دأب المفكر أحمد أمين (1886 - 1954) في كتابة مقالات تدور حول مجالات الثقافة، تتناول حقولاً معرفية متنوعة: التاريخ، الدين، الفكر، الأدب، النقد، الفن، كذلك اعتنى بقضايا اجتماعية كالفتوة والشباب والرجولة، والمرأة، والمدنية، والانحطاط، والإصلاح.
وذكر في مقدمة أول جزء منها: «هذه مقالات نشر بعضها في مجلة الرسالة وبعضها في مجلة الهلال وبعضها لم ينشر في هذه ولا تلك. استحسنت أن أجمعها في كتاب، لا لأنها بدائع أو روائع، ولا لأن الناس ألحوا علي في جمعها، فنزلت على حكمهم، وائتمرت بأمرهم، ولا لأنها ستفتح في الأدب فتحاً جديداً لا عهد للناس به، ولكن لأنها قطع من نفسي أحرص عليها حرصي على الحياة، وأجتهد في تسجيلها إجابة لغريزة حب البقاء، وهي -مجموعة- أدل منها مفرقة، وفي كتاب أبين منها في أعداد».
إذن، فهو سعى على أرشفتها فأصدر أول جزء منها «فيض الخاطر- المجلد الأول» 1937، فتلاه «فيض الخاطر- المجلد الثاني» 1940، «فيض الخاطر- المجلد الثالث» 1942، «فيض الخاطر- المجلد الرابع» 1943، «فيض الخاطر -المجلد الخامس» 1944، «فيض الخاطر - المجلد السادس» 1945، «فيض الخاطر- المجلد السابع» 1947، «فيض الخاطر- المجلد الثامن» 1949، «فيض الخاطر- المجلد التاسع» 1955، «فيض الخاطر- المجلد العاشر» 1956.
إن من الملفت تتبع أن الإنتاج الملتزم، والغزير، في عشر مجلدات، لتلك المقالات والمحاضرات والشهادات والدراسات، التي انتظم في كتابتها ونشرها في مجلتي الرسالة والهلال، وكثير منها لم يسبق نشرها من قبل، تكشف أنها تداخلت مع مشروعه «موسوعة الحضارة العربية الإسلامية» الذي أطلقه منذ عام 1929 بـ «فجر الإسلام» ثم ثلاثة مجلدات بعنوان «ضحى الإسلام» في أعوام متوالية (1933 - 1935 - 1936)، فتوالت مجلدات ستة لـ «فيض الخاطر» (1937 - 1945)، ثم استكمل أربعة مجلدات من موسوعته «ظهر الإسلام» 1945 فأصدر مجلداً سابعاً «فيض الخاطر» 1947، وجمع من مواد الخامس والسابع مادة كتابه التالي «زعماء الإسلام في العصر الحديث» 1948، ثم أصدر المجلد الثامن من فيض الخاطر 1949.
ومن المجلد الرابع طور مادة محاضرة «الفتوة في الإسلام» 1937 لتصبح كتاباً بعنوان «الصعلكة والفتوة في الإسلام» 1951، واتخذ من المجلد الثاني 1940 مادة كتابه «الشرق والغرب» 1955.
واستكمل نشر كتبه ما بين عامي 1951 - 1952، «المهدي والمهدوية» 1951، «هارون الرشيد» 1951، «إلى ولدي» 1951، فأصدر ختام موسوعته «يوم الإسلام» 1952، و»النقد الأدبي» 1952، و»علمتني الحياة» 1953، و»قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية» 1953، وسيرته الذاتية «حياتي» 1955 وفي ذات العام صدر المجلد التاسع من فيض الخاطر 1955، وبعد وفاته صدر المجلد الأخير -أي العاشر- عن مطبعة النهضة المصرية 1956.
لعل هذه المقالات والمحاضرات والدراسات تمثل الكثير مما يمكن تسميته ورشة أحمد أمين التي يعمد فيها إلى عصف الذهن واستخراج الفكرة وتقليبها، أو بقوله: «بعض المقالات وليد مطالعات هادئة، وبعضها نتيجة عاطفة مائجة، وكلها تعبيرات صادقة». ومنها يتجه نحو إنضاجها لتكون مادة كتاب، وهذا ما حدث مع أكثر من مقالة ومحاضرة.
ويضع تعليقاً مهماً حول مجمل هذه الأعمال النثرية في فن المقالة، وما جد حينها من محاضرات ودراسات بقوله: «أصدر كاتب في نظري من احتفظ بشخصيته، وجعل أفكاره وعواطفه تمتزج امتزاجاً تاماً بأسلوبه، وخير أسلوب عندي ما أدى أكثر ما يمكن من أفكار وعواطف في أقل ما يمكن من عسر وغموض والتواء، وراعك بجمال معانيه أكثر مما شغلك بزينه لفظه، وكان كالغانية تستغني بطبيعة جمالها عن كثرة حليها».
يا لها من ورشة لأحمد أمين لو علم كتاب كل زمن قادم.
المطبعة: مطبعة التأليف والترجمة والنشر 1937 – 1956