مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

حماية التنوع الأحيائي

المحميات الطبيعية هي مساحات يتم تخصيصها للحفاظ على النظم البيئية، وقد تكون أرضية أو بحرية، وقد قام الاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN) بتصنيف المحميات الطبيعية حسب وضعها ودرجة الحماية التي تحتاج لها. والهدف العام هو الحفاظ على النظم الطبيعية وحمايتها من التدخلات الضارة وتوفير مصادر للبحث العلمي والقيم الجمالية وتوفير موئل آمن للكائنات الحية. تحفظ المحميات الطبيعية التنوع الأحيائي والذي يعود بفوائد كبيرة على الإنسان، فهو يقدم له العديد من الخدمات ومنها: المحافظة على النظام البيئي، إذ يلعب التنوّع البيولوجي السليم دوراً مهماً في استقرار مناخ الأرض ليكون مناسباً لحياة الإنسان، كما يساهم في الحفاظ على استمرارية دورة المياه، إلى جانب العديد من النباتات الطبية والعطرية والخدمات الثقافية والبحثية والتعليمية. كما أنه يوفّر للإنسان الفرصة للقيام بنشاطات السياحة، والترفيه، والاستجمام في بيئة طبيعية.
تساهم النظم البيئية الطبيعية المحمية في تحقيق الأمن الغذائي، وبخاصة للمجتمعات الفقيرة التي تعتمد في غذائها على منتجات المناطق المحمية، فعلى سبيل المثال توفّر المياه العذبة، ومياه البحار، وبعض المناطق الساحلية المحمية بيئات مناسبة لتكاثر الأسماك، مما يشكل مصدراً غذائياً للسكان. وتلعب المناطق المحمية دوراً رئيساً في تعزيز الأمن الغذائي مثل توفير مصادر للأعلاف ومناطق للرعي إلى جانب توفير بعض أنواع النباتات التى تستخدم كغذاء خلال فترات الجفاف. من أهم الخدمات التي تقدمها المحميات الطبيعية هي تخزين وعزل الكربون إذ تلعب النظم البيئية الطبيعية المحمية دوراً مهماً في تخزين وعزل الكربون. وتخزن المحميات الطبيعية نحو 15 % من الكربون المخزن في العالم. تعد المناطق المحمية موقعاً مناسباً لإجراء البحوث البيئية، كما توفر بعضها برامج تعليمية يتم تطويرها بالاشتراك مع المدارس والكليات، مما يسمح للطلاب بالتفاعل المباشر مع الطبيعة. وتتمتع بعض المناطق المحمية بقيم ثقافية وتاريخية مهمة، وبخاصة المناطق التي تحتوي معالم ومناظر طبيعية فريدة، أو أنواعاً برية مميزة.
يمتاز السودان بتنوع كبير في بيئاته الطبيعية، وقد بدأ حجز المحميات الطبيعية منذ عام 1935. وهنالك 8 محميات قومية، ثلاث منها تم إعلانها كمحميات محيط حيوي، وتم تسجيلها ضمن منظومة اليونسكو لمحميات المحيط الحيوي، وهي محميات الدندر والردوم وجبل الدائر. كما تم حجز وإعلان محميتين بحريتين، وهما: سنقنيب ودنقناب في البحر الأحمر. وسوف نركز في هذا المقال على محمية الدندر القومية.
محمية الدندر
هي أولى محميات السودان 1935م، وهي من المحميات ذات المساحة الكبيرة 10,291 كم2، وبعد انفصال جنوب السودان أصبحت هي المنطقة الوحيدة التى بها ظباء كبيرة الحجم كـ(أبو عرف) ومتوسطة الحجم كـ(الكتمبور). وفي المحمية ثلاثة أنواع من النظم البيئية، وهي: منظومة الأنهار والخيران ومنظومة المناطق العليا (الضهرة) ومنظومة (الميعات) أو المسطحات المائية والتي لها أهميتها في توفير الماء والكلأ للحيوانات البرية، ويتجاوز عددها الـ 40 ميعة مختلفة الأشكال والمساحات. وتتراوح معدلات الأمطار بين 600 إلى 800 ملم. ويوجد بالمحمية نحو 27 نوعاً من الثديات وأكثر من 160 نوعاً من الطيور و32 نوعاً من الأسماك و58 نوعاً من الأشجار والشجيرات إضافة إلى مجموعة متميزة من الزواحف والحشرات.
تواجه المحمية عدداً من التحديات تعود في معظمها لأسباب تقع خارجها فى الولايات الثلاث، إذ تعانى المحمية من الاستغلال غير المرشد الذي تمارسه المجموعات المستقرة حول المحمية والمجموعات الرعوية المترحلة والمحتطبين وصائدي الزواحف، على الرغم من المحاولات والتدخلات التي تمت لتنظيم تلك الممارسات.
تحيط بالمحمية حوالي 50 قرية تقع في الولايات الثلاث المحيطة بها، وهي: ولايات سنار والقضارف والنيل الأزرق. عدد قليل من هذه القرى يسكنها السكان الأصليون مثل قرية ماجانو داخل المحمية وقرى الكدالو في ولاية النيل الأزرق. معظم القرى الأخرى يسكنها مهاجرون بشكل رئيسي من غرب السودان الذين دفعتهم عوامل مختلفة، مثل: الجفاف والتصحر والحروب الأهلية للنزوح. يتعدى القرويون على المحمية بحثاً عن المرعى لمواشيهم ولحوم الحيوانات وصيد الأسماك والحطب وثمار الأشجار والعسل.
كما أن غياب خطط استخدام الأراضي في الولايات الثلاث المحيطة بالمحمية وتزايد عدد السكان قد فاقم من المشكلات التى تواجه المحمية. ولقلة المراعي والمياه المتاحة خارج المحمية خصوصاً فى فصل الصيف يضطر الرعاة لإدخال حيواناتهم للرعي داخل المحمية على الرغم من العقوبات القانونية الصارمة. وعلى الرغم من أن النظم البيئية داخل المحمية لا تزال سليمة، إلا أن أعداد الأنواع الحيوانية ظلت تتناقص بشكل مضطرد وسريع من خلال الصيد الجائر. فقد اختفت عدد من الأنواع مثل الزرافة وغزال الريل، وهنالك أنواع أخرى مهددة بالاختفاء.
وتبذل الإدارة العامة لحماية الحياة البرية وهي الجهة المسؤولة عن المحمية جهوداً كبيرة لحماية محمية الدندر ومساعدة المجتمعات المحلية حولها بإيجاد سبل كسب عيش بديلة للتقليل من اعتمادهم على موارد المحمية. وقد نفذت اللجنة الوطنية للإنسان والمحيط الحيوي مشروعاً لتفعيل نظام النطاقات الثلاثة للمحمية لتخطيط هذه النطاقات وتحديد الأنشطة المناسبة لكل نطاق حسب ما تقتضيه نظم محميات المحيط الحيوي.
ومؤخراً قام المجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية والإدارة العامة لحماية الحياة البرية بمساعدة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP بإعداد مشروع لحماية التنوع الأحيائي والمحافظة على النظم البيئية في محميتي الدندر وجبل الدائر ومحميتي سنقنيب ودنقناب في البحر الأحمر وقد وافق المرفق العالمي للبيئة GEF على تمويل المشروع بمبلغ أربعة ملايين وخمس مئة ألف دولار وسوف يبدأ تنفيذه هذا العام على مدى خمسة أعوام.

*ناشط بيئي وعضو الجمعية السودانية لحماية البيئة

ذو صلة