الكثير من الناس وبخاصة العرب لا يعرفون من هم العرب، ولماذا سموا بهذا الاسم؟! وعلى الرغم من بساطة السؤال؛ إلا أن الإجابة عنه ليست سهلة كما يعتقد البعض، فقد استغرقت سنوات من البحث والتدقيق لنصل إلى ما توصل المؤرخون وعلماء اللسانيات إليه، وهذا مختصر من جهدهم عسى أن نصل إلى إجابة شافية لهذا السؤال ولعلامة التعجب تلك.
فالعرب فرع من فروع الشعوب السامية، عاشت وترعرعت في الوطن العربي بشقيه الآسيوي والأفريقي، وفي الساحل الشرقي لأفريقيا، وعاشت كأقليات في تركيا وإيران ودول المهجر كالأمريكيتين وأوروبا، وأيضاً في كينيا وتشاد. واحدهم عربي، ويتحدد هذا المعنى على خلفيات، إما: عرقية (وهي فئة من الناس يعرفون بعضهم البعض على أساس أوجه الشبه مثل السلف واللغة والمجتمع والثقافة أو الأمة)، أو لغوية (لتحدثهم بلغة واحدة هي العربية، وبقدرة أطفالهم على تعلمها بسهولة ويسر)، أو ثقافية (كالفن من شعر ورسم ونحت ورقص.. وغيرها)، وسياسياً العربي هو كل شخص لغته الأم العربية ووالده عربيان.
معظم علماء الأنساب والإخباريين صنف الشعوب العربية في طبقتين: بائدة وباقية. ويقصد بالبائدة: القبائل العربية القديمة التي كانت تعيش في شبه الجزيرة العربية، ثم بادت قبل الإسلام، وانقرضت أخبارها لسببين: الأوّل هو تغيّر المعالم الطبيعية الناتج عن الرمل الزاحف الذي طغى على العمران القديم في أواسط شبه الجزيرة العربية، وفي الأحقاف في الجنوب. أما الثاني فهو ثورات البراكين وما ترتّب عليها من تدمير المدن. ويُطلق على هذه الطبقة اسم (العاربة)، إما بمعنى الرساخة في العروبية أو المبتدعة لها بما أنها كانت أوّل أجيالها، وتُسمّى بالبائدة بمعنى الهالكة؛ لأنه لم يبق على وجه الأرض أحد من نسلها، وهي تعتبر مادة العرب وأرومتها، وأقدم طبقاتها وأوّل من تكلّم بالعربية، وقبائلها هي: عاد، وثمود، وعمليق، وطسم، وجديس، وأميم، وجاسم، وقد يضاف إليها: عبيل، وجرهم الأولى، ودبار، ويرجع نسبهم إلى سام بن نوح. أما العرب الباقية والتي تسمى بالمتعربة والمستعربة، فينسبها الإخباريون إلى نبي الله إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام. وهناك بعض الإخباريين والنسابين العرب ينسبونهم إلى يعرب ويعرب من ولد قحطان وقحطان من نسل إسماعيل، وكلا الأمرين لا يمكن إثباتهما من الناحية التاريخية. أقدم ذكر للفظ عرب في التاريخ يعود لنص آشوري من القرن التاسع قبل الميلاد، وحسب نظرية أكثرية الباحثين فإنه يعني أهل البادية، في اللغة الآشورية وعدد من اللغات السامية الأخرى، والبادية المقصودة هي بادية الشام في جنوب الهلال الخصيب، وامتدادها، والهلال الخصيب هو مصطلح جغرافي أطلقه عالم الآثار الأمريكي جيمس هنري برستد على حوضي نهري دجلة والفرات والجزء الساحلي من بلاد الشام، هذه المنطقة كانت شاهدة لحضارات عالمية، وأهمها العصر الحجري الحديث والعصر البرونزي حتى ابتداء الممالك والمدن في جنوب الرافدين وشمال جزيرة الفرات العراقية وغرب الشام، لتشمل اللفظة شبه الجزيرة العربية برمتها، والتي دعيت منذ الحقبة الإغريقية باسم العربية وباللاتينية Arabia بمعنى بلاد العرب، وهناك من يقول العرب اسم علم للشعب في البدو والحضر، لا مضارب القبائل فحسب. بكل الأحوال فإن أقدم مملكة عربية حضرية غير مرتحلة هي مملكة لحيان في القرن الرابع قبل الميلاد، وأيضاً مملكة كندة في القرن الثاني قبل الميلاد؛ مع الإشارة لكون حضارة اليمن القديم، الزراعية وغير المرتحلة بالأساس قد صنفت بشكل حضارة سامية مستقلة، أو أفرد لها تصنيف فرعي خاص هو عرب الجنوب خلال الازدهار الفكري في العصر العباسي، والمتأخر زمنياً عن نشأة المصطلح، قالت المعاجم إن عربي تعني غير أهل البادية، وإنّ أهل البادية يدعون أعراباً.
قسم المؤرخون تاريخ العرب حتى يومنا هذا إلى قسمين، قبل الإسلام وسمي (جاهلية)، و(بعد الإسلام) الذي تمكن فيه العرب من سيادة إمبراطورية واسعة ومزدهرة حضارياً، وبخاصة في العهد الأموي، سواء في دمشق أم الأندلس، والعهد العباسي، خصوصاً العهد العباسي الأول وحاضرته بغداد. هذه السيادة أفرزت أنماطاً حضارية غنية، وتمازجت مع الشعوب الأخرى المعتنقة للإسلام، وانتشر الاستعراب في عدة أقاليم أهمها الهلال الخصيب، وشمال ووسط وادي النيل، والمغرب العربي، والأحواز، وبشكل أقل سواحل القرن الأفريقي، وتعرف هذه الأقاليم باسم الوطن العربي، ويعود لمرحلة النهضة العربية في القرن التاسع عشر، بروز ملامح الهوية العربية المعاصرة.
أصل التسمية
هناك العديد من التفسيرات لأصل تسمية العرب بهذا الاسم، نذكر منها:
1 - أن كلمة عرب منسوبة إلى يعرب بن قحطان ومشتقة من اسمه، كونه أول من تكلم بهذا اللسان العربي كما ذكر في علم اللسانيات، ولقد تعلم العربية إخوته وأبناء عمومته منه، وهم كانوا قد تركوا بابل ليقيموا باليمن، وهؤلاء هم القحطانيون. ويذكر العدنانيون أن أول من تكلم العربية الخالصة الحجازية التي نزل بها القرآن الكريم هو النبي إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام، وكان عمره آنذاك أربعة عشر عاماً، وهو جد العرب المستعربة.
2 - أن كلمة عرب مشتقة من الفعل يعرب أي يفصح الحديث، وأصبحت تدل على العرب كجنس لفصاحتهم في اللسان، فيقال: رجل معرب إذا كان فصيحاً أو رجلاً عربي اللسان.
3 - يقال إنهم سموا عرباً نسبة إلى بلدهم (العربات)، وعربة هي مكة، وباحة العرب، ودار أبي الفصاحة إسماعيل بن إبراهيم، وقال الكتاب: وأقامت قريش بعربة فتنخت بها، وانتشر سائر العرب في جزيرتها، فنُسبوا كلهم إلى عربة؛ لأن أباهم إسماعيل بن إبراهيم، نشأ وربّى أولاده فيها، فكثروا، فلمّا لم تحتملهم البلاد انتشروا، وأقامت قريش بها.
4 - أن كلمة (عرب) مُشتقة من أصل سامي قديم بمعنى (الغرب)، فقد أطلق سكّان بلاد ما بين النهرين اسم (عريبي) على الأقوام الذين كانوا يقيمون في البادية الواقعة إلى الغرب من بلادهم، وهي بادية العراق والمسماة بهذا الاسم. ويرى بعض الباحثين المحدثين أن كلمة (عرب) مشتقة من الكلمات العبرية التالية ذات الصلة بالبداوة والبادية: (أرابا)، وتعني الأرض الداكنة، أي المغطاة بالكلأ، ويُشير هذا المعنى إلى حالة اجتماعية قائمة على التنقل والترحال وراء موارد العشب، أما: (إرب)، ومعناها الحريّة وعدم الخضوع لنظام ما، وهذه من صفات البدو. أما: (عابار)، بمعنى التنقل من مكان إلى آخر، وقد ارتبط هذا المعنى بالبداوة من واقع أن العرب أنفسهم استعملوا هذه اللفظة ليميزوا البدو من سكان المدن والقرى الناطقين بالعربية. أما: (عرابة)، بمعنى الجفاف والصحراء، ومنها تسمية وادي العربة الممتد من البحر الميت إلى خليج العقبة.