بعد عام ونصف العام اتسمت بجائحة مدمرة وجهود شاقة لتطوير العديد من اللقاحات الفعالة للغاية، كانت جائزة نوبل هذا العام في علم وظائف الأعضاء أو الطب مفاجأة للوسطين العلمي والأكاديمي. لقد تم منحها للاكتشافات المتعلقة بكيفية شعور جسم الإنسان بدرجة الحرارة واللمس.
منحت الجائزة إلى (ديفيد يوليوس) من جامعة كاليفورنيا، سان فرانسيسكو، و(أردم باتابوتيان) من مجموعة أبحاث (سكريبس) في لا جولا، كاليفورنيا، لاكتشاف القواعد الجزيئية لكيفية تمكن الأعصاب من تحويل مختلف المحفزات، كالحرقة التي نشعر بها عند تناول الفلفل الحار- حرق الفلفل الحار- أو الشعور بالضغط الناعم عند العناق- إلى إشارات يمكن أن يستشعرها الدماغ.
تعد قدرات البشر على الإحساس بالحرارة والبرودة والضغط والتموضع (أي الإحساس بوجود ومكان أي عضو من أعضاء الجسم في الفراغ) أمراً حيوياً لإدراك محيطنا والتفاعل معه. إن فهم كيفية عمل مختلف الأعصاب في إدراك أنواع الشعور يعتبر أمراً بالغ الأهمية لعلاج الكثير من الحالات المرضية كالألم المزمن والكثير من الحالات الأخرى.
قال باتريك إرنفورز، وهو عضو اللجنة المانحة لجائزة نوبل، في مؤتمر صحفي للإعلان عن الجائزة يوم الاثنين في السويد: إن عمل العالمين (ديفيد يوليوس) و(أردم باتابوتيان) كشف أحد أسرار الطبيعة النادرة والمهمة.
عمل يوليوس وزملاؤه من جامعة كاليفورنيا في الولايات المتحدة على إيجاد مستقبل للكابسيسين، وهو مكون يوجد في الفلفل الحار يسبب إحساساً مؤلماً بالحرقان، كما حددوا الجين (المورّث) الذي يشفر بروتيناً جديداً يسمى (تي.آر.بي.في.ون)- وهو المسؤول عن تكوين قناة أيونية في أغشية الخلايا تنفتح استجابة للحرارة. قال (يوليوس) في مؤتمره الصحفي يوم الاثنين إن فكرة إجراء تجارب الكابسيسين قد واتته أثناء التسوق في محل قريب للبقالة، حيث صرح لاحقاً: «لقد جاءتني هذه الفكرة أثناء المشي في ممر السوبر ماركت يوماً ما حين جذب نظري العدد الكبير من كل صلصات الفلفل الحار، وما إلى ذلك من الأطعمة المبهرة الحارة، حينها راودتني الفكرة التالية: علينا حقاً إنجاز هذا المشروع. وقالت زوجتي: حسناً، إذن يجب أن تحصل عليها!»، تقصد جائزة نوبل.
كما تمكن كل من (يوليوس وباتابوتيان)، وبشكل مستقل من اكتشاف بروتين آخر هو (تي.آر.بي.إم.8)، وهو حساس للشعور بالبرودة والمنثول. بالإضافة إلى ذلك، حدد (باتابوتيان) وزملاؤه جينات البروتينات التي تستشعر اللمس، والمعروفة باسم (بيزو1 وبيزو2)، كما تمكنوا من إثبات أن هذين البروتينين هما عبارة عن قنوات أيونية تنشط عند تعرضها للضغط والقوة. وتم العثور أيضاً على المورّث (أي الجين) المعروف باسم (بيزو 2) وهو المسؤول عن تكوين البروتين المسؤول عن استشعار مواقع الأطراف في الفضاء، وهي قدرة تعرف باسم استقبال الحس العميق.
يقول باتابوتيان، وهو أمريكي أرمني نشأ في لبنان الذي مزقته الحرب قبل مجيئه إلى الولايات المتحدة في سن 18، إنه تعلم ألا يعتبر الفرص التي تتاح له وكأنها شيء مضمون، وألا يرجع كامل الفضل لنفسه ولأعماله 100%. وفي مؤتمر صحفي يوم الاثنين، أشاد بعمل العديد من الزملاء الآخرين قائلاً: «أريد فقط أن أؤكد أن هناك طاقماً كاملاً من العلماء والطلاب واللامعين وراء هذه الدراسات- وعلى وجه التحديد، هناك داخل مختبري، مجموعة كبيرة من العلماء الشباب المتحمسين والأذكياء، من طلاب الدراسات العليا وباحثي ما بعد الدكتوراه الذين يعود إليهم الفضل في التوصل إلى هذه النتائج الباهرة».
يقول إرهو كاو، الذي كان يشغل موقع باحث سابق في مرحلة ما بعد الدكتوراه في مختبر يوليوس، ويعمل الآن أستاذاً مساعداً في الكيمياء الحيوية في جامعة يوتا، إنه (لم يتفاجأ) من حصول الباحث على جائزة نوبل عن هذا العمل. ويضيف كاو: «إن استشعار درجة الحرارة هو إحساس هام جداً، بل وأساسي للغاية. وإنك إذا لم تستطع الشعور بالحرارة، فسيمكنك شرب القهوة الساخنة جداً دون أن تلاحظ ذلك، مما سيؤدي إلى إصابتك بالحروق، إن استجابة مختلف أجزاء الجسم للإحساس بالألم تعتبر ميكانيكية وقائية بشكل أساسي، ولكن إذا اختفت أو تضررت لسبب من الأسباب، فقد تسبب أذىً مزمناً يهدد وجود الكائن الحي».
تقول كارا مارشال، وهي طالبة ما بعد الدكتوراه في مختبر باتابوتيان وأستاذ مساعد زائر في كلية بايلور للطب في هيوستن: تعتبر هذه الاكتشافات، واكتشاف القنوات الخاصة بها على وجه الخصوص، أمراً مثيراً للغاية، لأنه يمنحنا أدوات لفهم العديد من الجوانب المختلفة لعلم وظائف الأعضاء لدينا- وهذا يشمل كل شيء تقريباً بدءاً من اللمس إلى كيفية التحكم في ضغط الدم والاستشعار. وتضيف الدكتورة مارشال قائلة: «خذ على سبيل المثال شعورك بالحاجة إلى الذهاب إلى الحمام، إنك تعتبر هذه من الأشياء التي نأخذها كأمر مسلم به، ولكنها من الأمور التي تعتبر على جانب كبير من الأهمية، وتعتبر من الجوانب الحيوية لعلم وظائف الأعضاء وعالمنا الحسي».
قال (بيتر شولتز) وهو الرئيس التنفيذي لمجمع أبحاث (سكريبس)، في بيانه لمناسبة منح جائزة نوبل: «إن هذه الجائزة تعتبر تقديراً رائعاً لهذه الاكتشافات، لقد تابعت مهنة (أردم) عن كثب منذ أن جاء لأول مرة إلي ويمكنني القول إنه عالم استثنائي ومعلم وزميل وشخص رائع حقاً، ويستحق كل تقدير».