تختتم الكاتبة والصحفية أسماء العبودي مسيرة عملها التربوي والتعليمي بكتاب يؤرخ للتجربة الإنسانية، في طابعها الأنثوي والنسوي، وضعته بعنوان أساسي وفرعي لاحق (أبواب ودعتها: ثلاثة عقود بين الطفولة والتعليم والمجتمع) ويشتمل على مقدمة ثم تتلو الأبواب التالية:
الباب الأول: المدرسة من الداخل
الباب الثاني: ملاذ الأرواح
الباب الثالث: الإنسان أولاً
الباب الرابع: عوالم تربوية
في مقدمة الكتاب تؤكد على ماهية تكوين المربية أو المعلمة بوصفها إنسانة تتكامل فيها القدرات والخبرات والمهارات، والتجربة الشخصية، التي تكون من وجودها في حقلها العلمي أو مجالها المهني.
ففي الباب الأول تتقدمه جملة تعريفية: (المدرسة ليست جدراناً وأسواراً وساحة، وليست فصولاً وسبورة. مجتمع صغير لكل فرد فيه حياة وثقافة وسلوك وظروف أخرى).
تتناول في هذا الباب أكثر من مسألة يمكن استعراض موادها المكتوبة على النحو التالي: غرفة المعلمات.. غرفة العمليات، الباصات الصفراء.. ذاكرة الطالبات، حارس المدرسة.. ذاكرة البوابة التعليمية، بنت المعلمة بنت المديرة.. المستبدة الصغيرة، المعلمة بين صراعات وظيفية ومجتمعية، المدرسة الابتدائية ليست مجرد مدرسة، تعلم أن تقول لا بصوت عال، تنمية التعليم النقدي في مدارس الأطفال، حماية عقل الطالب من التدجين المنهجي، حملات إدارية لتفتيش الطالبات، اجعلوا المدرسة مكاناً محبباً، إعداد الأطفال لمواجهة خطر الحياة، أيها المعلم لا تغضب، قبل أن أنسى، حصة انتظار، الرصد والتنبؤ.
تعرض في إحدى فصول هذا الكتاب (أيها المعلم لا تغضب) عن تجربتها في التعامل مع التصرفات الحادة سلوكياً ولفظياً عند المراهق تجاه المعلم، بعضها لاستعراض شخصية يبحث عنها ويباهي ببعض الانتصارات الصغيرة على حساب شخصية المعلم أمام زملائه الطلبة..
فتمنحه الكاتبة العبودي بعض الطرق لمواجهة ذلك، خصوصاً وأن المعلم ملزم من الناحية الأخلاقية ليس أمام الطلاب وأسرهم بل أمام المجتمع لكونه تخرج على يديه تلك العقول بما لها من مشاعر وتصرفات وطموحات تلتحم في الواقع الاجتماعي مع تدرج العمر ومتطلبات الحياة..
وأما في الباب الثاني (ملاذ الروح)، يمكن استعراض فصوله على النحو الآتي، وهو ما اتخذنا منه منطلق المراجعة لكونه يوحي بمحور الكتاب، وهي: سارة لا تعرف تفاصيل حياتها، قلب الأخت لا يبقى خارج التغطية، رغيف زيت وزعتر، الأمومة المسلوبة، البطلة الصامتة، قصتي مع الحافلة، خروج دون عودة، تاريخ وجغرافيا مكان، الرحمة ياسمين، إلا كسر الخواطر مع الأمهات، هكذا تنتهي الحكاية فصل واحد من 30 عاماً.
يتميز هذا الفصل بأنه يدخلنا إلى عمق الشخصيات التي تعيش في عالم المدرسة وتحمل أسرارها وتجربتها الخاصة، حيث تختلط التجارب والأوجاع كذلك الابتسامات والتنهدات، مثل سارة اللقيطة، ولطيفة الأخت، دلال اليتيمة، فوزية معلمة الاجتماعيات، وهند البطلة الصامتة.
وأما في الباب الثالث (الإنسان أولاً) يعتني بالكثير من تجارب المعلم المباشرة مع الطلبة وما يتحكم في مفاهيمه وسلوكياته المدرسية، وعناوين فصوله: لنعلمهم محبة الله، الطلاب المتنمرون وضحاياهم، أساليب التشجيع وبناء الذات، مبدع داخل عقل صغير، الاتكالي بين الاهتمام والاستقلالية، رهاب المدرسة هناك أسباب، احذروا وشاية الأطفال، مشكلة تكبر والطالب أمامها يصغر، التواصل مع الأطفال أمان وثقة، الطفل والاحترام احترمني أولاً، الطالب الساعي إلى الكمال بين الرفض والقبول، لا تقل له كن أميناً، ضعوا لهم حدوداً وكثير من الحب بينها، المراهقون والأسرة من يصل للآخر، إنهم يكبرون، لنجعل أطفالنا بعيدين عن غضبنا.
لعل من الفصول المهمة المخصصة للطلاب المتنمرين وضحاياهم، ما يضع المبضع على جرح لا يندمل في المجال التعليمي، بأن العنف اللفظي والجسدي نحمله معنا حتى نموت ما لم تتمكن الإدارة التعليمية والتوجيه التربوي من متابعة تصاعد هذه السلوكيات التي يتوجب الحزم معها.
وأما في الباب الرابع (عوالم تربوية)، وهو ختام الكتاب تتوالى الفصول لتعبر عن قلق المعلم أو الأخصائي النفسي أو الاجتماعي على الطالب بوصفه نبتة بحاجة إلى تكاتف المجتمع إلى حمايته ورعايته بعناوين مميزة: اليوم العالمي لحقوق الطفل بين الحضور والغياب، الطفولة والمواطنة أمن وانتماء، الطفل والتراث الشعبي، تصوير الأطفال واستخدامهم في أفلام ترويجية، في التربية كما في السياسة كن حازماً، ما تقدمه الوزارة أقل بكثير مما هو متوقع منها، الشجار والمنازعات بين الطلاب، مقاطع يوتيوب تساهم في اختلال الوعي، السعوديات يحررن أحلامهن.
تتنبه في هذا الباب إلى المستجدات التقنية وانعكاساتها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية على العملية التربوية، وإذا أصبح المجتمع رقيباً مباشراً من خلال ما يتداول من بعض الأحداث الخارجة من أبواب المدارس إلى فضاء المجتمع الشبكي، فهي ترصد معوقات تربوية كالاعتناء بالمرافق المدرسية، وتحقيق فترات راحة ومساحات لعب للطلاب، وأهمية المدرسة بوصفها مكاناً لتعلم الانضباط والنظام والترتيب، وتقديم التسهيلات المساعدة للمعلمين لإنجاح العملية التربوية، وتوازن نصاب الحصص المدرسية الخاصة بالمعلم، بناء علاقات مهنية وتربوية داخل المنظومة التعليمية، وتوفير دورات تنشيطية في المجال التربوي للجميع من معلمين وطلاب.
ويبقى الباب الثاني (ملاذ الروح) حافلاً بما يتجاوز الكتابة المباشرة والمعنية بقضايا الأبواب السابقة متجهاً نحو لغة السرد الأدبية بحيث تجلى فيها المعمل الاجتماعي الذي لا ينضب من الحكايات الهامشية لكنها المؤثرة والملهمة إما للتجاوز وإما لاتخاذها نموذجاً إنسانياً.
حفلت تلك الأسماء، سواء كانت مستعارة أو حقيقة، لفوزية ولطيفة وسارة وهند ودلال وأسماء بحيوات مختلفة ترسم دوائر ما بين المدرسة والمجتمع والطفولة. كأنها تحكي الكتاب بصورة مختلفة.. كأنها الكتاب بلغة أخرى.
الناشر: بلاتينيوم بوك، الكويت 2015