إن لشبه الجزيرة العربية -التي تشكّل المملكة العربية السعودية ثلثي مساحتها- عمقاً تاريخياً مهماً، حيث ازدهرت فيها حضارات مختلفة. و(نَجْد) هي أكبر أقاليم شبه الجزيرة العربية، إذ كانت موطناً تاريخياً للعديد من الممالك منذ القدم، مما أكسبها إرثاً حضارياً أصيلاً، تناقلته الأجيال على شكل عادات وتقاليد ونمط حياة وفنون ومعارف وعلوم وعمران.
والملابس التقليدية جزء مهم من هذا الإرث، فهي تعتبر سجلاً يحفظ عادات الأمة وفنونها وتراثها، ويُستدلّ بها على كثير من المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كما أن الحفاظ عليها يعني التمسك بالهوية وحمايتها من الاندثار، وهي كغيرها من الموروثات تدلّنا على عظمة أسلافنا، واستغلالهم الأمثل لموارد البيئة البسيطة، واهتمامهم بالتجمّل والزينة.
وقد حدّد (ابن جنيدل) نَجْد ومناطقها بقوله: (ونَجْد فيما تعارف عليه سكانها تعني البلاد الممتدة من نفود الدهناء غرباً إلى أطراف جبال الحجاز الشرقية، ومن ناحية الشمال تبدأ من النفود الكبرى وتمتد صوب الجنوب إلى أطراف الربع الخالي).
والملابس التقليدية في المملكة العربية السعودية تتشابه إلى حد كبير في شكلها العام وتفصيلها، وقد يعود ذلك إلى التبادل التجاري وانتقال القبائل بين المناطق، إلا أن كل منطقة تميّزت بتفاصيل معينة ومسمّيات محددة، تبعاً لطبيعة السكان والبيئة والمناخ واتصال المنطقة بالحضارات المختلفة.
وفي نَجْد، كان اللباس التقليدي الرئيس للمرأة هو المِقْطَع (الدرّاعة)، وهو عبارة عن زي فضفاض يصل طوله إلى الكعبين، وله أكمام طويلة، كما في الشكل (1). وقد تداول الناس قديماً مسميات مختلفة للمِقْطَع (الدرّاعة)، وقد يُشتَق من نوع القماش الذي يُصنَع منه كـ(مِقْطَع جزّ (قزّ))، نسبةً إلى قماش الحرير المنتَج من دودة القزّ، أو يسمى نسبةً إلى التطريز الموجود فيه كـ(مِقْطَع أبو سفرة (سفرة سعود))، نسبةً إلى شكل التطريز الموجود في نسيجه على شكل سفرة مستديرة، أو ترجع تسميته إلى المكان الذي صُنع فيه كـ(مِقْطَع هند).
يبدو في الشكل (2) مِقْطَع (درّاعة) متفّت (مجزّع)، ويسمّى بذلك نسبةً إلى قطع التفت، أي الحرير الناعم الملوّن الذي تزيّن به جهة الأكتاف، وهذا المِقْطَع هو صناعة وطنية، يُخاط خياطة يدوية قبل ظهور الخياطة الآلية، ويبدو التطريز اليدوي الجميل على الأكمام.
يبدو في الشكل (3) قماش سفرة سعود في (كرتة) -والكرتة شكل حديث من المِقْطَع، حيث تكون مخصّرة، واشتهر هذا القماش في عهد الملك سعود رحمه الله، وهو قماش مستورد منسوج من الحرير الطبيعي ومغطى بنسيج من الزري، وسمّي بالسفرة لأنه يحتوي على دوائر كبيرة من الزري، تشبه سفرة الطعام، ويعد من الملابس الفاخرة آنذاك وغالية الثمن، وأكثر من يرتديها نساء الميسورين، وكانت من ضمن ما يُدفع في الصداق من المدفوعات.
كما ارتدت المرأة النجدية قديماً (الثوب)، وهو من الملابس التقليدية الأساسية في نَجْد، وهو عبارة عن ثوب واسع يُلبَس فوق المِقْطَع، كما في الشكل (4)، ويتميز بأكمامه المتسعة، ويعود ذلك إلى طريقة ارتداء الثوب، حيث يتم رفع الأكمام فوق رأس المرأة بحيث يتقاطعان في الخلف، الشكل (5).
وكذلك تعددت مسميات الثوب، وفقاً لنوع القماش المصنوع منه، كـ(ثوب المنيخل (التور))، نسبةً إلى قماش التُّل المثقب المصنوع منه، ويشبه في نسيجه شبكة المنخل، وهو صناعة وطنية، الأشكال: (5) (6) (7)، و(ثوب قزّ) نسبةً إلى قماش الحرير المأخوذ من دودة القزّ، أو يستمد اسمه من التطريز الموجود به، أو مكان صنعه كـ(ثوب هند) نسبةً إلى تطريزه في الهند.
يبدو في الشكل (8) الثوب المتفّت (المجزّع)، ويُصنع غالباً من قماش أسود قطني، وكما ذكرنا سابقاً تعود تسميته إلى قطع التفت الحريرية الملونة، وهو صناعة وطنية، ويُلاحظ التطريز اليدوي الجميل، الشكل (9).
وقد تعدّدت الخامات المستخدمة في صناعة الملابس قديماً في نَجْد، وشاع استخدام الخامات الطبيعية كالقطن والحرير والصوف، حيث كانت ترد من البلدان المختلفة عن طريق القوافل التجارية أو عن طريق التجار النجديين أثناء سفرهم بين البلدان، أما الصوف فكان يتوافر محلياً.
كما نلاحظ اهتمام النساء قديماً بالتجمّل والزينة، وتعدّد الألوان والزخارف في الملابس. وتظهر براعة النساء في الخياطة والتطريز، فالمرأة في نَجْد كانت تقوم بنفسها بتفصيل الثوب وخياطته، وقد أبدعت في التطريز اليدوي بزخارف بديعة مستوحاة من بيئتها المحيطة، وذكر (تشارلز داوتي) عند زيارته إلى (عنيزة): (وتتولّى النساء في الغالب أعمال التطريز، ولديهن الدربة الكافية لتطريز شريط غير محدد الجوانب تتخلّله -بإعمال الإبرة- أشكال زهور متناسقة تحاكي الأشكال التي تظهر في السجاد الشرقي).
ومما يستلزم ذكره أن الملابس التي كانت تُستورَد من الخارج، كـ(ثوب هند) نسبةً إلى صناعته في الهند، شكل (10)، وهو من قماش الحرير الخفيف ومطرّز بالزري والترتر؛ كانت تُصنَع وفق متطلّبات تجار نَجْد، باتباع تصميم وتفصيل الثوب النجدي، وباستخدام الزخارف المستمدّة من البيئة كالنخيل، وشعار المملكة (السيفين والنخلة)، ومن ثم انتقلت صناعة هذه الثياب إلى دول الخليج والمملكة العربية السعودية، فأبدع الخياطون في صناعتها، واحتلّت مكانة شهيرة بين الملابس.
ترك لنا أسلافنا إرثاً أصيلاً يتمثّل في هذه الملابس، يستحق منا هذا الإرث الاهتمام والاعتزاز والفخر وتطويره بما يتناسب مع وقتنا الحالي.