مجلة شهرية - العدد (581)  | فبراير 2025 م- شعبان 1446 هـ

الفن التشكيلي والوعي البيئي.. متاحف في عمق البحر

عندما يتبنى الفن التشكيلي القضايا البيئية، وينشغل الفنان التشكيلي بالبيئة وحماية الحياة الفطرية، سوف نشاهد تلك التجليات الإبداعية للفنانين في أعمالهم التي تظهر الوعي بقيم الجمال في المحيط البيئي على الأرض من مسطحات وحقول وأنهار وبحار وجبال ووديان، والمناخ البيئي الذي قد يتغير في بعض الجهات وحسب فصول السنة.
ومن يتابع حركة تطور الفن التشكيلي يلاحظ أن بعض المعارض قد تم تخصيصها للتوعية بأهمية الحفاظ على البيئة.
ومنها في مجتمعنا العربي عرض أدائي وتصوير فيديو بأبها تحت عنوان (فلورا وفونا.. 2007)، وهو عن شجرة من فصيلة كورنوكاربوس إريكتوس، وهي التي توجد بالمناطق الاستوائية الرطبة، وتنمو على ارتفاع يصل إلى 200 متر، تحت الشمس الكاملة. وهو نبات قابل للإنعاش، قادر على الازدهار على التربة الجافة بعيداً عن أشجار المانغروف. أرض مليئة بالرمل مع ارتفاع منسوب المياه الجوفية، والفقراء والتربة الرملية، احتمى بها الفنان السعودي عبدالناصر غارم طيلة اليوم يعتاش من الأكسجين الذي تنتجه الشجرة.
وكذلك العرض الفوتوغرافي (منزوع) لذات الفنان في رسالة حول نزع بعض البيوت والأماكن ذات الطبيعة البيئية والعائد التاريخي.
وبنظرة عامة عن الخطوات التي أخذها الفنان التشكيلي للفت الأنظار نحو الثقافة البيئية والوعي البيئي؛ نجد أن معرض فرجينيا دوان في نيويورك استضاف عام 1968م معرضاً رائعاً يسمى (أعمال الأرض)، أعاد تعريف عالم الفن كما كان معروفاً، حيث أن الأعمال الفنية التي عرضت تنتمي إلى البيئة الطبيعية، لكنها لا تشمل بالضرورة المسؤولية البيئية. وقد عرف هذا باسم أعمال الأرض أو الفن الأرضي، وهو عن الأنشطة المدمرة للصناعة والعادات الاستهلاكية اليومية للأفراد، وإثارة الفوضى البيئية على كوكبنا. حيث نشاهد بشكل يومي التعدي على النباتات والحيوانات والطيور والأسماك والأبنية، وفقداً للثروات البيئية بأكملها وتغيراً في المناخ ساهم في تغيير الظروف المعيشية في جميع أنحاء العالم. ويمكن إجراء تغييرات صغيرة يكون لها في نهاية المطاف أثر كبير. وفي ظل هذه الأجواء المتزايدة عن  الوعي البيئي العالمي؛ أخذ بعض الفنانين على عاتقهم خلق شكل جديد من الفن للمحافظة على الجمال (بالمعنى التقليدي)، ولكنه يستند أيضاً إلى مفاهيم الوعي بالصحة العامة للبيئة، مع ظهور جيل جديد من الفنانين يضع البيئة في طليعة ممارسته، ومن هنا كانت الفكرة التي يدور حولها فن جيسون ديكيرس تايلور، حيث يأخذ المشاهد إلى أعماق المحيط.
تأتي أفكار تايلور ضمن النقاط المهمة في الإبداع، وهي القدرة على تقديم الأفكار الجديدة أكثر من التفكير في استفزاز المشاهد، وإنما إحداث تغيير إيجابي، ولذلك كانت المجسمات والمتاحف التي ابتكرها الفنان تايلور لها فوائد واسعة النطاق على العديد من المستويات. وهي مزروعة بمفاهيم معقدة من خلال مراعاة حياة الشعاب المرجانية الطبيعية وتعزيز وجود أعماله في وجود الشعاب الصناعية، ثم العناية بتثبيتها في مواقع مختلفة من العالم بحيث تكون جميع المواد المستخدمة غير سامة وخالية من المواد الضارة والملوثات مما يساعد اليرقات المرجانية على التعلق بها والتحول لمستعمرة طبيعية وبيئية وفي مناطق متفرقة لتتيح للغواصين فرصة المشاهدة دون التعرض للأخطار.
كل هذه الاعتبارات الدقيقة تدخل في كل من منشآت تايلور النحتية. ولكن هناك فوائد أخرى لشعابه النحتية التي تم إنشاؤها بشكل مصطنع، فبينما يتم إنتاج كل عمل بالتشاور مع علماء البحار لتعظيم تأثيرها؛ يمكن للعلماء أنفسهم دراسة ورصد تطوير نظام إيكولوجي فعال منذ بدايته حتى يصبح راسخاً. وهناك أيضاً فوائد اقتصادية لأنها يمكن أن توفر فرص عمل بديلة لصيادين محليين يعملون أدلاء في المتاحف لجلب الزوار إلى صالات العرض تحت الماء إما بالغوص في أعماق البحار أو الغطس أو في القوارب ذات القاع الزجاجي. وتوفر رسوم الدخول إلى حدائق النحت أيضاً تمويلاً بالغ الأهمية لمزيد من جهود حفظ البيئة البحرية والدوريات الساحلية لإنفاذ قوانين الحماية.
تم إنشاء متاحف للفن تحت الماء، حيث تتيح متاحف تايلور للزوار فرصة توسيع مداركهم وتثقيف أنفسهم في الحقول التي هي خارج حياتهم اليومية، وتجربة عينات من العالم بعيداً عن أنفسهم بطريقة آمنة وغير مدمرة. وبالنسبة للبيئات البحرية؛ فإن هذا يمثل فائدة كبيرة، لأنها بيئة لا يعتني بالتفكير فيها معظم الناس إلا لفترة وجيزة، أثناء العطلة.
ويمكن الاطلاع على تلك الأنشطة للمتاحف من خلال تلك المواقع (ميناء الإسكندرية القديم، كانكون، جزر غرينادا، جزر الأنتيل الصغرى، المحيط الأطلسي، لاس كولوراداس، لانزاروت، متحف أتلانتيكو).
ويعد متحف أتلانتيكو أول متحف فني معاصر تحت سطح الماء بـ14 متراً في أوروبا والمحيط الأطلسي، وذلك قبالة ساحل لانزاروت في إسبانيا، ضمن تركيب فريد من نوعه. وقد افتتح المتحف رسمياً في 10 يناير 2017م من قبل رئيس لانزاروت، بيدرو سان جينز.
استغرق المشروع الضخم أكثر من ثلاث سنوات للتخطيط والبناء، ويهدف إلى خلق حوار بصري قوي بين الفن والطبيعة. وقد صمم على مستوى المحافظة لإنشاء الشعاب الاصطناعية على نطاق واسع، وقد شهدت الأعمال الأولى المثبتة في فبراير 2016 بالفعل زيادة في أكثر من 200 % في الكتلة الحيوية البحرية،  بما فيها أسماك القرش الملاك النادرة، ومدارس باراكوداس والسردين، والأخطبوط، والإسفنج البحري، وأشعة فراشة في بعض الأحيان.
وهذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها تايلور بتثبيت أعمال معمارية واسعة النطاق. وتشمل المنشآت 100 طن، و30 متراً من الجدار والبوابة، وحديقة للنحت النباتية تحت الماء، وتشكيلة واحدة من الأعمال الفنية التي تتكون من أكثر من 200 شخص من الشخصيات ذات الحجم الحي في جسم الإنسان.
تم بناء المتحف باستخدام مواد محايدة وخاضعة للاختبار، صديقة للبيئة، خاملة من النوع الهيدروجيني الخامل، تم تصميمها خصيصاً لتتناسب مع الحياة البحرية المستوطنة. وهي تحتل مساحة من قاع البحر مغطاة بالرمال 50م×50م، ويدعم المشروع من قبل حكومة لانزاروت كاكت (مركز الفن والثقافة والسياحة)، وتشكل جزءاً من تسعة مراكز للزوار الحائز على جائزة لانزاروت. وهو يبني على وضعه الفريد كمحمية المحيط الحيوي العالمي لليونسكو، يضم المتحف مداخل للدخول وللخروج، وتشكل أعماله الفنية جولة متتابعة من 12 منشأة.

ذو صلة