سعت أغلب دول العالم، وكذلك الدول العربية للحفاظ على الأنواع النباتية والحيوانية والبحرية النادرة من الانقراض، ووجّهت الحكومات العربية عنايتها واهتمامها بتلك الثروة الطبيعية، فظهرت فكرة إنشاء المحميات الطبيعية النباتية والحيوانية وغيرها، من أجل حماية تلك الثروات الطبيعية المهددة بالانقراض. فالمحميات الطبيعية هي مواقع جغرافية تخصّص لحماية الطبيعة، والحفاظ على أنواع معيّنة من الحيوانات أو النباتات من الانقراض، بسبب عوامل الطبيعة، أو السلوك المنحرف لبعض البشر الذين يتاجرون في تلك الثروة الطبيعة، حيث عمدت بعض الهيئات والمنظمات العالمية المهتمة بالتراث إلى سنّ القوانين لحماية تلك الثروة الطبيعية، وكذلك فعلت كثير من الدول في العالم مثل ذلك، حيث خصّصت مواقع جغرافية أطلقت عليها محميات طبيعية للحفاظ على تلك الثروة الطبيعة من الانقراض.
ويزخر العالم العربي من مشرقه إلى مغربه بثروة طبيعية حيوانية ونباتية ومائية كبيرة، حيث توجد فيه كثير من الحيوانات والنباتات النادرة والثمينة المعرضة للانقراض، فعمدت الدول العربية إلى تخصيص مواقع لحماية تلك الثروة من عبث بعض البشر بها، وتأثير المناخ فيها.
وبعد أحداث الربيع العربي في بعض الدول العربية التي عمتها الفوضى، ودارت فيها رحى الحروب سنوات عديدة، مثل ليبيا، وسوريا، واليمن؛ تعرّضت بعض تلك المحميات للعبث عمداً، بسرقة الحيوانات واصطيادها للتجارة فيها وجني مكاسب مالية كبيرة جرّاء تلك الأفعال، أو بغير عمد حيث طالت بعضها الحروب وشملها الدمار، أو اتخذت مقرات للمتحاربين.
ففي اليمن على سبيل المثال يوجد ستة وثلاثون موقعاً تم تحديدها وترشيحها لتكون مواقع محميات طبيعية، وبين الأعوام 1999م و2009م أعلنت الحكومة اليمنية عن ست محميات طبيعية، منها: محمية برع، ومحمية حوف، ومحمية شرمة، ومحمية عتمة، ومحمية غابة برع الطبيعية. ومن المؤسف أنّ الحرب الدائرة بين اليمنيين طالت بعض تلك المحميات وعرضتها للزوال.
وفي سوريا توجد محميات طبيعية عديدة، بلغ عددها ثلاثون محمية طبيعية، أهمها: محمية التليلة بالقرب من تدمر، ومحمية الشوح، ومحمية الأرز بالساحل، ومحمية جبال الشومرية بحمص، ومحمية جبل عبدالعزيز بالحسكة، ومحمية جزيرة الثورة في بحيرة السد بالرقة، ومحمية غابات الفرنلق باللاذقية، ومحمية راس البسيط باللاذقية، ومحمية أم الطيور باللاذقية، ومحمية عين الشعرة بطرطوس. وقد أثرت الحرب في سوريا بعد ثورات الربيع العربي في تلك المحميات الطبيعية، فعبثت بالحياة البرية فيها، وهدّدت الكائنات الحيّة في البر والبحر، حيث دمّرت الحرب المخازن الطبيعية للأصول الوراثية، وتعرضت بعض المحميات للتدمير والحرق والسلب والنهب وتدهور المياه وتلوثها، وتعرّضت الحيوانات البرية للسرقة والصيد الجائر، ولاسيما حيوانات المحميات، كغزلان الريم، والمها العربي، وطائر النعام، هذا علاوة على الحرائق الكثيرة التي تعرّضت لها الغابات، وكان أشدها وأكثرها خطراً حريق منطقة شطحة في عام 2015م.
وفي ليبيا توجد صحراء كبيرة جداً بالجنوب يحدها الجزائر وتشاد والنيجر، يعيش فيها الوعل (غزال الودان) تعرّض بعد ثورات الربيع العربي للاصطياد الجائر. كما تعدّ منطقة الجبل الأخضر الواقع شمال شرق ليبيا من أجمل المناطق الطبيعية في العالم، ومن أشهر مدنه مدينة درنة، ومدينة البيضاء، ومدينة المرج، ويوجد بتلك المنطقة العديد من المحميات الطبيعية، وهناك محميات طبيعية عديدة في ليبيا، منها: محمية بنغازي، ومحمية وادي الكوف، ومحمية زلاف، ومحمية بير عياض الطبيعية، ومحمية مسلاتة، ومحمية نالوت، ومحمية زلتن. ومن المؤسف أن بعض تلك المحميات تحوّلت بعد الثورة في عام 2011م إلى ساحات للاقتتال ومعسكرات للتدريب، حيث طالت أسلحة المتقاتلين الحيوانات بتلك المحميات الطبيعية، كالثعلب، والقط البري، وابن آوى، والغزال، والأرنب البري، وكذلك الطيور، كالحمام، والحجل، والصقر، والحبارى.. وغيرها. فبعد سقوط الدولة وانتشار السلاح، وسطوة الكتائب المسلحة صارت الشرطة الزراعية المكلفة بحماية تلك المحميات عاجزة عن القيام بواجباتها، شأنها شأن رجال الشرطة ورجال المرور، وغيرهم من رجال الأمن في الدولة. حدث كل ذلك على مرأى ومسمع من الحكومات المتتابعة، والمنظمات والهيئات الدولية، كمنظمة اليونسكو المعنية بحماية التراث الإنساني.
وفي الختام نأمل من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (أليكسو) التواصل مع حكومات تلك الدول، بالتنسيق مع اليونيسكو، للحفاظ على تلك المحميات الطبيعية في دول الربيع العربي، لأنها تمثل جزءاً من الثروة الطبيعية في العالم العربي.