احتفل موقع جوجل الأمريكي بالفنان التشكيلي الجزائري محمد خدة، في الرابع عشر من مارس، المولود في 14 مارس 1930 في مستغانم بالجزائر، والمتوفى في الرابع من مايو 1991، وهو أحد رواد الفن الحديث في الجزائر، إذ مارس الرسم والنحت والطباعة الفنية والديكور المسرحي، وينتمي في أعماله التشكيلية للمدرسة التجريدية، وكان أحد أبرز الفنانين الذين استخدموا جماليات الخط العربي في لوحاته، ليست هذه هي المرة الأولى التي يحتفي بها مؤشر البحث العالمي (جوجل) بشخصية اعتبارية جزائرية في مجال الفنون التشكيلية، ففي الأسبوع الثاني من ديسمبر 2018 احتفل (جوجل) بالرسّامة الجزائرية الفطرية باية محيي الدين.
بدأ حياته كعامل في مطبعة، لم يتلقَّ خدة أي تعليم أكاديمي يؤهله لممارسة الفن التشكيلي لاضطراره للعمل من أجل إعالة والديه المكفوفين، فكان عصامياً في صغره اقتحم الميدان بملكته وحسه الفني إلى أن كانت بدايته مع الرسم متخذاً الاتجاه التعبيري الواقعي في 1947، سافر الفنان الجزائري إلى باريس في عام 1952 وتلقى تعليماً بإشراف بابلو بيكاسو الذي عرّفه على التكعيبية التي أثرت بشكل كبير في رؤية خدة الفنية، قضى عقداً في فرنسا قبل أن يعود إلى الجزائر، ورسم أولى لوحاته وهو في السابعة عشرة في عام 1953، فكان يعمل نهاراً ويرسم ليلاً، وفي باريس التقى شخصيات فنية وثقافية بارزة ومعروفة من جنسيات مختلفة، أسهمت في تشكيل رؤيته الفنية، وإثراء تجربته بعناصر جديدة، كما أتيح له أن يقيم معرضه الأول في قاعة (الحقائق) بباريس عام 1955 وفي باريس عمل في مرسم جراندشومير المعروف في العاصمة الفرنسية وعاش هناك 10 سنوات، وعلى أثر استقلال الجزائر في 1962 عاد إلى بلده ليقيم أول معرض بعنوان (السلام الضائع) سنة 1963 وقد ساهم خدة في الحركة الثقافية طيلة مشواره الفني بداية بمشاركته في 1964 في تأسيس الاتحاد الوطني للفن التشكيلي، وتولى عدة مسؤوليات في وزارة الثقافة والمجلس الأعلى للثقافة وكذا المدرسة العليا للفنون الجميلة، كما أسس مع فنانين آخرين مجموعة (أوشام) في سبعينات القرن الماضي، وأقام عدة معارض جماعية وفردية آخرها كان في قاعة (السقيفة) سنة 1990 أي قبل سنة من وفاته في 4 مايو 1991 بعد مسيرة عطاء فني امتدت لما يقرب من الأربعة عقود.
وقد رسم خدة العشرات من اللوحات الفنية أغلبها موجود بالمتحف الوطني للفنون الجميلة بالعاصمة، والاتحاد الوطني للفنون الثقافية، لقد استطاع خدة أن يترك بصمته عبر مجموعة من الرسومات الجدارية منها منحوتته (نصب الشهداء) بمدينة المسيلة، وصمم زرابي مثل تلك التي تزين مطار الملك خالد الدولي بالسعودية، كما قام برسم كتب لأشهر الكتاب مثل ديوان الوردة لجان سيناك سنة 1964، و(من أجل إغلاق نوافذ الحلم) لرشيد بوجدرة سنة 1965، و(العصفور المعدني) للطاهر جعوط سنة 1982 غير كتب جون ميشال وجورج برنارد.
وفي مجال الديكور المسرحي، كان له تجربة طويلة وثرية مع المخرج عبدالقادر علولة، حيث صمم ديكورات أبرز مسرحياته، كما صمم ديكور مسرحية ولد عبدالرحمن كاكي (بني كلبون) وقام بتصميم ملابس وديكور مسرحية (الشهداء يعودون هذا الأسبوع) التي أخرجها زياني شريف عياد عن قصة للطاهر وطّار.
وكان محمد خدة يعشق شجرة الزيتون التي يعدها عنصراً بارزاً في البيئة المتوسطية بشكل عام والجزائرية بشكل خاص، كما عبر عن اهتمامه بالعمران الإسلامي. وفي مرحلة لاحقة من حياته الفنية، انتقل من أسلوب التصوير في الرسم والنحت إلى أسلوب آخر يصفه بـ(عدم التصوير)، كما تميز بتوظيف الخط العربي كعنصر في الفن التشكيلي، بسبب مرونته وقابليته للحركة والتشكيل، وقد جمع أعماله في كتابين هما: (صفحات متناثرة مترابطة)، و(معطيات من أجل فن جديد).
وترك الفنان الراحل العديد من الإبداعات البصرية خلفه، وعمل فنياً بمطار الملك خالد بالعاصمة السعودية الرياض، وفي 2015 أطلقت الجزائر جائزة للفنون التشكيلية تحمل اسم الفنان الراحل، وتمنح لمبدعي هذا الفن في العالم العربي.
صفحات منسية من حياة خدة
في فيلمها التجريبي (نوبة نساء جبل شنوة)، تقوم الكاتبة الراحلة آسيا جبار بالاستعانة بلوحة للفنان الجزائري محمد خدة (انعكاسات وشجيرات)، التي رسمها عام 1976، ويجمع فيها بين تقنيات الرسم الغربية وسيولة الكتابة العربية، جسّدت جبار الصدمة التي كانت قائمة بعد حرب التحرير والشفاء منها باللغة، بالكلام الذي كان يدور بين النساء في الفيلم، بتبادل الحديث كأساس للتحول، دون أن يخفي أن هذا الحديث يظهر أيضاً التناقض في لغة وهوية ما بعد الاستعمار. وهذا ما كان يفعله خدة في لوحاته أيضاً، وربما لهذا حضر عمله في فيلم جبار.
من يتأمل لوحاته، يدرك أن مزّاجة خدة مليئة بالألوان المشتقة من لون الأرض، البنيات هيمنت بشكل كبير على معظم أعماله، إلى جانب زرقة السماء الجزائرية كخلفية وأفق لغالبية رسوماته للطبيعة، فموضوعه كان دائماً الجزائر بتفاصيلها العمرانية والمعمارية وبأشجارها وطبيعتها صحراء وساحلاً وغابة، واستلهم أعماله من رسامين فرنسيين مثل يوجين ديلاكروا، ويوجين فرومنتان، وتيودور تشاسريو، ونصرالدين دينيه، كما زين برسومه كتباً لأشهر الروائيين.
وكان لمحمد خدة تقاليد خاصة في الفن، حيث كان يميل إلى الألوان الترابية، وتفنن في رسم لوحات شملت تطويعه لحروف عربية. وتولى تجليد مجموعة من الكتب التي تشمل أعمال عمر الخيام وطه حسين وأندريه جيد وأندريه بروتون وجان كوكتو. واتجه خدة في أسلوبه الفني إلى مزج تقنيات الرسم الغربي مع انسيابية الخط العربي ليمثل بذلك جيلاً من الفنانين الجزائريين الذين عملوا معاً لإيجاد توليفة بين إرث الخط العربي والمدرسة التجريدية الغربية، كما اهتم بالعمارة الإسلامية والنحت.
شارك بيكاسو العرب في العديد من الحركات والمنظمات الفنية طوال حياته المهنية التي كانت سبباً في التأثير على الفن في أفريقيا وبقية العالم، قدم الفنان الجزائري التشكيلي الراحل محمد خدة نفسه رائداً عالمياً في فنون الخط العربي، لاسيما أن لوحاته عرضت في متاحف عالمية كثيرة.
وجد الفنان المنخرط سياسياً أن العلامة اللغوية هي الأساس للتعبير عن هوية الجزائر بعد الاستعمار، ملتزماً بالتجريد ورافضاً (الواقعية) أو السرد البصري في الرسم، مطلقاً اسم (عدم التصوير) على مدرسة التجريد.
كانت التحولات السياسية الكبرى في البلاد قد جلبت معها تيارات تشكيلية مختلفة، ومن بينها (مدرسة الإشارة) التي كان خدة أحد مؤسسيها، وتقوم على إنشاء تراكيب ملموسة تُلصق الكتابة العربية والخط على اللوحات المجردة. محمد خدة هو رائد مدرسة الإشارة وصاحب إدخال فكرة الرسم المعاصر في الجزائر.