مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

الثقة بالنفس لدى الأطفال

 إن الخبرات التي يتعرض لها الطفل، ويكتسبها في السنوات الأولى من عمره، ضمن نطاق الأسرة؛ تعد من أبرز المؤثرات الأساسية في نموه الاجتماعي والنفسي.
 وتعتبر الثقة بالنفس من أهم السمات الانفعالية التي يكتسبها الطفل من البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها، ويتعامل معها. حيث يحرص الوالدان على غرسها وتنميتها في الأبناء، نظراً لكونها من الركائز الأساسية في تحقيق التوافق النفسي، وتحقيق النجاح، وبلوغ معايير التميز.
وللثقة بالنفس مظاهر ودلائل تدل على وجودها لدى الفرد، كما لها مظاهر تشير لضعف مستواها وتدنيها لديه، إلى جانب عدد من العوامل المؤثرة فيها، بالإضافة إلى المعوقات التي تمنع الفرد من بلوغها، وقد تناولتها نظريات علمية كثيرة نظراً لأهميتها، وكونها ضرورة ملحة، وقد وضع العلماء خطوات وقواعد لاكتسابها وتنميتها.
 وفي إطار تنمية الثقة بالنفس لدى الأطفال، يمكن القول إن الطفل الصغير العادي يعيش حالة الأمن والاطمئنان؛ لأن حاجاته كلها مشبعة. وحينما يقترب من عامه الثاني، ويتعلم المشي والكلام، ويزداد نشاطه، وتزداد رغبته في اللعب والصياح والحركة ولمس الأشياء وفحصها، ويكون مملوءاً ثقة في نفسه؛ فإنه حين لا يجد قبولاً أو تشجيعاً من الكبار، يؤدي ذلك إلى قلة الأمن أو انعدامه وظهور الاضطراب النفسي والقلق الداخلي وينمو الشعور بفقد السند. فكأن الانتقال المفاجئ في المعاملة، وهو يحدث غالباً في العام الثاني من حياة الطفل، ودون قصد سيئ من الوالدين؛ هو الذي ينقل الطفل من الامتلاء بالثقة إلى فقدها، ومن الإيمان بالقوة الشخصية إلى التشكك في وجودها. فيجب أن تكون القاعدة الأساسية أن الانتقال في المعاملة من السنتين الأوليين إلى ما بعدهما يكون تدريجياً، وأن يعطى الطفل الفرصة الكافية لتصريف ما عنده من النشاط في جو تتوافر فيه العوامل المحققة لحاجات الطفل النفسية، من تقدير وعطف ونجاح وحرية وتوجيه وشعور بالأمن والاستقرار.
ولتربية الطفل منذ نعومة أظفاره على الاعتماد على نفسه؛ لا بد من ترك المجال أمامه ليلعب ويلهو كما يريد، ثم إذا ما صار بإمكانه جسدياً وعقلياً تحمل أي مسؤولية أو أداء أي مهمة، فلا بد من مساعدته على أدائها، بل طلب ذلك منه بأسلوب طيب محبب إلى نفسه (فعلى سبيل المثال إذا صار بإمكان الطفل ترتيب غرفته، فلا بد من قيامه بذلك ليعتاد ذلك مستقبلاً). وحالما يتمكن الطفل من الذهاب والإياب بمفرده فمن الأفضل له ذهابه وإيابه إلى الأماكن الآمنة وحده، ومنها السوق أو المحلات التجارية، وحمله النقود بنفسه، وألا يتفرد بهذه المهام الابن الأكبر دون من هم أصغر منه، وذلك ليأخذ كل فرد حقه في تعلم الحياة عن قرب، ويخبر تجاربها بشكل مباشر، ويعرف أصناف الناس وأجناسهم، يضاف إلى ذلك تنمية إحساسه بأهميته وثقته بنفسه، ولكن على أن يتم ذلك كله تدريجياً وبأسلوب لطيف محبب إلى قلب الطفل.
ذو صلة