فقدت الرواية المصرية أحد أعمدتها، الكاتب المصري عبدالوهاب الأسواني، عن عمر يناهز 85 عاماً، يوم 3 يناير 2019، بعد أن ترك إرثاً مهماً من نصوص سردية ما بين الرواية والقصة، نسجها على مدار نصف قرن عبر مشروع روائي جدير بالاحترام والتقدير. ونعاه اتحاد الكتاب المصريين في بيان: (تعلم الراحل منذ الصغر أهمية قراءة الآداب والفنون، فأصبح أحد أبرز كتاب القصة والرواية، رحل الأديب والمثقف الكبير بجسده ولكن تظل أعماله باقية خالدة تؤثر في الأجيال القادمة).
كان الأسواني مثقفاً عصامياً وروائياً من طراز خاص. ساهم في تكوينه الأدبي الجنوب المصري بامتداداته الأفريقية وجذوره العربية والحجازية، ومدينة الإسكندرية بامتدادها الأورومتوسطي. ولد عبدالوهاب محمد حسن عوض الله في قرية جزيرة المنصورية بمحافظة أسوان في 1934، حيث عاش طفولته، وكون مخزوناً حكائياً نابعاً من أصالة أهل أسوان واحتكاكهم بالأساطير والمخيال الأفريقي، بينما ساهمت الثقافة السكندرية بروافدها الأوروبية على صقل آفاقه ومخيلته، كل ذلك منحه روائياً بعداً جمالياً في الكتابة، يرتكز فيه على المكان وعالميته عبر تصوير تأثيره على السلوك البشري.
عرف الأسواني مثقفاً موسوعياً، وبخاصة في مجال التاريخ، حيث كان يقضي أوقاته منذ نعومه أظافره في قراءة كتب التراث العربي والتاريخ. انخرط في الوسط الثقافي بالإسكندرية مع القاص الفذ محمد حافظ رجب. وبعد أن فاز بمسابقة في الرواية عن (سلمى الأسوانية) شجعته سهير القلماوي التي كانت مسؤولة عن هيئة الكتاب آنذاك؛ حين أمرت بطباعتها، ليقرأها فيما بعد القاص الكبير يحيى حقي رئيس تحرير مجلة (المجلة) آنذاك، ويساعده في الحصول على منحة تفرغ ليتمكن من كتابة عمله الثاني، وكان حريصاً على حضور ندوات نجيب محفوظ. وقد انخرط في مهنة الصحافة، واعتبر أن لها أثراً كبيراً في تكوينه المعرفي، كتب في عدة صحف ومجلات، منها: (المجلة العربية) و(الإذاعة والتلفزيون) و(الفيصل). كما كتب المقالات والسيناريو، وتحولت بعض أعماله لمسلسلات تلفزيونية، ومنها (ورد النيل) و(اللسان المر) و(العطش) و(الأذان في مالطا).
كان الأسواني يؤمن بأن الكتابة احتجاج، وأنه لا يصنع الفن العظيم سوى ألم عظيم، واعتبر أن أعظم أعماله كانت ملاذاً له للخروج من أزمات مر بها، أما كونه ينتمي إلى جيل الستينات الذي عايش نكسة 1967؛ فقد كان يعتبرها من حسن الحظ؛ كونها أشعلت بداخله دوافع للكتابة الاحتجاجية.
بالرغم من قلة إنتاجه الروائي إلا أنه حصل على 11 جائزة منها جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 2011.
ترك الأسواني بصمة أدبية فريدة عبر أعماله، ونذكر منها: (ابتسامة غير مفهومة) و(النمل الأبيض) و(شال من القطيفة الصفراء)، و(وهبت العاصفة) و(اللسان المر) و(ابتسامة غير مفهومة) و(أخبار الدراويش) و(كرم العنب) و(إمبراطورية حمدان). كما أصدر الراحل عدة مجموعات قصصية، منها (مملكة المطارحات العائلية) و(للقمر وجهان).
تميزت أعماله بقوة الحبكة والبناء الروائي المحكم المتجدد. وبالرغم من عدم تنوع فضائه الروائي إلى أنه اتكأ على العودة للتاريخ لتقديم مقاربات ماكرة على الواقع، ليقدم شخوصاً وأبطالاً متفردين في مسلكهم بحس ساخر مثقل بعمق التحليل.
كما كتب مجموعة كتب تاريخية للناشئين، عن الصحابة وأشهر الشخصيات في التاريخ الإسلامي، منها: خالد بن الوليد، أبو عبيدة بن الجراح، الحسين بن علي بن أبي طالب، بلال مؤذن الرسول، عمرو بن العاص. وذكر في آخر حواراته الصحافية أنه كان بصدد كتابة رواية تحمل اسم (جوليا اليونانية).