لنقل القيم الأوروبية ولتصدير صورتها المتخيلة عن نفسها، وهي الاستراتيحية التي اتبعتها الولايات المتحدة من قبل لتأسيس صورة للولايات المتحدة مناهضة للصورة التي انتشرت مع مرحلة التحرر من الاستعمار، وأكد الحديدي على مدى ازدراء الثقافة الأمريكية للأدب الأفغاني والعراقي وتساءل مندهشاً: ألم يكن يجدر بهم أن يهتموا بالأدب العراقي كأعمال عزيز السماوي وغيرها، على الأقل ليساعدهم في فهم المجتمع الذي يحتلونه؟».
وخلال مداخلة سريعة عبّر المستعرب الفرنسي ريشار جاكمون عن اندهاشه من إصرار المتحدثين على إثارة الأسئلة حول أفكار إدوارد سعيد وقال: «أنا مستغرب لأنكم يفترض أن تكونوا قد استوعبتم كلام سعيد، وحركة الترجمة والنشر والتبادل الثقافي الآن أكثر تعقيداً من مجرد اختصارها في مقولات الهيمنة أو غيرها».
وتحت عنوان «المترجمون في منطقة القتال» تساءلت الدكتورة منى بيكر: كيف تقوم الأطراف المختلفة المنغمسة في الصراع بسرد أو رواية دور المترجم كالجهات العسكرية والإعلام الرسمي أو السائد والإعلام البديل ومنظمات حفظ السلام والمنظمات غير الحكومية وغيرها؟، وكيف يسهم المترجمون في صياغة وترويج السرديات المتداولة في مجتمعاتنا ووسائل إعلامنا عن حروب معينة كحرب العراق، فمثل هذه السرديات تؤدي دوراً مهماً في تشكيل الصراع نفسه وبلورة ملامحه؟
وعرضت بيكر للسرديات التي تتحدث عن دور المترجم وقالت: «هناك سردية ترى في المترجم ضحية أو وغداً، فعدد كبير من الرواة -خصوصاً مراسلي الحرب- يروي المترجم في دور الضحية التي تعاني من عنف الحروب، ففي سياق الحروب المعاصرة في العراق وأفغانستان وغيرها تصور السرديات المترجمين كضحايا يعانون من عدم مبالاة السياسيين والهيئات العسكرية التي توظفهم وتستغل مهاراتهم ومن المثير للاهتمام أن التقارير الصحفية التي تصور مترجمي الحرب كضحايا تؤكد أيضاً أن مواطنين كثيرين من نفس البلد الذي ينتمي إليه المترجمون يعتبرونهم خونة».
من جانبه اعترض المترجم السوري ثائر ديب على مصطلحي الشرق والغرب وقال: «الغرب والشرق مصطلحان خاطئان وأضع حولهما عدة أقواس؛ لأن كل كيان فيهما متعدد ومتصارع ونحن بحاجة لمصطلحات أكثر دقة من ذلك».
وأضاف ديب: «نلمح في الدراسات الثقافية أثر كل الاستراتيجيات التي أفرزتها الممارسات الفكرية والنقدية الأخرى مثل الماركسية والبنيوية وما بعد البنيوية والنسوية والتحليل النفسي ودراسات النوع الجنسي ودراسات الثقافة الشعبية والإعلام والبيئة، ومن آبائها المؤسسين: ستيوارت هول وبيير بورديو وأشيز ناندي وفيناي لال ودونا هاراوي وكورنيل ويست ويل هوتي وهنري لويس جيتس وبول جيليوري، لكنه لم يترجم لجميع هؤلاء إلى العربية سوى بورديو وقد يكون السبب في تمييز أعماله بطابع نقدي في ظل ظروف سوسيولوجيا عربية تعيسة تعيش موقفها الدفاعي والتبريري؟
قالوا لنا الأدب العربي «ميت»
بيدور مارتينيث.. واحد من ألمع وأهم المستعربين الإسبان، نسب إليه، نقل أعمال أهم «الكتاب والروائيين والشعراء العرب المعاصرين إلى مدريد مثل ترجمة أعمال الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش واللبناني جبران خليل جبران والسوري أدونيس ونزار قباني عام 1965م، وكان له الفضل في تقديم الثقافة العربية وروادها مثل نجيب محفوظ إلى الجمهور الإسباني من خلال المحاضرات والترجمات والدراسات والكتب والأبحاث التي قدمها خلال حياته. وخلال حفل افتتاح المؤتمر جرى تكريمه ضمن 8 مترجمين أسهموا في إثراء فكرة الحوار الحضاري بين الثقافة العربية وثقافات أخرى.
اليوم وبعد بلوغه الخامسة والسبعين من عمره، لايزال مونتابث يهيم بالأدب العربي ويجده ملهماً وصادماً بالنسبة له «كانت صدمتي كبيرة عندما اكتشفت أن مصر فيها صحف ومجلات وكتب تباع وتشترى وتقرأ، وأن فيها أغاني تسمعها طوال سيرك في شوارعها وحاراتها، شيء ساحر ومغاير لما كنت أعرفه عن العالم العربي»، فمونتابث الذي درس التاريخ واللغات السامية في جامعة مدريد، جاء إلى مصر وهو يظن أن الأدب العربي ميت واللغة العربية غير مستعملة منذ القرن الـ15.
ولكن إذا لم يكن مونتابث يعرف بوجود العالم العربي على خريطة العالم السياسي الحديث، فما الذي جعله يتخصص في دراسة الأدب العربي أصلاً؟
«أقولها بكل صراحة! معرفتي بالأدب العربي جاءت بنية غير مقصودة بعدما انتهيت من دراستي الثانوية، كان عليّ أن ألتحق بالجامعة، كنت أود الالتحاق بكلية العلوم السياسية، ولكن والدي منعني تماماً بسبب ظروف إسبانيا خلال بداية الخمسينيات خلال حكم فرانكو والديكتاتورية، إذ لم يكن لدراسة العلوم السياسية مستقبل في هذا البلد، وكان عليّ اختيار كلية أخرى، ففكرت في كلية الآداب، التي كان عليّ أن أختار فيما بين دراسة اليونانية واللغات السامية، واخترت السامية فقط لأنني كنت قد درست اليونانية خلال المرحلة الثانوية، ففكرت في تجربة لغة جديدة، هكذا صار الأمر، أما حبي للغة العربية وتفضيلي لها على العبرية، فجاء بفضل أستاذي المفكر الكبير إميليو جارثيا جوميث، وبعدها درست التاريخ العربي والإسلامي 1956م قدمت بعدها أطروحتي من أجل الليسانس عن أدب الشاعر المصري أحمد شوقي، وكانت تلك أول أطروحة عن الأدب العربي المعاصر تدخل جامعة مدريد!
وهكذا بدأت مرحلة الترجمة لدى مونتابث وجديته الشديدة في نقل الأدب العربي إلى إسبانيا.
ويضيف: ترجمت أول قصة لنجيب محفوظ إلى الإسبانية من مجموعة (همس الجنون) 1958م ونشرت في مجلة أسستها خلال فترة رئاستي للمركز الإسباني اسمها «الرابطة» وفي نفس المجلة نشرت أول مقابلة مع محفوظ بالإسبانية بعدما زرته في شارع سليمان باشا، بعدها تعرفت على كتاب كثيرين مثل يوسف إدريس ومحمد عبدالحليم عبدالله ويوسف الشاروني، وترجمت لشعراء كثيرين مثل صلاح عبدالصبور، وأحمد عبدالمعطي حجازي بعدها ألفت كتابي (الشعر العربي المعاصر) 1958م وكان أول دراسة صدرت باللغة الإسبانية عن الشعر العربي المعاصر، وفيما بعد ألفت كتباً كثيرة أخرى كتابان أو ثلاثة منها لنزار قباني، وصلاح عبدالصبور، كما قدمت أول كتب بالإسبانية عن أمل دنقل وأعماله الشعرية، وأول كتاب عن نزار قباني نشر في عام 1968م، وأول كتاب عن أدونيس في العام نفسه، وأول كتاب عن شعراء المقاومة الفلسطينية (شعر المقاومة) 1969م وهكذا -يؤكد مونتابث- أنه كان ممن أسهموا في تشكيل ما سمّاه بالحركة التأسيسية للأدب العربي المعاصر في إسبانيا فيما بين الخمسينيات والستينيات، وبهذا تكون إسبانيا قد سبقت المستعربين الغربيين في أوروبا في التعرف على الأدب العربي المعاصر.
ورغم أن بداية مونتابث كانت مع النثر، فقد ركز فيما بعد في دراساته وترجماته على الشعر العربي المعاصر، يعلل مونتابث ذلك قائلاً: «أنا أحب الشعر، أما الرواية فلا أفهمها! بل إنني أبدأ رواية، وبعد عشرين صفحة لا أحتمل الاستمرار وأتركها، كما أن لي شيئاً حميماً مع الشعر ربما لأنني كنت أكتب شعراً وأنا شاب».
ويضيف: «هناك ضرورة بالغة أكثر مما تتصورين لنقل الأدب العربي إلى الغرب، ذلك لأن 99? من الجمهور الغربي ليس له أي معرفة بالثقافة العربية، ولا يعرف شيئاً عن العالم العربي والإسلامي ومن ثم فهو يكرهه دون أن يعرفه، ويحتقره بجهالة -وللأسف الشديد- هذه الصورة النمطية عن العرب والمسلمين وربطهم بالإرهاب والتخلف مازالت موجودة، بل إنها زادت خلال السنوات الأخيرة بسبب الهجمات الإرهابية المتكررة، لذلك فإنني أرى أنه من الأمانة والواجب أن ينقل كل من احتك بالثقافة العربية إلى المجتمعات الغربية الواقع العربي الصحيح والحركة العربية والإسلامية الثقافية».
يعترف مونتابث بأنه بعد أكثر من نصف قرن قضاها في دراسة اللغة العربية والأدب العربي والإسلامي، مازال يجد صعوبة في فهم اللغة العربية على اختلاف لهجاتها في الكثير من الأماكن.