مجلة شهرية - العدد (581)  | فبراير 2025 م- شعبان 1446 هـ

لا فيضانات أو مجاعات أو حروباً.. والناس ودودون.. أفضل خمسة أماكن للعيش فيها عام 2100

إنها ليلة سبت في شهر أغسطس، وها هو الغروب القطبي الرائع يصبغ مدينة إيكالويت بلون ذهبي. وفي شارع نياكونجوسيارياك Niaqunngusiariaq في إحدى الحانات ذات الطابع الإسكيمي التي تتميز بتقديم لحم ثور المسك أو سمك الشار القطبي النيء، راحت مجموعة من فناني المدن، ومصممي الرقصات، والكتاب تروي ما مر به آباؤهم من مِحَن. فقد هاجر هؤلاء إلى مقاطعة نونافوت في أقصى الشمال، في شرق كندا عام 2017.
أمَّا عن الأصدقاء ذوي الملابس الأنيقة الذين يرتشفون نبيذ سوفينيون الأبيض من الصين، فهم أمريكيون وإسبان وهنود وأفارقة. وبالمقارنة بآبائهم وأجدادهم الذين فروا هاربين من الحرارة القاتلة والجفاف وحرائق الغابات التي لا تنتهي والسيول؛ لم يكن هؤلاء الفنانون الشبان ليصدقوا أن ظروفهم قد تحسنت إلى هذه الدرجة بحلول عام 2100. ففي هذه المدينة الدائمة النمو، والتي تنتشر بيوتها عبر سلاسل أزقتها البحرية المطلة على ساحل فروبيشر الزاهي الألوان؛ لا يقبع السكان دون عمل، حتى في أوقات الراحة. فحين يحل الصيف، تجدهم يقومون بنزهات طويلة، أو يراقبون الطيور، أو يركبون قوارب الكاياك التي ابتكرتها مدينة إنويت، ففرص الخروج كثيرة ورائعة.
يعدُّ ما سبق جزءاً من مقال قد تقرؤه في إحدى المجلات السياحية المخصصة لوصف أفضل الأماكن التي سيعيش فيها الناس عام 2100. وفي واقع الأمر، لم تنفك آثار تغير المناخ تتضح يوماً بعد يوم عام 2018؛ لذا من الجيد أن نبدأ في التفكير في المكان الذي يمكن أن يعيش فيه أحفادنا.
ولا عجب أن يشير علماء المناخ على أبنائنا بالاتجاه شمالاً. ويتساءل لورانس سي سميث، أستاذ الجغرافيا في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس، في كتابه (العالم عام 2050.. القوى الأربع التي تشكل مستقبل الحضارة شمالاً) (The World in 2050: Four Forces Shaping Civilization’s Northern Future) قائلاً: (إذا ما تحوَّل كوكبنا إلى موجة من الحر القاتل، والأمطار المتقلبة، والأراضي الزراعية المحترقة، كما تُبين العديد من النماذج المناخية؛ هل يمكن أن تظهر مجتمعات بشرية جديدة في أماكن غير جاذبة للاستقرار في الوقت الحالي؟ هل يشهد القرن الحادي والعشرون نهاية جنوب غرب الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والدول الإسكندنافية وروسيا؟).
فوفقاً لأحدث تقرير ورد من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وهي الهيئة العالمية التي تقيِّم علم تغير المناخ؛ تتمثل إجابة الأسئلة السابقة بالنسبة لعام 2100 في كلمة (نعم). فبحلول ذلك الوقت، سيحتوي الغلاف الجوي للأرض على 1000 جزء في المليون من ثاني أكسيد الكربون.
ويرى العلماء أن احتمالية حدوث هذا كبيرة، إذ يحتوي الغلاف الجوي حالياً على 410 أجزاء في المليون من ثاني أكسيد الكربون. ويرون أن أماكن مثل غرينلاند وكندا وروسيا وشمال الولايات المتحدة ستصبح أكثر دفئاً وستهطل عليها أمطار أكثر مما تشهده اليوم، مما يجعلها أكثر صلاحية للعيش.
ووفقاً لعلم المناخ اليوم، نجد أن الأماكن الخمسة التالية ستكون من أفضل الأماكن التي تصلح للعيش في عام 2100:
نوك غرينلاند
من أكبر التحديات التي يواجهها المرء على كوكب مرتفع الحرارة العثورُ على ما يكفي من المياه العذبة. تقول الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إن من شأن ارتفاع درجات الحرارة أن يقلل من موارد المياه السطحية المتجددة وموارد المياه الجوفية في معظم المناطق الجافة شبه الاستوائية. من ناحية أخرى، نجد أن المياه تتدفق من جوف غرينلاند. ففي عام 2016، نُشر بحث في مجلة (جيوفيزيكال ريسرتش لترز) Geophysical Research Letters أفاد أنه في الفترة ما بين يناير 2011 وديسمبر 2014، فقد غطاء غرينلاند الجليدي حوالي 269 مليار طن في المتوسط من الجليد سنوياً أو ما يعادل حوالي 71 تريليون غالون من المياه.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن المواطن الأمريكي العادي يستهلك حوالي 32.850 غالوناً من المياه في العام. وهذا يعني أن ذوبان الجليد السنوي في غرينلاند من الممكن أن يلبي احتياجات أكثر من ملياري أمريكي من المياه. وبعبارة أخرى، إن عاماً واحداً من ذوبان الجليد في غرينلاند يعني كمية من المياه تكفي لسد احتياجات واحد من كل ثلاثة أشخاص من المياه على كوكب الأرض.
وبالتالي، ستكون هناك مياه في غرينلاند. (لا داعي للقلق؛ فهناك عدة شركات، مثل شركة مكتب المستشار الوطني المحدودة في الإمارات، تعمل حالياً على تطوير تقنية لسحب جبال الجليد إلى السواحل واستخراج المياه منها). سنجد المياه الكافية لتوليد الطاقة الكهرومائية، توجد خمس محطات كهرومائية تستخدم الجليد الذائب في غرينلاند بالفعل، وسيشهد المستقبل إنشاء المزيد من المحطات. ستتوافر المياه اللازمة للصناعات الثقيلة، فغرينلاند غنية بالمعادن الثمينة، مثل الحديد والزنك واليورانيوم، علاوة على العناصر الأرضية النادرة. وقد أفاد المسح الجيولوجي الأمريكي أن غرينلاند بها أكبر حقول للبترول والغاز في القطب الشمالي. ستتوافر مياه الشرب بغرينلاند، وسيبقى منها فائض للتصدير.
وستتوافر مياه للزراعة أيضاً في غرينلاند. ورغم الذوبان الرهيب للقمم الجليدية هناك، تنتشر الأزقة البحرية المكسوة بالجليد في جنوب غرب غرينلاند، والتي تضم بين جنباتها بلدات صغيرة وأرضاً زراعية كافية. وفي باقي أنحاء غرينلاند، تُزرع البطاطس واللفت والبنجر، والجزر البرتقالي والجزر الأبيض، والراوند والكرنب والطماطم والخيار والقرنبيط. وقد تكون هناك غابات قريباً. فلقد أفاد بحث نُشر عام 2013 في دورية (فيلوسوفيكال ترانزاكشنز أوف ذا رويال سوسايتي بي: بيولوجيكال ساينسز) Philosophical Transactions of the Royal Society B: Biological Sciences أن (الاحترار المستقبلي قد يتيح فرصة لنمو الأشجار والشجيرات في كثير من أراضي غرينلاند غير المغطاة بالجليد بحلول عام 2100).
نوك هي عاصمة غرينلاند وأكبر مدنها، حيث يقطنها 17 ألف نسمة، وبها مطاعم ومجموعة متنوعة من المراكز الثقافية والمتاحف، وتقدم مقاهيها قهوة مشهورة بتركيزها الشديد. وتُشرف جبال سرميتساك الرائعة على المدينة وتنتشر الحيتان الحدباء في مياهها. ومن شأن الجو الأكثر دفئاً والمزيد من الخضراوات أن تعزز الأمن الغذائي المزدهر بالفعل في نوك. ويعدُّ الموقع السياحي AtasteofGreenland.com موقعاً طموحاً، إذ يعلن أن (أكبر جزيرة في العالم أصبحت أكثر خضرة بسبب التغيرات المناخية). علينا أن نقلد شعب الإنويت (الإسكيمو) الأصلي، لا أن نقلد غزاة الشمال من الفايكنغ المهزومين. وهذا يعني أن يمارس الناس الزراعة المستدامة وصيد الأسماك، لا مطاردة حصان البحر طمعاً في العاج.
 إغفيكينوت.. سيبيريا
بالطبع سنرغب في الأكل في عالم به 1000 جزء في المليون من ثاني أكسيد الكربون، ولكن مع اقترب الغلاف الجوي من هذا المستوى من ثاني أكسيد الكربون (سيشكل المناخ مخاطر كبيرة على الأمن الغذائي على الصعيد العالمي) -حسبما ذكرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.
دعونا نوضح هذا الأمر، يقول كبير باحثي مركز (باسيفيك فوريستري) Pacific Forestry Centre الكندي وأحد كبار كتاب الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، في إطار تقديم المزيد من الإفادة حول التغيرات المناخية: (لن يكون هذا العالم جميلاً؛ لأن معدل 1000 جزء في المليون من ثاني أكسيد الكربون سيشكل نتيجة كارثية مع عواقب وخيمة على التربة الصقيعية، وحرائق الغابات، وظاهرة قطع الأشجار المنتشرة في جميع أنحاء العالم، وسيواصل مستوى سطح البحر الارتفاع لعدة قرون).
ولكن يمكنك تجنب الكآبة والهلاك، وإقامة سوقك الزراعي في عطلة نهاية الأسبوع، عن طريق ملء صناديق شركة (ذا كونتينر ستور) The Container Store بالبضائع والتوجه إلى سيبيريا. أجل، إن الجو هناك بارد جداً في الوقت الحاضر. وتعد مدينة أويمياكون Oymyakon في شرق سيبيريا أبرد مكان مأهول بالسكان على وجه الأرض، فهذه المدينة التي يقطنها 500 شخص محشورة بين سلسلتين من الجبال. وتبلغ أعلى درجة حرارة لها في شهر يناير 45 فهرنهايت تحت الصفر، مما يضطر أهلها لوضع بطاطين من الصوف على محركات سياراتهم كي تبقى دافئة وتدور.
لكن الأبحاث التي أجرتها إيلينا بارفينوفا وناديا تشيباكوفا، الباحثتان في الفرع السيبيري للأكاديمية الروسية للعلوم؛ أظهرت أنه بحلول عام 2080، سترتفع درجات الحرارة في الصيف بمقدار 9 درجات عن معدلاتها الطبيعية، وسترتفع كذلك درجات الحرارة في الشتاء بمقدار 25 درجة، وسيزيد معدل هطول الأمطار.
وأفادت ورقة بحثية شارك في كتابتها باحثون وعلماء بوكالة ناسا، ونشرت في دورية (إنفايرومنتال ريسرتش لترز) Environmental Research Letters عام 2011، أن حوالي 50 إلى 85 بالمئة من منطقة وسط سيبيريا سيصبح مستقر الطقس وصالحاً للزراعة في نهاية القرن الحالي. وأفادت الورقة البحثية أن (معدل زراعة الغلال سيتضاعف)، وأنه سيمكن زراعة محاصيل جديدة، مثل العنب والذرة والبازلاء ودوار الشمس في أنحاء المنطقة، بل قد يصبح جنوب سيبيريا أكثر ملائمة للمحاصيل التي تزرع في الجو الدافئ، مثل البطيخ والقرع والتوت.
تستخدم بارفينوفا وتشيباكوفا مؤشراً يُسمى (إمكانات البيئة الطبيعية)، والذي يبين الظروف المناسبة لسكن البشر. ويوضح هذا المؤشر أن الكثافة السكانية في مدينتي إغفيكينوت وأنادير يمكن أن ترتفع بمعدل ستة أضعاف. وبينما تقول بارفينوفا وتشيباكوفا إن (أفضل مكان يعيش فيه الناس) سيظل على جانبي السكك الحديدية العابرة لسيبيريا، حيث تم تطوير البنية التحتية، وستصبح إغفيكينوت (هي نقطة النمو المحتملة) على طول الساحل القطبي الشمالي لسيبيريا. يُضاف إلى هذا أن إغفيكينوت قريبة من مضيق بيرنغ وطرق التجارة القطبية الشمالية المستقبلية. ولأن المدينة كائنة على الطرف الشمالي الغربي للمحيط الهادي، تجدها متصلة بجنوب شرق آسيا وبالساحل الغربي لأمريكا الشمالية أيضاً.
بانغور (مين)
كيف نعبر عن هذا الأمر بطريقة لطيفة؟ من المتوقع على كوكب شديد الحرارة تندر فيه المياه أن تنشب الحروب وتنهار الأنظمة. إن (المراكز الرئيسة، الخاصة بالنقل والقيادة والسيطرة والاستخبارات والانتشار، ستشهد انقطاعاً متكرراً في الخدمة أو تقليصاً للعمليات)، بحسب ما جاء في تقرير صدر عام 2016 عن مركز الأمن المناخي، والذي تديره مجموعة من ضباط البحرية والجيش وحرس السواحل السابقين مقرها العاصمة واشنطن.
لطالما بحثت وكالة حماية البيئة الأمريكية عنّا. لقد وضعت الوكالة (مؤشراً لمراقبة التكيف المناخي)، وهو عبارة عن خارطة للولايات المتحدة ذات ترميز لوني على مستوى المقاطعات تبين المناطق الأكثر ملاءمة لتحمل التغيرات المناخية. وراحت وكالة حماية البيئة الأمريكية تدرس الخصائص البيئية والاقتصادية والاجتماعية للتكيف المناخي، وراحت كذلك تُقيم خدمات الحوكمة والخدمات الاجتماعية. وقد حصلت ولاية مين على أعلى درجة في هذا التقييم.
تعدُّ مين موطناً للسلام، نظراً لما تتمتع به من سواحل صخرية يصعب الهجوم عليها ويسهل الدفاع عنها، ولقربها من المحيط الذي يسمح بالتجارة والنقل، وارتفاعها عن مستوى سطح البحر الذي يجعلها مقاومة للعواصف. ويمكن أيضاً تعزيز هذه التحصينات. ففي عام 2016، أفاد تقرير صادر عن اتحاد العلماء المعنيين Union of Concerned Scientists أن ارتفاعاً قدره ثلاثة أقدام في مستوى سطح البحر سيهدد 128 منشأة دفاعية ساحلية في الولايات المتحدة الأمريكية، وأن العديد من هذه المنشآت تقع في جنوب ووسط المحيط الأطلسي. ومع اتجاه العالم نحو الشمال للهروب من الحرارة، وذوبان جليد القطب الشمالي الذي يفتح طرقاً ملاحية جديدة؛ قد تصبح ولاية مين قاعدة عسكرية مهمة. لطالما راهن الجيش على أن ألاسكا ستلعب دوراً أكثر أهمية في العالم المشغول بالقطب الشمالي، لكنَّ مين أصبحت جزءاً مهما من تلك المسألة أيضاً.
في عام 2015، صرح أنغوس كينغ، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية مين، أنه (مع استمرار التغيرات المناخية وذوبان جليد القطب الشمالي، ستزيد الأهمية الإستراتيجية للولاية). وفي العام السابق، تلقت الأكاديمية البحرية في مين منحة قدرها 450 ألف دولار من وزارة الأمن الداخلي لصالح (تطوير وتقديم خدمات الملاحة الجليدية البحرية، ولصالح المساقات الدراسية الخاصة بالاستجابة الأولى للطوارئ، بغرض استكمال إستراتيجية حرس السواحل الأمريكي الخاصة بالقطب الشمالي).
تحتل مدينة بورتلاند في مين في الوقت الحالي رأس قائمة المدن ذات (المطاعم والمناظر والمدارس الرائعة)، وفقاً لما أوردته مارينا شوفلر بجريدة بورتلاند برس هيرالد Portland Press Herald. لكنها تشير إلى أن (ميناء المدينة القديم المزدحم، المبني معظمه فوق ردمٍ، سيكون أكثر عرضة لارتفاع مستوى سطح البحر وهبوب العواصف. وبعض الأجزاء المتاخمة لمدخل باي سايد هي أقل ارتفاعاً حتى من رصيف ميناء مين على طول واجهة بورتلاند البحرية). ولن يرحم ارتفاعُ مستوى سطح البحر أيّاً من هذه الأماكن، فلماذا لا نتوغل شمالاً نحو بانغور؟ فبانغور -التي كانت في السابق مركزاً لتجارة الأخشاب- محاطة بالغابات والممرات والحدائق ومصانع الجعة. وحين يزحف البحر ليصل إلى ضفاف نهر بينوب كوست، ما على السكان سوى النزوح إلى أعلى النهر.
بافلو.. نيويورك
تحتاج المدن إلى مساحة لكي تتمكن من استيعاب الملايين من اللاجئين القادمين إليها بسبب تغيرات المناخ. وهذا يعني أن المدينة لا بد أن تكون مُسطحة نسبياً، ومستقرة نسبياً، ومرتبطة بالشبكات، وأرضها غير معرضة للفيضانات، وأنها قد تطورت، لا بقدر كبير، بل بما يسمح بالاحتفاظ بجمال مناظرها الطبيعية. فأين تقع المدينة التي تتمتع بكل هذه السمات، علاوة على احتوائها على المياه، والأرض الزراعية، وعدم قربها من المحيط بدرجة تغرقها بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر أو العواصف الشديدة؟
يرى جيسي كينان، عضو هيئة التدريس في كلية هارفارد للتصميم، أن بافلو تتمتع بهذه السمات. لقد درس كينان تأثير التغيرات المناخية على المدن في جميع أنحاء العالم، وبخاصة كوبنهاغن وهونغ كونغ وميامي. وابتكر كينان مصطلح climate gentrification (إعادة تطوير العقارات بسبب تغير المناخ) بناءً على أبحاثه التي بينت أن ارتفاع النفقات المرتبط بالتغيرات المناخية -مثل ارتفاع أسعار المنازل المبنية على الأراضي المرتفعة في المناطق الساحلية- بدأ في إخراج الناس من بيوتهم وجيرتهم التي طالما مكثوا فيها. ويقول كينان إن المستثمرين العالميين لم ينفكوا يسألونه عن المكان الذي يمكن التوجه إليه في المستقبل، فيجيب قائلاً: (إلى بافلو، فالناس يسعون في المقام الأول إلى الإقامة في مكان يتوافر فيه الماء العذب وتعتدل فيه الحرارة. كانت أهم منطقة بالنسبة لي هي منطقة البحيرات العظمى، غير أن الطحالب بدأت في الانتشار هناك، ويتعذر حل هذه المشكلة. ولكن إذا تمت السيطرة على هذه الطحالب وإدارتها بالطريقة المناسبة، ستصبح بافلو منطقة تتجدد فيها الاستثمارات بسبب قدرتها الطويلة المدى على استيعاب الكثافة السكانية). وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذا المبدأ ينطبق على عدة مدن في منطقة البحيرات العظمى. ومن هذه المدن دولوث وشيكاغو وكليفلاند. يقول كينان: (إن أي مكان في منطقة البحيرات العظمى جيد).
إيكالويت.. نونافوت
تتمثل إحدى الخسائر الناجمة عن فرار الناس من الغرق أو احتراق المدن في ضياع الفنون والثقافات، وهذه الخسارة لا تقدر بثمن. فستكون الفنون والثقافة ضروريتين في مساعدة البشر على تحمل المشكلات المحتومة لارتفاع معدلات ثاني أكسيد الكربون. لطالما تغيرت وجهات الناس الثقافية في جميع أنحاء العالم على مر التاريخ، ورغم أن معظمنا لم يسمع بمدينة إيكالويت الواقعة شمال كندا، والتي يبلغ تعداد سكانها سبعة آلاف نسمة، فإن هذه المدينة تبدو عليها بالفعل أمارات الازدهار الفني والثقافي.
فهناك فنانون وإداريون، ومهاجرون جدد يعملون بجد واجتهاد. ولقد أفاد مقال نُشر عام 2011 في صحيفة (نوناتسياك نيوز) Nunatsiaq News الكندية القطبية الرئيسة أن سيرجي لامبرون، البالغ من العمر ستة وعشرين عاماً، انتقل من مجتمع صغير إلى إيكالويت (ليصبح عازف هيب هوب مرموقاً). وهناك مدينة كيب دورسيت المجاورة لها التي اشتهرت بنحت الأحجار الملساء. يُقال إن نصيب الفرد من الفنانين في هذه المدينة أكبر من أي مدينة أخرى في كندا.
تقع إيكالويت في مكان متميز بالنسبة لموجة النزوح شمالاً الناجمة عن التغيرات المناخية. لقد بدأت المدينة كإحدى القواعد الجوية الأمريكية إبّان الحرب الباردة في خمسينات وستينات القرن الماضي. وكان الغرض من إنشاء القاعدة هو مراقبة الصواريخ النووية الروسية الموجهة إلى أمريكا عبر القطب الشمالي. وفي العام الماضي، افتُتح بها مطار دولي جديد. وتقع المدينة على مقربة من ساحل طويل، مما يحميها من العواصف القطبية الشديدة التي أتت على السواحل في أماكن مثل ألاسكا. إن المدينة شديدة الارتفاع، وهذا يجعل نمو الأشجار صعباً، علاوة على فقر التربة.
ولكن منذ 60 مليون عام، وفي بداية الحقبة المعاصرة التي يطلق عليها العلماء اسم (عالم الدفيئة)، كانت هناك غابة كبيرة معتدلة تشبه الغابات الساحلية المطيرة في شمال غرب المحيط الهادي وشيلي في أرخبيل القطب الشمالي الكندي. وسيرجع عالم الدفيئة إلينا ثانيةً. ولقد أفادت ورقة بحثية نشرت عام 2003 في دورية (بيل بيولوجي) Palebiology أن المناخ القطبي (يدعم الغابات المنتجة للخشب الأحمر ذي الكتلة الحيوية المرتفعة). لنجتمع إذَنْ في غابات إيكالويت ونحتفل! لا تنسوا آلاتكم الموسيقية وألوانكم وكتبكم، ومصابيح هابي لايت happy light. ففي الشتاء تشرق الشمس في الساعة 9:20 صباحاً، وتغرب في الساعة 1:40 بعد الظهر.

ذو صلة