لما أشرقت شمس الأغنية الشعبية في ستينات القرن الماضي في المملكة العربية السعودية، وأخذت في الانتشار عبر الإذاعة والأسطوانات وأشرطة الكاترج والكاسيت؛ لم تكن تبوك في معزل ثقافي عن هذا الكيان الكبير الذي يربطها بالمدن الأخرى، بل ظهرت الأغنية الشعبية فيها لكي تعبر عن إحساس المجتمع ووجدانه وأفراحه ضمن الوظائف التي تؤديها. وكان أول حضور لها في السبعينات الميلادية من خلال بعض الأصوات الشابة والنشطة التي ظهرت في ذلك الوقت مثل: (عبيدالله خيرالله، سالم أمان، محمد أبوقاسم، محمد بكري.. وآخرين)، وهم الذين كان حضورهم شائعاً في جلسات الطرب والأفراح والمناسبات الاجتماعية التي تقام في أحياء جنوب تبوك (أم درمان، الخالدية، المنشية، حي البلدة) والتي تمثل المجتمع المحلي لمدينة تبوك آنذاك. وأدى ذلك إلى سرعة انتشار وتقبل الأغنية الشعبية فيها، وأيضاً الفعاليات الرسمية في الأندية الرياضية مثل النادي الوطني ونادي الصقور وبعض الفعاليات المدرسية. وفي الثمانينات الميلادية ومع انتشار محلات التسجيلات الفنية، وبيع الكاسيت في (سوق سويقة) التي سهلت للفنانين تسجيل أغانيهم دون أي تكلفه؛ ظهر لنا جيل جديد من المطربين مثل: (فهيد البيشي، كمال حمدي، فايز سعد، إبراهيم حمد، فتى تيماء، محمد المتروك، عبدالهادي سليمان، سليم السالم، حسن الحساوي.. وآخرين)، وبذلك انتشرت الأغنية من خلال جلسات الطرب، وأخذ الناس يتداولونها بينهم ويرددونها في أفراحهم، وبدأ مجتمع تبوك يتعرف على مبدعيه الجدد. ورغم أن هذه الأسماء الغنائية لم تتوافر لها كافة الإمكانات التقنية والمتطورة حديثاً؛ إلا أنها استطاعت أن تُثري المشهد بأغانٍ جميلة تنسجم مع وجدان المجتمع آنذاك. وكان لافتتاح (مؤسسة سبأ)، وهي أول مؤسسة معنية بالإنتاج الفني والتوزيع في تبوك في عام 1986م؛ دوراً ريادياً في انتشار الأغاني التبوكية، وإثرائها محلياً، حيث تغنى في أستوديوهاتها المطربون التبوكيون بنصوص شعرية لعدد من شعراء المنطقة مثل سليمان الحمد، محمد سعد العرادي، متعب المطلق وعبدالله النايف.. وآخرين. ورغم أن الأغنية السعودية في أواخر الثمانينات واجهت عدة صعوبات في ظل ارتفاع وتيرة التشدد آنذاك ضد الموسيقى؛ إلا أن الأغنية في تبوك ازدهرت وحافظت على بقائها ونشاطها، ويعزى ذلك إلى التركيبة الاجتماعية التي أوجدت غنىً ثقافياً وقبولاً للفن من جهة، ولكثرة التسجيلات الفنية والغناء المصاحب للأفراح والمناسبات الاجتماعية من جهة أخرى.
ملامح البيئة الاجتماعية في الأغنية
إن خصوصية المكان وملامح بيئته المحيطة به يمكن تلمسها بشكل واضح من خلال الأعمال الإبداعية، سواء أكانت فناً (مسرح، موسيقى، فلكلور) أم أدباً (شعر، قصة، رواية)، من خلال المنتج الثقافي الذي يقدمه أبناء المكان للتعبير عن شعورهم وعن أنفسهم وذواتهم. وفي هذا السياق ظهر عدد من الأغاني التي وظفت المكان والتقنية، وتناولت عدداً من الموضوعات والظواهر الاجتماعية والعادات والتقاليد وحياة الإنسان في تبوك وموروثه. وحول ذلك نقتفي بعض النصوص الغنائية ونستشف منها المكان والحي القديم في تبوك والأسواق الشعبية والمجتمع الصغير. حيث ظهرت أغانٍ تصور لنا ذلك، ومنها أغنية للمطرب (عبدالهادي سليمان) يقول مطلعها:
خذت عقلي عنود الفيصلية
يوم تمر بالسوق الجديد
تمر بحينا كل اضحويه
وتجبرني على قاف القصيد
ادور الأخويا والصالحية
أدله خافقٍ همه يزيد
kkk
ولأن التقنية الحديثة كانت هاجس الناس واهتمامهم آنذاك، ومع إقبال المجتمع في تبوك على اقتناء كل ماهو جديد؛ ظهر الهاتف، وانعكس هذا الطارئ الحديث على العديد من الأغاني التي شاعت بين الناس، وأخذت تتناقل شفاهياً، وقام بعض الشعراء الغنائيين بتوظيفها وسيلةً يستجدي بها الشاعر محبوبته بالتواصل عبر الهاتف، ومثال ذلك أغنية للمطرب فتى تيماء تقول:
يابنت خطك قلت لا تشغيلنه
واذا انشغل خطك ترى حبنا ضاع
انا افتكرت ان حبنا تحفظينه
كيف حبنا صاينه بين الأضلاع
ياللاسف لا دقّ لا تقفلينه
سماعتك دايم على روس الاصباع
وأيضاً في أغنية (تتصل) للمطرب فايز سعد يقول مطلعها:
تتصل ما تتصل
هاتفي غيرت رقمه
انتهينا
ما نبي منك اتصال
kkk
وأيضاً من موضوعات الأغاني ما كان يلامس قضايا المجتمع واهتمامات الناس آنذاك، وبعض الظواهر الاجتماعية التي تشكل خطراً يهدد النسق الاجتماعي، مثل ظاهر تأخر الزواج والعضل. فشاعت أغنية جميلة بعنوان (قالوا تزوج) للمطرب فايز سعد والتي كانت تحث الشباب على الزواج، وكان يقول مطلعها:
قالوا تزوج وش بقى في سنينك
زهرة شبابك روحت شوف عينك
ربعك كرُم ومنهم من يعينك
قلت الزواج اليوم ما ابغاه ما ابغاه
قالو علامك ترفضه في حرارة
وش السبب نبغى صريح العبارة
kkk
وأما الرفيحي، وهو أحد الفلكلورات التي يؤديها أبناء الساحل بمنطقة تبوك في المناسبات؛ فقد أثر لحنُها على بعض الأغاني التي يؤديها بعض مطربي تبوك ونسمعها في أغنية (دليل الوفاء) للمطرب نديم الشاطئ:
إلى نامت عيوني
ذكرتك بالأحلام
تسري بي الأحلام
ديره بعد ديره
أصوات غنائية
وفي إطلالة سريعة على بعض الأصوات التي أثرَت الأغنية الشعبية في تبوك على مدار عقدين من الزمن: (كمال حمدي، فهيد البيشي، محمد المتروك، إبراهيم حمد، فايز سعد، محمد مرزوق، إبراهيم مرزوق، عبدالهادي سليمان، حسن الحساوي، أحمد سعد، عبدالله سليم)، ومن الأصوات أيضاً التي ظهرت ولكن بأسماء مستعار: الأسير، فتى تيماء، نديم الشاطئ.