في البداية تفتّحت زهرة اللوتس في بحيرة الحياة، وعاشت في كل صورها معنا وبيننا رمزاً لكل ما تعنيه كلمة حياة.
زهرة اللوتس هي زهرة العتمة والنور، الشروق والغروب، الموت والميلاد، السكون والحركة، الانغلاق والانفتاح.
إنها زهرة الماضي والحاضر والمستقبل، وشعلة النور والنار المُحمّلة بإمكانات واحتمالات لا نهاية لها.. زهرة الجمال والتمام والكمال، زهرة الطُهر والبراءة والنقاء.
زهرة تعزف سيمفونية الوجود لها عنق شامخ يتطلّع إلى السماء وهو ثابت في الأرض، هذا (الحبل السرّي) الذي يُربط في صورة رائعة بين الأرض والسماء.
وزهرة اللوتس هي زنبقة الماء، وتُسمّى أيضاً السوسنة والبشنت (بسنت)، وتتفتّح أوراق اللوتس البيضاء مع الغروب، أمّا اللوتس الزرقاء الساحرة فتعرف جيداً كيف تقفل على نفسها مع حلول الظلام لتتفتّح أوراقها من جديد مع بزوغ قرص الشمس في كبد السماء.
لغة الزهور
اللوتس: الطُهر والبراءة والنقاء- الميلاد المتكرّر.
الكاميليا: الرقّة والعُمر القصير.
الديزي (اللؤلوة الصغيرة): الحب والسموّ والترفّع على ماديات الحياة.
شقائق النعمان: الخير والشر- الألم والراحة.
النرجس: حُبّ الذات والتباهي بالجمال.
القرنفل: الصداقة.
الوردة: الحُبّ والسعادة.
عبّاد الشمس: الشموخ والكبرياء والتفاني.
التيوليب: التفكُّر والتفرُّد.
والبنفسج: الألم والصبر وقوة الإيمان.
زهرة اللوتس في الأساطير
كانت زهرة (اللوتس) في عيون قدماء المصريين منذ آلاف السنين مثل الشمس إذا تفتّحت، وإذا ذبلت أوراقها كان الموت الذي ينتظر صباحاً جديداً لتدبّ الحياة مرة أخرى مع لوتس أخرى متفتّحة.
إنها زهرة اللوتس التي عرفها واستخدمها القدماء بديلاً لأحد الرموز المصرية القديمة (العنخ) رمز الحياة، ونراها كثيراً على جداريات القبور على هيئة شخص يُقرّبها من أنف الميت، ومن أجمل المناظر ما نراه على جدران واحدة من مقابر نبلاء الدولة الحديثة في الأقصر، وهي مقبرة (نخت) الشهيرة.
وقد تجسّد مولد الشمس في (رعّ) الذي تصفه الأسطورة المصرية القديمة بأنه اللوتس الكبرى التي تفتّحت بروعة وسحر ورشاقة انسيابية من بحيرة الحياة الأولى (نون) لينتصر الجمال على القبح.
ولم يكتف المصري القديم برسم اللوتس فقط على جدران المعابد والقبور، ولكننا نجدها في أعمال فنية أخرى، أهمّها تمثال رائع من الخشب لتوت عنخ آمون وهو يُخرج طفلاً من قلب تلك الزهرة.
وهناك إشارات عديدة إلى اللوتس في الأدب المصري القديم حيث يصوّر الميت في قارب بـ(بحيرة اللوتس) أو (بحيرة الجنة) ويقوم بالتجديف له شخص يُدعى بأنه مَنْ يري الأمس وهو رمز يقصد به أن الأولَى بالتجديف في البحيرة هو مَنْ فعل خيراً في أمسه، أي في حياته السابقة.
وفي الأسطورة المصرية القديمة نجد حورس، وهو طفل إيزيس وأوزوريس ويرمز لانتصار الخير والنظام على الشر والفوضي اللذين تمثّلا في عمه (ست) الذي تخلّص من أبيه أوزريس، وفي انتصار حورس على الظلم أصبح شبيهاً بجدّه (رعّ) الذي قهر قوى الظلام، وأطفال حورس أيضاً الأربعة أطفال أسطوريون يرمزون (لأركان الدنيا الأربع)، وكانت مهمتهم حماية جسد المتوفّى من التعفُّن والتحلُّل، لذا كانت رؤوسهم تُغطّي: (الآنية الكانوبية) التي يُحفظ فيها جسده بعد انتهاء عملية التحنيط.
والمثير أننا نجدهم يقفون على زهرة اللوتس في (كتاب الموتى)، عسى أن ينعم المتوفى- رمزياً - بنِعَم جنة اللوتس في الآخرة! ولا يفوتنا الإشارة إلى أن العنخ (مفتاح الحياة) هو الماء والهواء بالنسبة للمصري القديم.
اللوتس رمز الجمال والكمال
وكما ارتبطت زهرة اللوتس عند قدماء المصريين بالإله الأكبر (رعّ) نجدهم يربطون بينها وبين الإله (بتاح) الذي تطوّرت معه فكرة الميلاد، فلم يعد يتوقف فقط عند وجود الإنسان أو عدمه أو تفوّق النظام على الفوضي، ولكن أصبح الإنسان مسؤولاً عن أن يجعل من حياته رحلة إبداعية من التطوّر والارتقاء، وكان (بتاح) الذي تتلخّص فلسفته في أن الإنسان قلب يشعر ولسان يُعبّر عمّا يحسّه القلب أكبر تجسيد لهذه الفلسفة الرمزية.
وفي الأسطورة المصرية القديمة، نجد (بتاح) يرتبط بـ(سخمت) التي عُرفت بنزعاتها الانتقامية ليذكرنا بالقدر الذي يعترض رحلة الإنسان فيُصيبه بالعجز والمرض والفناء. ومع هذا كانت (سخمت) عند قدماء المصريين تمتلك أيضاً صفة الشافي، فالفلسفة القديمة لدى المصريين القدماء كانت حريصة على تذكرة الإنسان بألا توجد حياة خالية من الشيء وضده، ولابد للإنسان من إدراك هذا وأن يعرف جيداً كيف يتصالح ويتعايش مع كل الظروف.
وتكتمل الصورة عندما تحكي لنا أن زواج الإبداع المُمثّل في رمز (بتاح) و(القدر) المُمثّل في رمز (سخمت)، نتج عنه الابن الأسطوري (نفرتيم)، هذا الابن الذي يعني اسمه (كل الجمال) والذي يأتي من محاولة الإنسان المستمرة في أن يكون مُبدعاً وجميلاً رغم أي صعوبات، وليس غريباً أن يكون رمز نفرتيم وتاجه المميّز هو زهرة اللوتس.
وكانت لرائحة العطر -وبخاصة عبير اللوتس- هبة من السماء ووسيلة لتُقرّب المؤمن آنذاك من ربه، وعرفت مصر صناعة العطور منذ بداية التاريخ وبرعت فيها، وكانت العطور في الأغلب تُصنع من زهرة اللوتس أو الياسمين، وكان لبعض الملكات والأميرات عطرهن الخاص بهن، وكان للبعض منهن مصنع للعطور في حديقة القصر، وفي بعض الأحايين كانت المرأة تضع فوق شعرها قمعاً من العطر المُجمّد حتى يفوح عطرها ويملأ شذاها المكان.
أيضاً كان من عادة الزوج إهداء زوجته الزهور والعطور، وكان من الذوق إذا دُعي أحد لمنزل أن يحمل معه الزهور لسيدة المنزل التي كان يُطلق عليها كما نُسمّيها اليوم (ستّ الدار)، أو ستّ (إن بير).
وكان من عادة المصري القديم أن يشرب في الأعياد والمناسبات السعيدة رحيق زهرة اللوتس مُذاباً في الماء كماء الورد، أو مُذاباً في عصير العنب، وأدرك أن لهذا الشراب القدرة الهائلة على أن يجعله يشعر بالاسترخاء والسعادة، ولهذا كان يُستخدم أحياناً كعلاج للحزن والاكتئاب.
اللوتس في تاريخ الحضارات
وقد احتلّت زهرة اللوتس مكانة خاصة وأثيرة في كل الحضارات، فهي في الحضارة اليونانية: رمز الجمال (أفروديت)، (فينوس) في الحضارة الرومانية.
وكانت لها أهمية خاصة في حضارات الصين والهند، ففي العقيدة الهندوسية تُعتبر زهرة اللوتس ذات الوريقات الألف رمزاً للأم الكبرى، وهي أيضاً رمز الشمس الذي يتمثّل في الإله (فيشنو).
كذلك تُعدّ زهرة اللوتس رمزاً للنور والتنوير في العقيدة البوذية التي سُمّيت على اسم مؤسّسها (بوذا) ومعناه (المستنير) ولهذا تُعرف البوذية بأنها الطريق إلى التنوير ونقاء الروح للوصول إلى الكمال أو (النيرفانا) التي أصبحت اللوتس رمزاً لها.
وكانت المعابد المصرية القديمة تحرص دائماً على وجود بحيرة فيها، ترمز لتجمّع الماء الأول (نون) الذي منه جاءت الحياة ونمت اللوتس، وتكون أيضاً التلّ الطيني الذي كان نواة البناء والعمارة في كل مصر، وكانت مياه هذه البحيرة تُستخدم للاغتسال والتطهّر في الصباح، واكتساب الإحساس بالتجدّد مع قدوم يوم جديد، فلقد تصوّر المصري القديم بخياله الفني الشمس نفسها كأنها تستحمّ في هذه البحيرة المُقدّسة.
وكان لأمنحوتب الثالث جعران حجري كبير بجوار البحيرة المُقدّسة الشهيرة في معبد الكرنك، فقد كان الجعران كاللوتس يرمز للتجدُّد الدائم.
........................................
* هذا المقال من مجموعة مقالات أرسلها الأستاذ مجدي إبراهيم علي عبدالجواد قبل أن ينتقل إلى الرفيق الأعلى .
رحم الله الأستاذ مجدي الذي واكب مسيرة المجلة العربية.