أضع فيك الثقة الكاملة، أطلب منك أن تقرر مكاني، أرى أنك الأقدر على حل المشكل الذي أوقعت نفسي فيه، وأن تجاربي غير كافية حتى أستطيع إيجاد حل مناسب.
أسأل بعفوية: أي الطريقين سأسلك؟ أيهما أنسب وأحسن؟
أنا حائر في الاختيار، عاجز، غير قادر على الحسم، وأخذ القرار.
أستفسر كل الأصدقاء، وتزيد ورطتي في الاختيار، أضيع وسط البدائل الكثيرة، أضيع وكأنني في مفترق الطرق، أنتظر بلهفة من يأخذ بيدي ويصطحبني إلى وجهتي.
أبحث دوماً عن شخص آخر يأخذ القرار أو يقوم هو بالاختيار. أتصل بمن أعرف ومن لا أعرف، ولا أعرف في النهاية ما الذي سيحل بي. أطلب المزيد من المعلومات والتأكيدات علّها تخفف من توجساتي وما تجوب به نفسي من تساؤلات.
أسئلة تقض مضجعي.. تحجب عني الرؤية وكأن في عينيّ غشاوة تجعلني في مهب الريح بين مد وجزر، ناسجة بأصابع الحيرة نقاباً من اليأس والقنوط، أشعر بالقلق وعدم الارتياح خوفاً من ارتياد المجهول. تستولي هذه الخواطر على نفسي وتستحوذ عليّ وتطوقني من كل الجوانب، تملأ صدري بأوجاع التأمل، ومرارة التفكير. تجعلني محاصراً فاقداً بوصلة الاختيار.
أصرح لكل من يعرفني أن ترددي هذا فوّت عليّ فرصاً ذهبية، يصعب أن تتكرر: عقد عمل، بدء مشروع، اقتناء سيارة، بقعة أرض، اجتياز مباراة.. بل حتى في قضاء العطلة الصيفية.
أنشغل كثيراً بالتفاصيل وأعيد النظر فيها مرات متتالية بلا نهاية، ثم لا أجد في نفسي القدرة على اتخاذ القرار، فأميل إلى التأجيل مرة واثنتين. هناك من يشك أنها سذاجة متعمدة أو هي حسن نية مفرطة مبالغ فيها، نصحني أكثر من شخص بضرورة خلق ثقة بيني وبين نفسي وبعدم الاتكال دائما على الآخرين في قضاء حوائجي، ومنهم من نصحني بأخذ زمام الأمور وجرأة المبادرة، ومنهم من يحثني على التوكل على الله وطلب الاستخارة.
لاحظت أن تصرفي هذا يفقدني احترام الآخرين، يجعلني محط سخرية وتهكم، أصبحت مضرب الأمثال في التردد، سلوكي هذا يزعج القريب قبل البعيد، رفاقي ملوا من كثرة تساؤلاتي واستفساراتي التي تكشف مدى توجسي وترددي بين الإقدام والإحجام، أفقدهم الواحد بعد الآخر، يتوارون عن الأنظار، ينسحبون ببطء كما تنسحب الشمس وقت المغيب. أبقى وحيداً تائهاً في ظلمة الاختيار.