ترتبط نشأة قصر الحكم في أي مدينة بتاريخ نشأة هذه المدينة، نظراً لما بين قيام الحواضر وبين تأسيس الحكم من علاقة وثيقة.
والتاريخ يذكر لنا أن مدينة الرياض قد نشأت على أنقاض مدينة حجر التي يعود تاريخها إلى فترة زمنية قديمة حتى القرن التاسع الهجري تقريباً، حسب ما نقله لنا الرحالة المسلمون، وقد تحولت تلك المدينة إلى عدة أحياء وقرى صغيرة متناثرة أطلق على مجموعها الرياض.
وقد ذكر أنه في أواخر القرن الثاني عشر الهجري رفض حاكم الرياض السابق دهام بن دواس الانصياع للدعوة والاستجابة لها، وأصر على المقاومة، فقام بترميم أسوار مدينة الرياض وبنى في وسطها قصراً محكماً، ويظن أن قصر الحكم المعروف اليوم كان على أنقاض ذلك القصر. وما يؤكد لنا أن قصر الحكم في مدينة الرياض يقع في موقع قصر دهام السابق، هو ما أشار إليه ابن بشر في تاريخه عن غارة قامت بها جيوش الدعوة بقيادة عبدالعزيز بن محمد إلى الرياض عام 1161هـ، وأن هذه الجيوش تمكنت من الوصول إلى الظهيرة التي يقرب منها قصر دهام بن دواس، وكان جُملة أهل البلدة قد تجمعوا حول ذلك القصر، وهذه إشارة صريحة إلى موقع القصر.
وذكر أن قصر الحكم بناه أمير الرياض ابن ناصر بإيعاز من الأتراك، لكنه لا يعرف هل هو ابن ناصر الذي كان حاكماً للرياض عام 1223هـ واسمه ناصر بن حمد العائدي أو عبدالله الذي ثار بعد أن قُتل أخوه في واقعة الحائر وحكم بعده إلى عام 1240هـ عندما استعاد الأمير تركي الرياض.
وكما هو معروف أن قصر ناصر بن حمد العائدي أمير الرياض عام 1236هـ يقع غرب قصر الحكم الحالي في جانب المقيبرة من الناحية الشرقية، كما يذكر أيضاً أن قصر الحكم أُنشئ امتداداً أو على أطلال قصر دهام بن دواس الذي اتخذه الإمام تركي بعد ابن ناصر قصراً للإمارة والحكم حتى هدمه ابن رشيد عام 1309هـ.
ولما لهذا القصر من أهمية فهو يتوسط مدينة الرياض على أرض مساحتها (11.500) متر مربع، وقد أعيد بناؤه عدة مرات على نفس الموقع السابق.
وبالنظر إلى أن هذا القصر وهو أكبر بناء في المدينة آنذاك، فإنه يُشرف على جميع جهاتها، وهو في معظمه من الناحية الشمالية يطل على ساحة الصفاة -الميدان الفسيح الذي يقع شمال القصر- وقد أعد ذلك الميدان خصيصاً لإقامة أفراح في المناسبات الدينية والوطنية، حيث يحتفل بختم القرآن أو الأعياد أو المناسبات الأخرى، كما يتجمع في هذا الميدان الزائرون والوافدون على قصر الحكم من البادية ومن البلدان الأخرى بغرض قضاء بعض المصالح أو الوفود إلى حاكم البلاد والسلام عليه.
كما يطل القصر من هذه الناحية على الجزء الشمالي الشرقي من المدينة المسمى بحي (ثميري) وحي (حلة الأجناب)، وقصر (المصمك) وما حوله و(حلة الظهيرة) وما حولها، وعلى الجزء الشمالي الغربي حيث يقع المسجد الجامع و(حلة المعيقلية) و(حلة العطايف).
ويطل هذا القصر من الناحية الجنوبية على حي (دخنة) ومن الناحية الغربية (المقيبرة) ومن الناحية الجنوبية الغربية (حلة المريقب) وما حولها، ومن الناحية الجنوبية الشرقية حي (الحلة والقرى) وما حولها.
وقد استلهم تصميم مبنى قصر الحكم في كثير من تفاصيله المعمارية روح العمارة التقليدية في المنطقة، فأخذ في الاعتبار طبيعة الترابط الوثيق بين الحاكم والشعب، وتم تقسيم المبنى الجديد لقصر الحكم (كما يبدو ظاهرياً من الخارج) إلى جزءين الجزء الجنوبي يتكون من قلعة ذات أسوار وأربعة أبراج في الأركان تُضفي على القصر الهيبة والرمز، إضافة إلى برج خامس في الوسط يشكل مصدر إضاءة وتهوية طبيعية للمكاتب والأفنية تحته، والجزء الشمالي عبارة عن بقية المبنى ملتصق بالقلعة.
وبمجرد الدخول إلى القصر فإن المرء لا يشعر بوجود أي تقسيم حيث يرى الجزء الجنوبي من القصر يقع على ارتفاع ستة أدوار في حين يقع الجزء الشمالي على خمسة أدوار.
ويفتح المدخل الملكي الخارجي للقصر على ساحة الصفاة وتعلوه ثلاثة نتوءات بارزة تحاكي الطرقات التي كانت تعلو مداخل القصور والبيوت في السابق.
كما يؤدي المدخل إلى بهو مفتوح تنطلق منه ممرات واسعة تتوزع عبرها الحركة أفقياً إلى مختلف عناصر الدور الأول ورأسياً إلى الأدوار العليا.
أما مدخل الجمهور إلى قصر الحكم فيفتح على ساحة الإمام محمد بن سعود الواقعة غرب القصر، ويتكون القصر من الأدوار التي تضم أهم مرافق الحكم فيضم الدور الأول من القصر، مجلساً ملكياً مساحته 2000 متر مربع وبارتفاع 14 متراً، ويوجد على جانبي هذا المجلس صفوف من الأعمدة المغطاة بالرخام، وقد زينت جدرانه بزخارف ونقوش على الطراز المحلي.
ويضم أيضاً، مكتباً لخادم الحرمين الشريفين، ومجالس ملحقة به، وصالة الطعام الرئيسة البالغة مساحتها 1120 متراً مربعاً، إضافة إلى مجالس وقاعات وعناصر أخرى.
وكذلك مكتب أمير منطقة الرياض، ومجلساً يستقبل فيه المواطنين، وجناحاً خاصاً بالأمير، وقاعة اجتماعات وصالة طعام، كما يضم هذا الدور مكتب نائب منطقة الرياض، وجناحاً خاصاً لسموه، إضافة إلى قاعة اجتماعات وصالة طعام.
أما الأدوار العلوية من قصر الحكم فتضم مكاتب الإداريين، إضافة إلى قاعة للاجتماعات، وأخرى للمحاضرات تتسع لـ185 مقعداً مجهزة بنظام للترجمة الفورية، ووسائل سمعية وبصرية، ولعرض الأفلام وعروض الشرائح.
ومن الخارج يوجد العديد من الميادين الواسعة التي تحيط بالقصر مما يضفي عليه الهيبة والجمال في آن واحد، والمبنى من الناحية الخارجية يحاكي التراث العمراني في الجزيرة العربية من كافة النواحي من أسس بنائية وزخرفية وتقسيمات للأبواب والنوافذ والوحدات العمرانية التراثية مما عزز الهوية الإرثية للمملكة العربية السعودية.
ولا بد أن نذكر أن قصر الحكم بمكانته وهيبته السياسية والاجتماعية ظل إلى وقتنا الحاضر ومع مرور الزمن محافظاً على هويته الوطنية والنجدية على وجه الخصوص، فمعظم القصور تتصف بسماكة جدرانها التي تصل إلى مترين ونصف المتر وارتفاعها الذي قد يصل إلى عشرين متراً، وتشكل الأبراج الدائرية أو المربعة أركان الحماية للقصر وتقع في أركان المبنى، وفي حالة القصور الضخمة يصل عددها إلى ستة أو ثمانية أبراج.