توني موريسون التي توفيت مؤخراً عن عمر ناهز 88 عاماً، كاتبة أمريكية من أصل أفريقي، وواحدة من النساء القلائل اللائي حصلن على جائزة نوبل للآداب في 1993 بفضل رواياتها التي تتميز بعباراتها القوية ومضامينها الشعرية، وملامستها لجانب أساسي من الواقع الأمريكي. تؤكد موريسون على أهمية اللغة ككائن حي يطوعه الفرد، أو عمل يتحمل عواقبه المحتملة.
في بداية مسيرتها الأدبية، كانت موريسون تشرف على تحرير كتب لمؤلفين آخرين، ولكنها أدركت النقص الكبير في الروايات التي تتحدث إلى القراء السود مثل أعمالها، وأولها رواية (العين الزرقاء) (1969) التي تصور المعاناة النفسية والاجتماعية للنساء الأمريكيات من أصول أفريقية، والرجال على حد سواء، كما كشفت الستار عن صدمة العبودية وعواقبها الاقتصادية والنفسية في القرن التاسع عشر وبعده. ويرى العديد من القراء والنقاد على جانبي المحيط الأطلسي أن أعظم عمل لتوني موريسون كانت رواية (أن تكون محبوباً) (1987)- أول رواية في ثلاثية تستكشف أحداث بلدة أمريكية صغيرة سوداء وتؤرخ لتطور مجتمعات حضرية على مدار 150 عاماً مضت. ويستند العمل إلى حادث واقعي كشفت عنه أثناء إعداد مجموعة تاريخية بعنوان (الكتاب الأسود) (1974)، تفضح فيه الآثار الرهيبة للعبودية، بوحشيتها، وتجردها من الإنسانية، على أمّ شابة اضطرت لقتل طفلها حتى لا يستعبده سيد أبيض نجحت في الهروب منه.
كتب ميشكو كاكوتاني، في صحيفة نيويورك تايمز، إن رواية (أن تكون محبوباً) تمتلك قوة وتأثير الأسطورة، تبدو شخصياتها، على غرار ما نجده في الأوبرا أو الدراما اليونانية، أكبر من الحياة، أما تصرفاتهم فترسخ في أذهاننا كتعبيرات قديمة للطقوس والعواطف. لكن وصف الرواية بهذه العبارات فقط هو تقزيم لقيمتها، فهذا العمل أيضاً ظل متأصلاً بشكل دقيق في الواقع الأمريكي- واقع التاريخ الأسود كما حدث في أعقاب الحرب الأهلية. وقد حصلت رواية (أن تكون محبوباً) على جائزة Pulitzer للخيال في عام 1988، ولكن ليس قبل نشر خطاب موقع من أكثر من أربعين كاتباً وباحثاً من السود البارزين في أمريكا شجبوا فيه عدم الاعتراف بهذه الرواية المهمة. ومع ذلك، اعتبر الناقد في نيو ريبابليك، ستانلي كراوتش؛ بأن الرواية كانت تحمل أسلوباً متكلفاً حد الابتذال في بعض الأحيان. كان كراوتش من بين النقاد السود الذين رفضوا منح جائزة نوبل بسبب ارتباطها بتقليد أدبي أوروبي بدلاً من تقاليد أمريكية أفريقية.
وبعد خمس سنوات، نشرت توني موريسون رواية (حب) (2003)، قصة عائلية تحمل بعض أوجه التشابه مع رواية أغنية سليمان من حيث أنها تنسج قصتها حول التأثير الدائم للبطريرك الأسود ورجل الأعمال الثري، Bill Cosey، صاحب منتجع وفندق Cosey، الذي كون ثروته من حاجة السود إلى منتجع لقضاء عطلتهم في أمريكا العنصرية. تصبح شخصيته محور الأجيال المختلفة من شوق المرأة للأب والزوج والوصي والصديق. وقد أشار بعض النقاد بحذر إلى التشابه المثير للإعجاب بين اسم بطل الرواية والفنان الأمريكي المليونير بيل كوسبي.
لم تسعَ موريسون إلى تغيير محتوى وجمهور رواياتها، بل كانت ترغب في كتابة قصص مرجعية ومسلية، (لا تُستهلك أو تُلتهم كوجبات سريعة)، وفي الوقت نفسه لضمان أن تحظى هذه القصص وشخصياتها بقاعدة تاريخية وثقافية قوية. كما كانت تشبّه كتابتها وأسلوبها بالموسيقى التي يمكن أن يتغير فيها التذوق في جلسة استماع ثانية، وهي ذات طابع وبنية ونغمة أمريكية أفريقية على وجه التحديد.
وقد شجع والداها اهتمامها المبكر بالأدب الذي شمل أدباء كباراً على غرار أوستن وفلوبير وتولستوي. ولكن الاهتمام بالرواية والتقاليد الأمريكية الأفريقية كان أيضاً بدعم من والدها، الذي روى لها القصص والحكايات التي سمعها عندما نشأ في الجنوب. تخرجت توني موريسون من مدرسة لورين الثانوية ودرست العلوم الإنسانية في جامعة هوارد في واشنطن العاصمة، وهي أعرق جامعات السود التي تأسست في القرن التاسع عشر. وفي عام 1989، بعد نجاح روايتها (أن تكون محبوباً)؛ عُيّنت موريسون أستاذاً للعلوم الإنسانية بجامعة برينستون. كانت أستاذاً زائراً في جامعة ييل وكلية بارد، وأدركت أن التدريس والاختلاط بالشباب طريقة مهمة (لمواكبة العصر وتجديد الفكر). نشرت سلسلة محاضرات ماسي لعام 1990 في جامعة هارفارد تحت عنوان (اللعب في الظلام: البياض والخيال الأدبي) (1992) واستكشفت حضور (الفرد الأفريقي الأسود) في أعمال بو، وهاوثورن، وميلفيل، وكاثر، وهمنغواي.
وبعد مرور خمسة وعشرين عاماً، أي بعد أشهر قليلة من انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، نشرت موريسون كتاب (أصل الآخرين) (2017)، كان عبارة عن مقالات عن (أدب الانتماء) استناداً إلى محاضراتها التي ألقتها في جامعة هارفارد عام 2016. ثم درست الطرق التي يتم بها التأسيس لفئات أخرى وتعزيزها في الأدب ووسائل الإعلام والخطابات اليومية لنزع الإنسانية عن من يخالفهم من الآخرين. كما قامت بتحليل كتب الخيال لكتاب من قبيل فلانيري أوكونور وهارييت بيشر ستو وآخرين، لتفكيك أساسات بناء العرق الأبيض وتمجيده.
وفي عام 1986 عرضت مسرحيتها Dreaming Emmett (إيميت الحالمة) لأول مرة بالإضافة إلى إصدار نسخة من فيلم (أن تكون محبوباً)، من إخراج جوناثان ديم، وتأليف ثلاثة كتاب آخرين، وبطولة أوبرا وينفري في عام 1998. وقد عرضت أوبرا بعنوان (مارغريت غارنر)، تستند إلى نفس القصة مع ليبريتو ومن تأليف موريسون وموسيقى الملحن الأمريكي ريتشارد دانييلبور، لأول مرة في أوهايو في عام 2005، ولاقت قبولاً وملاحظات إيجابية. كما كتبت موريسون كلمات عدة أغاني على غرار أغنية أندريه بريفين بعنوان (أنا والعسل) (1992). وفي عام 2011، عملت مع مدير الأوبرا بيتر سيلارز والمغني المالي روكيا تراوري لكتابة ما عرف بـ Desdemona - وهي مزيج من الكلمات والأغاني والموسيقى بثت لأول مرة في فيينا.
وقد حصلت الروائية توني موريسون في 2012 على ميدالية الحرية الرئاسية من الرئيس أوباما. ونشرت في فبراير من هذا العام العديد من المقالات والخطب التي تكشف عن تاريخ طويل من الاستعباد ومخلفاته، وركزت على دور اللغة ومسؤوليات الكُتّاب، وأزمة الكاتب الذي يرغب في أن يكون (كاتباً واعداً) ولكنه مقيد بفئة أو أسلوب معين. إن ما جعل توني موريسون التي توفيت في 5 أغسطس 2019 كاتبة عظيمة هو أن في معظم كتاباتها قوة غير محدودة، ولكلماتها صدى معاصر، تكشف الحقائق بشجاعة لا تقبل المساومة، وتبحر في غضب لا ينتهي لكنه يكاد ينطق بالأمل.