ابتكر الفنان (مروان العريضي) تصاميم هندسية ذات طابع زخرفي إسلامي يعزل البصر عن الشوائب. إذ اعتمد على التنوع في الأنماط والألوان، وبتفاصيل تمنح الخط إضاءة موصولة بالزخارف الممتدة على مساحات حددها قرآنياً مع كل آية، وبتطور هو امتداد لنوع الزخرفة والخط، وتحديث يعبر عن المجتمعات العربية، وامتدادها إسلامياً ضمن ثوابت هندسية ذات وحدات أساسية يتم رسمها وفق تقنيات ثنائية الأبعاد وثلاثية الأبعاد بشكل خاص دون رتابة في التكرار الإيقاعي للزخرفات ونهجها التي تجمع بين القديم والجديد في بوتقة الابتكار، وفق تقنيات حديثة تحمل الكثير من المعاني الجمالية. وتعتبر من الفنون الإسلامية، خصوصاً المعروفة منها تبعاً لأشكالها وقواعدها التي انطلق منها العريضي مستهدفاً الوعي وقوة الإيحاء، والأصالة العربية في هذا العالم الزخرفي وتصاميمه التي تم تنفيذها باليد على شاشة الكمبيوتر بتصميمات تم تنفيذها تقنياً وفق تطورات الخط رقمياً، وبدقة ذات خيارات تفصيلية تدرجت الألوان معها بتكرار غير تقليدي وبمؤثرات خلاقة مزجت مع عدة طبقات لونية أخرى. فهل استطاع العريضي اللعب على الخط واللون من خلال الآية نفسها ومعانيها، أم هي ابتكارات لمنح كل سورة قرآنية قيمة جمالية خلاقة يدخل من خلالها القرآن الكريم إلى متاحف العالم بقوة جمالية تم تنفيذها خلال سنوات عبر (مقومات برامج الرسم الرقمي المبنية على أسس تطورت معاً، للتمكن من نقل ما يجول في المخيلة والوصول لأعمال مميزة)؟
حبك زخرفي تنوع في التوازن البصري، فمبادئ التصميمات اعتمدت على التناظر وغير التناظر مع الاحتفاظ بالدائرية أو ما يمثل الكونية وتجددها وفق خصائص وتركيبات مختلفة تبعاً لشكل الكلمة أو كل زخرفة وقوامها، وامتدادها لخلق الترتيب المتناغم مع التوازن البصري المريح للنفس، الجاذب للعين لتتابع الحركة وموسيقاها وفق الأشكال النظامية أولاً وألوانها المصقولة مع الحفاظ على الأبعاد، وقدرتها في إعادة الترتيب بنظام مختلف يتماثل مع الأحجام ومحاورها الغنية بالتطابق الفني الغني بالعناصر المخالفة للتوازن المثالي الذي حاول التمسك به الفنان (مروان العريضي) للوصول إلى المعنى التكاملي الذي يتصف به القرآن بسوره، مستخدماً المساحات الزخرفية للفصل بين معنى وآخر، بتنظيم وتخطيط ينتج عنهما ترتيب معاكس للنقاط المركزية التي اعتمدها رقمياً للانطلاق بمرونة بين العناصر وتفردها مرئياً من حيث وزن كل حرف يثير الحركة والفراغات والفواصل، ويحافظ على التعبير البصري المتكيف مع سرعة الخط وتجليات السورة القرآنية سواء كانت قصيرة أو طويلة، لإيجاد التناظر المتوازن الذي يجذب العين إلى بؤرة الحرف وشكله المتنوع في عالم زخرفي اقترن بالخط العربي.
يؤكد العريضي على المنحى الزخرفي الإسلامي في أسلوب ذي أصالة تراثية تطورت رقمياً وفق الفكر الكوني، والمستويات الفنية ذات المراحل المختلفة تكوينياً، ولعل أهمها ما يتجلى بالبنية الشرقية للخطوط المعاصرة -إذا جاز التعبير، مع الحفاظ على المخزون الهندسي الذي تمتلكه الأحرف العربية في تبدلاتها ما بين أول الكلمة ووسط الكلمة وآخر الكلمة وبشكل منفرد، مما يجعله يتمسك بالعمق القرآني في تنظيم كل آية مع الإحساس بالتوازن أثناء التغيرات التقنية بين الأنماط الحركية، كحرفي الجيم والفاء مثلاً، أو بين ما هو أفقي أو منحنٍ أو عامودي، كالألف وغيرها. والتي تشكل نوعاً من المقاصد الدلالية التي تشير إلى روحانية الحرف وهندسته القابلة للكثير من التغييرات، وفق أنواع الخطوط العربية المختلفة التي استخدمها، بعيداً عن الجدل البصري فلسفياً أو جمالياً، مع الاحتفاظ بخيط رفيع يجمع بين الكلاسيكي والحديث، لربط تراث الزخارف الإسلامية بالعصر الفني الحديث المبتكر، بكل مستجداته الفنية القائمة على التوازن في الائتلاف الروحي، بين المتأمل والسورة أو بين المتأمل والزخارف الفنية لكل سورة من سور القرآن الكريم الذي مر بمراحل احتفظت ببصمات تمهيدية. ليكون هذا الفن بمصطلحاته كافة هو هيمنة روحية جمالية إسلامية ذات حدس ورؤية استكمالية، لمنهج زخرفي يلتف على ذاته بعمق ليندفع بصرياً نحو التكوين والنسج الحروفي. فهل تنغرز فكرة التداخل الإنساني والبقاء الروحي في أعماق هذا الفن الإسلامي؟
تنسيق يبلغ منتهاه عبر اتحاد الزخارف وأشكال الحروف الأساسية التي يفرضها النص القرآني في اتحاد فني استدلالي فرضه الحرف العربي بين اللون وأبعاده والخط وأشكاله والألوان وتدرجاتها، المثيرة للحدس الإيماني بالمطلق الجمالي الذي يحمله معنى الزخارف العربية التي حافظ عليها برقي بصري يميل إلى الحركة أولاً، ومن ثم إلى التجلي والهدوء والسكينة، متوسداً تعقيدات رقمية ذللها على أمل الوصول إلى استحداث زخرفي غير تقليدي، مع المحافظة على إبراز النص القرآني، والكشف عن الخبايا المعرفية المرتبطة بأشكال الحياة والخطى البصرية التي تنتقل بنا نحو اللانهاية في مراتب الجمال كافة، حيث يستعد الذهن لفك المفهوم الفلسفي المرتبط بجمالية الخط والزخارف وفق المفهوم القادر على فهم كنه الحرف العربي الذي ارتبط بالقرآن وهالته الإيمانية وبعظمتها التي توحد الإحساس الذي يتلمس الوجود الإلهي. فهل يعصف كل حرف بكلمة اتخذت عدة أشكال في البسملة التي أحاطها بخطوط لا شعورية مزجها مع الألوان التي تضفي على الرؤيا نوعاً من التصوف أو الخشوع أو التأمل المفتوح على الجمال المؤدي إلى التطهر والعبادة؟
اختبارات لونية ارتكزت على 16.4 مليون لون على باليت التلوين الإلكترونية التي ساعدت بتحسين الخط، لمنحه التأثيرات القوية والفعالة في إيجاد الكثير من العناصر المستحدثة في هذا الفن المرتبط بقوة المنهج القرآني العربي ذي الرؤى الدقيقة والقواعد التقنية المستحدثة، لتخدم بصدق التكوين الفني المرتبط بحقب إسلامية قديمة قام العريضي بتطويرها رقمياً. ليغوص البصر بجمالية محشوة بالتعبيرات المتجذرة بالزخرفات من حيث التفافها وامتدادها الحركي والهندسي، لاكتناه الحقب كلها وصولاً إلى تحديثها مع التوغل في التقليد القديم لهذا الفن الذي يأخذ من القديم مدارسه ويتطور رقمياً، ليؤكد على قيمة التناقضات اللونية المبتكرة الممزوجة مع الزخارف الهندسية منها المتوحدة فنياً مع الأسس الرياضية المؤكدة على قوة الإنسان الذي يعيش حالة فردوسية مع الزخارف التي تواكب الآيات ومساراتها، كاشفاً العريضي بذلك عن التجليات الجمالية وقدرتها المؤثرة على قوة الخشوع وانعكاساته على المعرفة والمزج بين التوحيد والورع، وتحقيق قوة مبطنة توطد العلاقة بين المتأمل للزخارف القرآنية المصاحبة للسور، وبين الفروق اللونية المألوفة حسياً لتبيان قوة التطوير والتحديث لفن إسلامي عربي شرقي.
يقول الفنان مروان العريضي في حوار سابق معه: (كل سورة من القرآن تبدأ بالبسملة ما عدا سورة التوبة التي لا تبدأ بالبسملة وإنما تحتوي عليها، والفكرة هي أن أرسم لكل سورة بسملة مختلفة، وفي هذا أستعرض بشكل كامل كل الخطوط العربية القديم منها والحديث جداً، وهكذا أمنح كل سورة جمالية خاصة بها. واخترت كل هذه البسملات لتتناسب مع السورة، بعض من هذه البسملات مأخوذة جزئياً من فنانين. لكن طوّرتها ومنحتها الشكل، ولهذا استعنت بما كتب من قبل وأعدت صياغتها وترتيبها وتحسينها وتجويدها، وأضفت على البقية من أعمالي وتصميمي ووضعت كذلك بعض الكتابات الحديثة بالخط العربي، ويمكن تسميتها بالموسوعة في الرسم والزخرفة والخط في هذا الكتاب). ذلك دون أن يخشى الوقوع في التقليد متوغلاً في المفهوم الكلاسيكي للخط العربي، والاستحداث الرقمي المعاصر ملتزماً بالتوفيق بين القديم والجديد، والأصالة التي تختصر حقباً زمنية ارتبطت بقوة بالفن الزخرفي الإسلامي وروحيته، وتنوعه لتبيان قيمة الحرف والزخارف معاً، والتحولات المرتبطة بالمعاني للكشف عن عوالم الآيات وعمقها وكينونتها بصرياً المرتكزة على الإشراقات اللونية التي تحث المتلقي على فهم الآيات والبحث عن معناها. فهل نتواصل مع الأشياء من حولنا من خلال جمالياتها ومحسوساتها الجمالية؟
هكذا استطاع العريضي في رحلته الزخرفية القرآنية التوحد مع الاستحداث الرقمي الزخرفي، لاستقراء الآيات بقوة للانصهار مع الحرف العربي وتغيراته القادرة على محو الفراغات الروحية، ومنح المدلول الجمالي للحرف قداسة ذات مقامات كامنة في الأبعاد الرقمية ومراياها التي تأنس لها النفس، وتصفو معها الروح للتفرد في نهج انبثق عنه (عالم الزخرفة والخط العربي) المقرون بصعوبات ذللها العريضي، لتتواءم أفكاره مع برامج الرسم الرقمي التي تؤدي إلى بلوغ مستويات متناسقة مع حركة العين وتوازن ترتيب المضمون الذي تبرز أهميته في قوة الملاحظة القائمة على ثلاثية التناظر والتعميم والتماثل مما يسمح بتطويرات غنية بالزخرفات وموجهة للبصر لفهم الكينونة لهذا الكتاب الذي يجهله غير المسلم. فهل من صعوبة في الوصول إلى التوازن الرقمي بشكل متناظر ينتج عنه آلاف الخطوط والزخرفات الخاصة بالقرآن الكريم؟