مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

الأحساء في الكتابات التاريخية

 

تعد المنطقة الشرقية من الجزيرة العربية منطقة استيطان بشري عبر التاريخ حيث كانت تتوسط مراكز الحضارات في العالم القديم.
وقد عرف هذا الإقليم بإقليم البحرين وعاصمته هجر حتى جاء القرامطة سنة 286هـ وبنوا الأحساء وعمروها وجعلوا منها عاصمتهم وامتد الاسم ليشمل الإقليم بأكمله وظل الإقليم يحمل هذا الاسم إلى عهد قريب حين استحدث نظام المناطق في المملكة العربية السعودية ليتحول الاسم إلى المنطقة الشرقية وينحصر اسم الأحساء على المحافظة.
1 - الأحساء في أمهات الكتب التاريخية
كانت كتابة التاريخ الإسلامي في بدايتها كتابة للسير والمغازي ثم تحولت إلى حوليات تذكر الأحداث التي تمر بالعالم الإسلامي، وكانت الأحساء إحدى هذه المحطات التي دونت المرويات التاريخية أحداثها كتاريخ متعدد الأنماط على حسب اشتغالات المؤرخ وأهدافه، ومن هذه الكتب تاريخ الأمم والملوك للطبري «ت: 310هـ» والتنبيه والإشراف للمسعودي «ت: 346هـ» والكامل في التاريخ لابن الأثير «ت: 388هـ» وتجارب الأمم «ت: 421هـ» والبداية والنهاية لابن كثير «ت: 774هـ» وتاريخ ابن خلدون «ت: 808هـ» واتعاظ الحنفا للمقريزي «ت: 845هـ».
2 - كتب تاريخ الأحساء العام
وهي تلك الكتب التي حاولت وبطريقة جادة جمع التاريخ الأحسائي وضمه في كتاب شامل، وقد تطرقت هذه الكتب إلى منطقة الأحساء ومدنها وقراها وأماكنها وحوادثها منذ القدم التاريخي حتى وقت التدوين.
وقد قدمت هذه الكتب خدمة جليلة في جمع الشتات من بطون الكتب وضمه في كتاب جامع يعطي صورة تسلسلية للوقائع والأحداث ويبين أنماط التحول والتغيير، ومن هذه الكتب كتاب تحفة المستفيد بتاريخ الأحساء في القديم والجديد لمحمد بن عبد الله آل عبد القادر الأنصاري الأحسائي والذي يتكون من قسمين، وقد تناول فيه التاريخي السياسي والعلمي والأدبي وكذلك كتاب صفحات من تاريخ الأحساء لعبد الله بن أحمد الشباط وكتاب منطقة الأحساء عبر أطوار التاريخ لخالد بن جابر الغريب وفي هذين الكتابين تكلما عن المشاريع الحديثة والتطوير الإداري والتنموي للأحساء بالإضافة لما سبق.
3 - كتب التحقيب التاريخي
أغلب هذه الكتب هي دراسات عليا ضمن مناهج تاريخية محددة وتمتاز هذه الكتب بالدقة والموضوعية في الطرح والحيادية في التحليل ومن أمثلة هذه الكتب كتاب تاريخ البحرين في القرن لأول الهجري للدكتور محمد بن ناصر الملحم حيث تكلم عن إقليم البحرين قبل الإسلام وذكر أحواله السياسية والدينية ثم تحدث عن دخول الإقليم في الإسلام والأحداث التي مر بها خلال القرن الهجري الأول. وهناك كتابات تناولت حقبة القرامطة «286-469هـ» مثل كتاب الجامع في تاريخ القرامطة لسهيل زكار وكتاب الحركة القرمطية لطادروس طراد.
ثم تلتها الدولة العيونية «469 - 636هـ» ومن كتابات هذه المرحلة كتاب الدكتور عبد الرحمن المديرس الدولة العيونية في البحرين وكذلك كتاب عبد الرحمن آل ملا تاريخ الدولة العيونية في البحرين.
ويأتي بعد هذه المرحلة كتاب الخليج وشرق الجزيرة العربية المسمى إقليم بلاد البحرين في ظل حكم الدويلات العربية «469 -963هـ/  1076 - 1555م» للدكتور محمد محمود خليل وهي دراسة تضم ثمانية أبواب وتتناول دراسة أربع دول حكمت هذا الإقليم تتابعياً وهم العيونيون والعصفوريون وآل جروان والجبور وكيف انتهت دولتهم مع قدوم البرتغاليين إلى الخليج العربي.
ومن تلك الدراسات كتاب الأحساء في القرن الثاني عشر الهجري وهو رسالة الماجستير للدكتور خلف بن ذبلان الوذيناني وقد كتب عن الأحساء كإيالة عثمانية ثم عن بني خالد وعلاقتهم مع الدولة السعودية الأولى والأحداث السياسية في الخليج ومواقف الدولة العثمانية من تلك التطورات.
يأتي بعده كتاب تاريخ الأحساء السياسي «1818 - 1931» للدكتور محمد عرابي نخلة، ويتناول فيه الاحتلال المصري للأحساء وعودة بني خالد للحكم بعد انسحاب المصريين ثم عودة الأحساء تحت الحكم السعودي. كما يتناول الوضع السياسي في الأحساء في عهد الدولة السعودية الثانية وكيف استغلت الدولة العثمانية الصراع في اضعاف الدولة السعودية واحتلال الأحساء وجعلها قاعدة للتوسع حتى عودة الأحساء إلى الدولة السعودية الثالثة في عهد الملك عبد العزيز عام 1331هـ.
ومن الكتب التي تكلمت عن حقبة الدولة السعودية الثانية كتاب مريم بنت خلف العتيبي الأحساء والقطيف في عهد الدولة السعودية الثانية «1245 - 1288هـ / 1830 - 1871م».
وهناك كتب تحدثت عن الأحساء تحت الحكم العثماني مثل كتاب الإدارة العثمانية في متصرفية الأحساء «1288 - 1331 هـ/ 1871 - 1913م» للدكتور محمد بن موسى القريني وكتاب من وثائق الأحساء في الأرشيف العثماني للدكتور سهيل صابان وكتاب الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في إقليم الأحساء «1288 - 1331هـ/ 1871 - 1913م» للدكتور حمد محمد القحطاني وكتاب الحكم والإدارة في الأحساء والقطيف وقطر أثناء الحكم العثماني الثاني «1288 - 1331هـ/ 1871 - 1913م» وهو دراسة وثائقية للدكتور عبد الله بن ناصر السبيعي.
ويأتي كتاب «فيدركو شمد فيدال» واحة الأحساء الذي صنفه عام 1952م وهو يعمل بشركة أرامكو كشاهد عيان، وهو يحمل الكثير من التفاصيل الاجتماعية والاقتصادية والآثار لمنطقة الاحساء في العهد السعودي، وقد ترجمه الدكتور عبد الله السبيعي. ومن الكتب التي أرّخت لهذه المرحلة كتاب الحياة العلمية والثقافية والفكرية في المنطقة الشرقية «1350 - 1380هـ/1930 - 1960م» وكذلك كتاب اكتشاف النفط وأثره على الحياة الاقتصادية في المنطقة الشرقية «1352-1380هـ/ 1933-1960م» وكلاهما للدكتور عبد الله بن ناصر السبيعي ويؤرخ لهذه المرحلة ويرصد التحولات والتغيرات فيها.
4 - الكتب التاريخية المتخصصة
وهي تلك الكتب التي تعالج موضوعاً جزئياً داخل تاريخ الأحساء مثل تاريخ بعض المدن والقرى مثل كتاب الجبيل قرية سعودية للمهندس عبد الله الشايب وكتاب مدينة الهفوف للدكتور محمد جواد الخرس وكتابي جواثى تاريخ الصمود وهجر وقصباتها الثلاث لعبد الخالق الجنبي وكتاب ماضي القارة وحاضرها لأحمد العيثان.
أو تلك الكتب التي تناولت أعلاماً وشخصيات مثل كتاب ملوك وحكام وأمراء الأحساء عبر التاريخ « 4000 ق. م - 1426هـ» تأليف إبراهيم حسين البراهيم وعبد الله حسين البراهيم، وكتاب أحسائيون مهاجرون للشيخ محمد الحرز، وكتاب آل عصفور أسرة حكمت الخليج مائة وخمسين عاماً للباحث التاريخي خالد النزر، وكتاب تاجر الأحساء إبراهيم بن صالح المهنا «1316 - 1397هـ» تأليف يوسف بن عبد العزيز المهنا.
وهناك كتب توثق الذاكرة الشفهية مثل كتاب أمالي الرمضان بقلم سلمان وهو محاولة جادة من الباحث سلمان الحجي في استفراغ ما في جعبة المؤرخ الحاج جواد الرمضان وتدوين ما يعلق بذاكرته وتوثيقه والاستفادة مما يحمله من معلومات خلال بحثه وقراءته وتجربته، وكذلك كتاب من الذاكرة الأحسائية للباحث أحمد بن حسن البقشي، وكتاب قاموس الأمثال والكلمات السائرة في الأحساء للمهندس عبد الله بن عبد المحسن الشايب.
5 - الأحساء في كتابات الرحالة والمستشرقين
لقد تناول مجموعة من الرحالة والمستشرقين في القديم والحديث الأحساء في كتاباتهم، وتمتاز هذه الكتابات بأنها تمثل رؤية الآخر الأجنبي للحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمنطقة وما تحمله هذه الرؤية من دلالات، ففي القديم كتب ناصر عن الأحساء في كتابه سفرنامة كما كتب عنها ابن حوقل في كتبه صورة الأرض وكذلك المقدسي في أحسن التقاسيم.
وأما في العصر الحديث فقد كانت الأحساء محطة من محطات الكتابة عند أغلب المستشرقين الذين زاروا المنطقة، ومن هؤلاء المستشرقين ف.ش. فيدال الذي كتب كتابه واحة الأحساء، كما ذكرها كل من «بلغريف» و»فيلبي» وتناولها «تشيزمان» في كتابه في شبه الجزيرة العربية المجهولة، و»هارفرد بريدجر» في كتابه موجز لتاريخ الوهابي، والطبيب الالماني «هيربرت بريتزكه» في كتابه طبيب البدو، وغيرهم من الرحالة والمستشرقين.
وقد حملت هذه الكتابات رؤية مختلفة فيها من الصواب والخطأ الكثير نتيجة اختلاف الرؤية وعدم الاطلاع الكافي ولكنها أظهرت جوانب ربما لا يراها أهل المنطقة لأنهم اعتادوا عليها ولم تشكل فارقاً نوعياً مبايناً، وهي ورغم تحاملها أحياناً إلا أنها تشكل نوعاً من تكامل الصورة ومعرفة ما حملته هذه الصورة من معان.
هذه نماذج متعددة تتمظهر فيها القراءة التاريخية لمنطقة الأحساء بصيغ وأساليب مختلفة وهي رغم وفرتها إلا أن هناك مناطق فراغ تحتاج أن تملأ لتكتمل الحلقة وتنتظم الأمور ونستخلص منها تاريخ الحضارة التي صاحبت الاستيطان البشري المبكر وظلت صامدة تعطي الدروس والعبر بثرائها وتعدديتها وسعيها الحثيث نحو إعمار الأرض بالخير والصلاح.

 

ذو صلة